أيا رافعي شعار حقوق الإنسان، والذائدين لحمايته ضد ما يسمى بالإرهاب! دعونا نسائلكم! * يا أنتم! يا أيها العابرون للقارات، والمحيطات، بعتادكم، وكلابكم، والمتحكمون في بوابات الموانئ، والمطارات، بأجهزتكم، وأمتعتكم! أيحق لنا مساءلتكم! * هل من الإنسانية، وحق الإنسان تجزئة معنى هذا الإنسان، وتصنيف قيمته، بحسب الجنس والجنسية، وبمقتضى العقيدة والهوية، والثقافة الأصلية؟ * هل من الإنسانية، توجيه الاتهام بالجملة، وإصدار أحكام البراءة بالجملة، فتحكموا على البعض بتهمة الولادة في الجغرافيا والتاريخ، فتحرموهم من كل حق في الكرامة والسيادة، وتعاملوهم معاملة السوائم من حيث الخسف والبلادة؟ * إننا نبرأ إلى الله فاطر الإنسان على الخير مما أقدمتم عليه، ونبرأ إلى القانون الوضعي، الذي يعتبر الإنسان صفحة بيضاء، نبرأ إليه، مما أنتم فاعلون به! * ألم يكفكم أنكم قسمتم سكان العالم إلى متحضرين، ومتخلفين، وبلدانه إلى أقوياء ومستضعفين، وحكامه إلى تابعين ومتبوعين؟ * ألم تقنعوا، بأن جعلتم أنفسكم جاثمين على أرضنا، متحكمين في خيراتنا، كاتمين لطموحنا وأنفاسنا، فأسكنتمونا في المحتشد و"الڤيتو"، ونزعتم من أفواهنا كل أنواع السمك و"الڤاطو"، وحرمتمونا من حق الرفض و"الفيتو"، فما لكم، كيف تحكمون؟ * وإلا فما هذه القوانين الجائرة التي تنزل علينا منكم كما تنزل الصواعق من السماء، فلا نملك لها صدا ولا ردا؟ * وتطبق علينا بكل قسوة، وجفوة، فتسوقوننا بها جزافا إلى زاوية نائية من المطار، وتديرون وجوهنا نحو الجدار، فتنزعون عنا الخمار، والحذاء والإزار، دون ستار؟ فيا للعار! * عجبا لأمر أنظمة الغرب، حينما تحكم على شعوب كاملة، بالجملة، بتهمة الإرهاب، فتسيمها الخسف، والمهانة، وأنكى أنواع العقاب، ولا حامي يحميها باسم السيادة من العذاب، بل إن هذه الأنظمة المذلة، تكافأ على إذلالنا، بأن نجعل لها أرضنا ذلولا، ونوطئ لها أكناف خيراتنا جبالا وسهولا، وما ذلك إلا لأننا صرنا أذل من وتد، وأسوأ قيلا. * لقد صدق في وصفنا الشاعر الثائر أحمد مطر حين يقول: * أهذا الهراء إله جديد * يقوم، فيُحنى له كل ظهر * ويمشي، فيعنو له كل جيد * يؤنب هذا، ويلعن هذا * ويلطم هذا، ويركب هذا * ويزجي الصواعق من كل أرض * ويحشو المنايا بحب الحصيد * ويفعل في خلقه ما يريد * حقا إن ما يحدث هذه الأيام، من إصدار لقوائم سوداء، باسم شعوب آمنة مطمئنة، وحشر الناس حفاة عراة في المطارات، وتجريد النساء والرجال من حميميتهم، لا لذنب إلا لأنهم ساقتهم ظروفهم إلى السفر عبر هذا المطار أو ذاك. حقا إن هذا ليتجاوز كل قانون، وإنه لإنجيل، لم تعرفه التقاليد الدينية العتيقة، ولم تقل به العلوم العصرية الدقيقة. * فبعد الإسلاموفوبيا، جاء دور الجزائرفوبيا، والسودانوفوبيا، وفلسطينوفوبيا، ولبئس ما لم يقل. الويل لكم! أكل هذا لأن شابا مسلما من نيجيريا تجرأ على التفكير في القيام بجريمة، فتعاقبون الشعب النيجيري كله بالوضع في الحجر، ويكشف عن مواطنيه الحياء والستر. * وكم هي شنيعة الجرائم المضادة للإنسانية، التي ارتكبت من متعصبين أمريكيين وأوروبيين ضد شعوبنا، فما رفعنا أصبعا بالإدانة، ولا وصفنا أي شعب من شعوبكم بأوصاف المهانة، ألأننا نملك كما يقول المرحوم مولود قاسم "القابيلة للمركوبية"؟ * وهب أننا كشعوب، فقدت مصائرها، فلم نعد نملك القدرة على التعبير، لأننا نعاني من كل أنواع التسكين والتخذير، ويحال بيننا وبين كل إرادة للتغيير؟ أليست لنا حكومات مكلفة بأمر الإدارة والتسيير؟ أليس من حقنا على حكوماتنا، أن تهب لنجدتنا فتصد عنا هذه الألوان من الإذلال والعسف، وسوء المصير؟ * أليس من المساس بسيادتنا، على الصعيد العالمي، أن تهان وثائقنا، حين نهان بسببها، فنحشر في المطارات كما تحشر البغال والحمير؟ * وهل من رمزية استقلالنا، أن تنصب في المطارات الأوروبية والأمريكية أجهزة تكنولوجية متطورة، على مقاس شعوب خاصة، وتجرب فيها، على أجسامنا مواد كيمياوية، ذات أثر فعال على الأعصاب، والأبدان، دون تحرك من منظمة الصحة العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ووزارات السيادة الوطنية؟ * لقد تدنى مستوى الضمير الإنساني حقا إلى أسفل الدركات، بهذه الإجراءات الردعية المشينة، الحاملة لوباء داء إفقاد المناعة الحضارية للإنسان. أما آن الأوان إذن أن نعيد النظر في كل اتفاقياتنا الدولية من عضويتنا في منظمة الأممالمتحدة، ومنظمة اليونسكو، إلى كل الهيئات العلمية، والعالمية الأخرى، التي، لا تغنى من إهانة، ولا تدفع إدانة، ولا تكسب حصانة؟ * ثم نعود إلى حكوماتنا، ومن حقنا عليها، أن نسألها: ما جدوى العلاقات التي نقيمها مع هذه الدول التي تذلنا؟ ولماذا نتمادى في تمكينها من موادنا الأولية، وقواعدنا الإستراتيجية؟ * لقد تعلمنا في مدرجات الجامعة، أن أضعف معاني المقاومة في القانون الدولي، قانون المعاملة بالمثل، فلماذا لا نطبق نحن أيضا هذا القانون، إنقاذا للسيادة، ونصرة للعباد والعبادة، وإثباتا لمعنى الرجولة، ومعنى الحكم والقيادة؟ لقد كنا نعيش على الصعيد المحلي، إلصاق قائمة المجرمين المطلوبين للعدالة، على الحيطان وفي كل المحافظات، فتطور الوضع لتصبح شعوب بأسرها، توضع ضمن قائمة المشبوهين، القابلين لتوريطهم في الإجرام الدولي، ويوجد في بعض هذه الشعوب، ولعلهم يمثلون الأكثرية، من لا يعرف من معنى "القاعدة" إلا قاعدة النحو، والصرف، والفقه، ولا يدرك من اسم بن لادن، إلا تلك الشركة التي تقوم بحماية البيت المقدس من كل أنواع التلوث. * إن ما تقوم به الدول الكبرى باسم مكافحة الإرهاب، والتضييق على "القاعدة"، لهو التمكين من غير وعي للإرهاب، بإحداث الظروف المناسبة وتوسيع قاعدة المتعاطفين مع "القاعدة" التي ترفع شعار مقاومة الظلم، والفساد. وأي ظلم أكثر من نعت شعوب بأسرها بقابلية الانتماء للإرهاب؟ وأي فساد أكبر من الذي يعمد إلى الإنسان البريء، فيفسد كرامته، ويضاعف مهانته، ويهدد سلامته؟ * نحن في الجزائر بالذات، نملك أكثر من وسيلة للرد بالتصدي على التحدي، ومن ذلك الوقوف في وجه الشركات المستغلة، التي تأكل غلتنا، وتسب ملتنا. ونملك المعامل بالمثل، بتطبيق نفس الإجراءات الردعية المذلة، على رعايا البلدان التي تهين رعايانا. ونملك أيضا، إعادة النظر في كل الاتفاقيات المبرمة، سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، لنخضعها لقانون "النديّة" في التعامل حتى يشعر الجميع أنه لم يعد في العالم اليوم، أناس من الدرجة الأولى، وآخرون من الدرجة الثانية. * لقد قبلنا حتى الآن، نزع الحذاء، ونزع الحزام، ولكن أن تصل الأمور إلى نزع الثياب الداخلية، فهذا هو العهر السياسي الذي لا يمكن لشعب ذي عزة وكرامة أن يسلم به. * لقد انقضى الزمن الذي كانت فيه بعض الدول تقرر مصير العالم وحدها، دون استشارة أحد، ألا فليعلم الجميع، أنه يمكن أن نكون رعاة في أوطاننا، مع الحفاظ على كرامتنا وهويتنا، ولكننا لن نقبل أن نحشر حفاة وعراة في المطارات، مهما كان في ذلك من مكسب مادي، فالحرة تجوع ولا ترضع بثديها كما يقول المثل العربي، أو كما يقول الشاعر: * خبز الشعير، وماء البئر يكفين * مع السلامة في عرضي وفي ديني