وجّهت هيئة التشاور والمتابعة، المنبثقة عن توصيات الندوة الوطنية الأولى للانتقال الديمقراطي المنعقدة بزرالدة، ما سمته "نداء للشعب الجزائر" بمناسبة الذكرى ال60 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954. وقالت الهيئة إنها تريد بهذا النداء "إطلاع الشعب الجزائري على حقيقة الوضع في البلاد المتسم بشغور على مستوى رئاسة الجمهورية، وفساد عمّ جل مجالات الحياة، وفراغ مس معظم مؤسسات الدولة"، واضافت أنها "اجتهدت، في جو من الغلق الإعلامي والمنع من النشاط، لتحسيس المناضلين والمواطنين بضرورة التحرك السلمي من أجل إنقاذ الدولة الجزائرية من الانهيار". وطلبت الهيئة من الشعب، بمناسبة إحياء ذكرى الستين لانطلاق الثورة التحريرية "التأمل في وضع الجزائر اليوم والاندماج في المسار الصائب والضروري للانتقال ببلدنا من حالة الوهن الشديد الذي أصابها إلى وضعية بلد يسير بخطى حثيثة نحو الديمقراطية والعدالة والمساواة والحرية لكل أبنائه".
مصاريف خيالية.. ولا تنمية وقال بيان الهيئة، الذي اطلعت "الشروق أونلاين" على نسخة منه "إن مصاريف الجزائر، خلال فترة خمس عشرة سنة الأخيرة، أرقاما خيالية لم تعرفها منذ استعادة السيادة الوطنية. هذه المبالغ التي لا ترضخ لأية رقابة شعبية أو مؤسساتية لم تفد لا في تنمية البلد ولا في تحقيق السلم الاجتماعي الذي سعت إليه الحكومة من خلال وعود لا تتحقق لا على المستوى القريب ولا المتوسط بل قدمت فقط لربح الوقت". وقال أصحاب البيان "لقد رهنت هذه السياسة مستقبل الأجيال المقبلة بالاعتماد على الاستغلال الفاحش للثروات الطبيعية الغير متجددة كما فاقمت من التبعية الغذائية للجزائر وعرضت استقلالية القرار الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي للخطر". أما على مستوى الحريات والممارسة الديمقراطية، فسجّلت الهيئة أن السلطة القائمة "تستمر في منع المسيرات وعرقلة الأحزاب في نشاطها السياسي، وفي خنق حرية التعبير من خلال الضغوطات غير الأخلاقية التي تمارسها على الصحف الحرة؛ كما أثبتت، مرة أخرى، خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، تمسكها الشديد بالسلطة ووفاءها لممارسات منبوذة دوليا أقلها التزوير ومصادرة الإرادة الشعبية".
منعطف تاريخي واستنتج البيان أن الجزائر "أمام منعطف تاريخي وخيارين اثنين؛ فإمّا التشبث بالانسداد السياسي الحالي أو التجند من أجل هبة وطنية منقذة للمحافظة على الانسجام وعلى الوحدة الوطنية". ورأى البيان في ما سماه "الأحداث الأخيرة، التي عرفتها غرداية والعاصمة وبعض المدن الأخرى، صواب ما كنا نحذر منه وما كنا ندعو إلى تجنبه. كل الدلائل تبيّن اليوم بأن أزمة النظام السياسي تحولت فعلا إلى أزمة دولة؛ فمؤسسات الجمهورية التي هي نتاج مسار تاريخي طويل ومؤلم أحيانا، أصبحت مهمشة، وصارت السلطة الرئاسية مشلولة بسبب الغياب المتواصل لرئيس الجمهورية. إن السلطة السياسية تتحمل أمام الشعب والتاريخ، مسؤولية تدهور المحيط الاجتماعي والاقتصادي والأمني، كما تتحمل مسؤولية إدخال البلد في أزمة سياسية خطيرة غير مسبوقة".
فضائح لطخت شرف الجزائريين خارجيا، قال البيان إن "محيطنا يعرف منذ عدة سنوات، تسارعا للأحداث؛ ورغم ما تثيره من قلق، فإن إسقاطها لأنظمة تسلطية- تميزت بالرئاسة مدى الحياة وبمحاولات توريث الحكم- قد جعلها مكسبا تاريخيا لشعوب المنطقة. كان من المفروض أن تكون هذه الوضعية الحساسة، التي تمر بها المنطقة العربية، عامل تنبيه للسلطة القائمة لدفعها إلى مباشرة إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، تجعل الجزائر في منأى عن كل قطيعة عنيفة. غير أن الذي حدث هو عكس ذلك تماما، فقد استغلت هذه الأحداث كحجة للتضييق على الحريات ومنع النشاط السياسي والترويج لخطاب جديد يعتمد على الابتزاز الأمني، لرفض الانتقال نحو نظام ديمقراطي، خطاب يهدف إلى حماية فضائح الرشاوى الضخمة التي لغمت التنمية الوطنية ولطخت شرف الجزائريين وشوّهت صورة الجزائر بين الأمم". وواصلت هيئة التشاور والمتابعة تقول "إن من واجبنا أن ننبّه الجزائريين للمخاطر التي تحدق بالجزائر، وأن نحذر من سوء العاقبة إذا استمر الحال على ما هو عليه"، واضافت "إن طريق الخلاص ينبني على التوافق حول قيم الحرية والعدالة والتعاون بيننا جميعا دون إقصاء لأي طرف كان لإخراج الجزائر من الأزمة وتنظيم، مع السلطة السياسية، انتقال ديمقراطي توافقي تدريجي وسلمي. إن تلافي خطر الانهيار الذي يهددنا، والوصول إلى بر الأمان، مرهونان بدعم هذا المسار".
المعارضة تجاوزت الإيديولوجية وتحدّث البيان عن المعارضة الجزائرية قائلا "كانت الفكرة السائدة، هي أن المعارضة السياسية في الجزائر ضعيفة، مشتتة، متناحرة ولا برنامج لها؛ فها هم أبناؤك، أيها الشعب الجزائري، قد تجاوزوا الخلافات الإيديولوجية في لقاء زرالدة، وقدموا برنامجا كاملا لإنقاذ البلاد والسير بها نحو بناء الدولة الديمقراطية بمعاييرها النوفمبرية التي لا يقمع فيها الرأي المخالف ولا تطمس في رحابها الحقائق، ولا تخنق في ظلها الأصوات". وأكّدت أن المعارضة السياسية المنضوية تحت هيئة التشاور والمتابعة "تعمل اليوم كقوة موحّدة وتنتظر من النخب السياسية والجامعية والأكاديميين والمثقفين وأعضاء الجمعيات وكل أطياف المجتمع المدني، أن يصنعوا لأنفسهم وثبة تاريخية بالالتفاف حول برنامجها السلمي للانتقال الديمقراطي". وختم البيان يقول "تُشهد هيأة التشاور والمتابعة الشعب الجزائري، الصانع الوحيد لتاريخه، على خطورة الوضعية لأنه بدونه لا يمكن إيجاد أي حل ممكن ودائم لها كما لا يمكن أن يكون للانتقال الديمقراطي ، الذي تدعو إليه الهيئة وتضع نفسها في خدمة الشعب من أجله، معنى وبعدا إلا إذا اقتنع بعدالته وبصدق نوايا النساء والرجال المنادين به. إن هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة تدعوكم لمرافقتها في عملها لبناء مستقبل مؤسس على مصير مشترك يضمن للجزائريات والجزائريين شروط رفاهية شاملة في جزائر قوية، مستقرة وعادلة". وكانت هيئة التشاور والمتابعة قالت إنها ستتوجه بنداء إلى الشعب الجزائري بمناسبة ستينية الثورة، تتحدّث غيه عن مشروعها ونظرتها لما تعيئه البلاد. ويبدو الحديث عن "هية وطنية منقذة" في البيان، رسالة من هيئة التشاور والمتابعة للجزائريين بأن ينضموا إلى برنامجها الداعي إلى انتقال ديمقراطي سلمي لتغيير النظام.