ما يقوم به حزب جبهة القوى الاشتراكية من لقاءات ثنائية مع الأحزاب والشخصيات الوطنية لا يختلف في جوهره وشكله عمّا قام به أحمد أويحيى من المشاورات باسم الرئيس لتعديل الدستور مع الأحزاب الممثَّلة وغير الممثلة في البرلمان أو المجالس الشعبية ومع ما يسمى ب"الشخصيات الوطنية". ويعد هذان الحواران مجرد استنساخ لتجربة لجنة الحوار الوطني التي بدأت في عهد علي كافي بقيادة يوسف الخطيب وتكرّرت في صيف 2012 بإشراف عبد القادر بن صالح، وإذا كانت الأولى قد جاءت باليمين زروال رئيساً فإن الثانية لم تنجب حتى "دستورا مشوها"، أما الثالثة فقد بدأت بتقسيم المقسّم فحزب "حمس" الذي حوّلته السلطة إلى ثلاثة أحزاب ها هو حزب "الدا حسين" يقسّمه مرة أخرى، فما هي إستراتيجية السلطة للحفاظ على استمراريتها في الحكم؟ وما هي إستراتيجية المعارضة لإسقاطها؟. سقوط الأحزاب أم الزعامات؟ لا أحد ينكر الدور الذي لعبه الزعيم آيت أحمد في كشف عورات السلطة عندما رفض الالتحاق بها رئيسا عام 1992، أو عِبر امتناعه عن المشاركة في الحكم منذ 1963 لغاية 2014 حيث تنازل عن رئاسة الحزب فاحتضنته السلطة ليقوم بدور الوساطة بينها وبين بقية الأحزاب ظنا منها أنه قادر على القيام بهذا الدور متجاهلة الحقيقة التي تقول إن هناك فرقا شاسعا بين حسين آيت أحمد كأحد رموز الثورة الجزائرية والحزب الذي قاده 51 سنة معارضا للنظام القائم، فالحزب دون زعامته لا يذهب بعيدا، لأنه استهلك معظم إطاراته الحزبية ولم يبق سوى الهيكل، فهل يستطيع من خلال المشاورات التي يقوم بها مع الأحزاب أن يعيد تموقعه في الساحة السياسية؟. * يعتقد الكثير بأن الجزائر أصبحت بمنأى عن التغيير وهو اعتقادٌ لا يخلو من مغالطة؛ فالتغيير سنة الحياة والطبيعة ترفض الفراغ الذي تعانيه السلطة بسبب الفوضى في تسيير الشأن العام وهي تخاطب الشعب عبر الرسائل أو الوسطاء من المعارضة الموالية لها، لأن المعارضة الحقيقية لم تنزل بعد إلى الشارع. أغلب الأحزاب التي كبرت بفضل قياداتها تحوّلت إلى "حزيبات" ومعظم الأحزاب التي أنشأتها السلطة باتت خطرا عليها لأنها اكتشفت سرّ قوتها وضعفها وأساليب إضفاء المصداقية على طرق التزوير وتضليل الرأي العام، فهي لا تملك القدرة على "لمّ شمل قياداتها" إلاّ من خلال تعيينها في مناصب تنفيذية، فقوّتها لا تُستمد من قواعدها ولا من ممثليها في البرلمان أو المجالس الشعبية وإنما في الرجل الذي ساندته ليكون رئيسا أو الجهة التي أمرتها بذلك، وما دامت غير قادرة على "لقائه" أو "لقاء المقربين منه" أو معرفة ما ينوي أصحاب القرار عمله أو من سيخلفه في المنصب، فقد تاهت بين الأجنحة المتصارعة وهي تستجدي جناحا من الأجنحة ليغطيها حتى تحافظ على تماسك قياداتها. ما حدث للتجمع الوطني الديمقراطي بعد الإطاحة بزعيمه أحمد أويحيى وتعيين عبد القادر بن صالح على رأسه يحدث حاليا لجبهة التحرير الوطني التي يظن البعض أن أمناءها العامّين بإمكانهم الاستيلاء عليها والترشح باسمها في الانتخابات الرئاسية المحتملة خلال العام القادم متجاهلين ما وقع لأمينها العام علي بن فليس حين أعلن عن ترشحه باسمها لرئاسيات 2004 . تراهن الأحزاب الإسلامية في الجزائر على مستقبل تونس فإذا نجحت "النهضة" في دعم مرشح غير محسوب على النظام السابق، فإن ذلك سيكون لفائدة الجبهات الإسلامية في الجزائر لأنه يؤكد قوتها في الشارع العربي، وتراهن الأحزاب اللائكية على سقوطها وعلى النظام المصري، فإذا نجح في القضاء على الإخوان المسلمين وأطال في عمره فإن ذلك سيكون لصالحها، وتراهن سلطات معظم الأنظمة العربية التي لم تشملها رياح "الربيع العربي" على انهيار "الثورات العربية" وعودة الشرعية لبقايا الأنظمة السابقة في كل من ليبيا وتونس واليمن ومصر، لكنّ الرهان الحقيقي ليس في نجاح "الربيع العربي" أو فشله وإنما في قدرة الأقطار العربية على مقاومة الإستراتيجية الغربية الجديدة في تقسيم بلداننا تحت شعار "مكافحة الدولة الإسلامية". التماس مع الخط الأحمر يعتقد الكثير بأن الجزائر أصبحت بمنأى عن التغيير وهو اعتقادٌ لا يخلو من مغالطة؛ فالتغيير سنة الحياة والطبيعة ترفض الفراغ الذي تعانيه السلطة بسبب الفوضى في تسيير الشأن العام وهي تخاطب الشعب عبر الرسائل أو الوسطاء من المعارضة الموالية لها، لأن المعارضة الحقيقية لم تنزل بعد إلى الشارع لتعبئة المواطنين لمواجهة أي خطر يهدد وحدة البلاد والعباد. * المؤكد أن خطاب السلطة في بلادنا لا يختلف عن خطاب المعارضة التي صار نصفها الأول في خدمة السلطة وتغطية فشلها ومحاولة لعب دور الوسيط بينها وبين المعارضة الراديكالية والكل يعيش في الماضي ويخاطب الحاضر ولا يفكر في المستقبل. لم تحترم السلطة تعهداتها بالإصلاحات ولم تف بوعودها المتعلقة بتعديل الدستور، وبعض وزرائها صاروا يتصرفون في قطاعاتهم وكأنها مملكة لهم، فعندما يعلن وزير بأنه سحب قانوناً صوّت عليه البرلمان حتى لا يتعامل به، فهذا مؤشر على عدم احترام مؤسسات الدولة. سلطة شاغرة وحكومة تنتقل من مشروع سياسة "فيفتي- فيفتي" إلى سياسة "الكل رابح_ رابح" في علاقتها مع فرنسا، وهي تدرك أن شعبية فرانسوا هولاند لم تعد تسمح له بالترشح لعهدة ثانية ما لم ينجح في تقليص البطالة وإنقاذ فرنسا من الإفلاس فهل تنقذ السلطة الجزائرية نظيرتها الفرنسية حتى لا تكون نهايتها مثل نهاية نيكولا ساركوزي؟. المؤكد أن خطاب السلطة في بلادنا لا يختلف عن خطاب المعارضة التي صار نصفها الأول في خدمة السلطة وتغطية فشلها ومحاولة لعب دور الوسيط بينها وبين المعارضة الراديكالية والكل يعيش في الماضي ويخاطب الحاضر ولا يفكر في المستقبل، والنصف الثاني يعتبر أن مستقبل البلاد صار مرهونا بإحداث التغيير، والتغيير المرتقب لن يكون عبر الشارع أو ما يسمى بالعنف وإسقاط السلطة بقوة الجماهير وإنما يكون من داخلها، ف"التماس" بات يقلق أصحاب الحل والعقد حتى صاروا يتصدون لبعضهم البعض ويقلمون أظافر بعضهم البعض. وما دام الصراع قد أصبح في هرم السلطة فإن الانفجار غير مستبعد وضحيته لن يكون الشعب وإنما "الزمر" التي تحمي الفساد والمفسدين؟. لا شك أن رموز الحكم القادم ستجد نفسها عارية عندما يسقط القناع عمّن يريد الوصول إلى السلطة بأي ثمن في صراعه مع من هم في السلطة حاليا، فهل تبقى النخب على الهامش أم تصير وقوده؟.