التصريحات التي أطلقتها بعض التشكيلات السياسية والشخصيات والوجوه الجمعوية المصنفة في خانة المعارضة حول »النوايا الحقيقية« للسلطة فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات السياسية والدستورية التي وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التقت في اغلبها عند موقف واحد وهو الحديث عن محاولات من صناع القرار في البلاد لربح الوقت وانتظار مآل ما يسمى ب »الثورات العربية«، والمطلوب حسب هذه القوى السياسية وغير السياسية هو أن تسرع السلطة في تجسيد ما توعدت به من إصلاحات تهدف أساسا إلى تعميق المسار الديمقراطي وتوسيع رقعة الحريات الفردية والجماعية. وأول ملاحظة يمكن تسجيلها على استنتاجات المعارضة هو ذلك الخوف من أن تتخلى السلطة عن الإصلاحات السياسية والدستورية في حال وصلت الاحتجاجات العنيفة في العديد من الأقطار العربية إلى نهايتها، وبمعنى أخر فإن المعارضة تعتقد بأن الإصلاحات التي قررها الرئيس بوتفليقة في خطابه الشهير للأمة، والذي جاء عقب الاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت الشارع الجزائري في جانفي الفارط وخلفت الكثير من الخسائر، لم تكن عن قناعة وإنما اتخذت كوسيلة لتجنب الدخول في متاهة الفتنة الدامية كما حصل في تونس ومصر وكما يجري حاليا في الجارة ليبيا وفي سوريا واليمن. هذا الموقف ينطوي على جزء من الحقيقة، فلا احد يستطيع أن ينفي بان الإصلاحات السياسية والدستورية إنما جاءت تحت ضغط »سيناريو التعفين« في الوطن العربي والذي ينعته الغرب ب »الربيع العربي«، سيناريو قدم كبديل عن الإرهاب الإسلاموي للإطاحة بالأنظمة القائمة في الوطن العربي وترتيب عمليات تغيير انتقائية تمس بعض الأنظمة الجمهورية التي بقيت متمسكة بمواقفها الرافضة لوصفات الإصلاح السياسي التي عرضها الغرب ضمن ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير. لكن مع هذا لابد من الاعتراف بان السلطة في الجزائر تعاملت بأسلوب حضاري وبفطنة وذكاء مع حركة الشارع بغض النظر عن خلفيات حركات الشارع وبغض النظر أيضا عن سيناريوهات التعفين التي ذكرناها، فالتعامل بطرق ومناهج حذرة ومحسوبة مع عنف الشارع، والإسراع إلى إقرار خطة للإصلاح السياسي بدأت بتشكيل لجنة للمشاورات برئاسة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح وعضوية مستشارين من الرئاسة، قامت بعمل كبير وجبار طيلة أسابيع اتصلت خلالها بمختلف الفعاليات السياسة والجمعوية والشخصيات الوطنية من مختلف الأوزان، كل ذلك ساهم في خفض وتيرة الاحتجاجات وفي توجيه الغضب الذي طال الكثير من القطاعات وجهة سلمية ابتعدت شيئا فشيئا عن العنف والتخريب، وهذا يحسب للسلطة ولا يحسب عليها، ومن حق السلطة أن تفخر بأنها نجحت هذه المرة في تجنيب البلاد فتنة دامية، كان يمكن أن تكون اشد فتكا من فتنة الإرهاب التي ابتليت بها البلاد اشد البلاد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، ولا تزال تعاني من تبعاتها لغاية اللحظة. لقد خلصت لجنة بن صالح من مهمتها المتمثلة في فتح أبواب التشاور مع الجميع، والقول بأن السلطة تأخرت في الكشف عن مضمون المشاورات، أو في تفعيل عملية الإصلاح من خلال الشروع في وضع خطة للإصلاح السياسي والدستوري ينطوي على مغالطة واضحة، فلو فرضنا أن السلطة عمدت مباشرة إلى وضع رزنامة للإصلاح، من خلال اقتراح مشروع دستور جديد أو وضع جملة من مشاريع القوانين أمام البرلمان في تركيبته الحالية، لكان رد المعارضة، من دون أدنى شك، هو شجب التسرع واتهام الحكم بتدبير عملية إصلاح مفبركة للالتفاف حول عملية الإصلاح الحقيقي الذي يطالب به الجميع. والمعروف أن القيام بعملية إصلاح سياسي ودستوري عميق، جاد وحقيقي يتطلب أولا الاستماع إلى مختلف الآراء، ولما لا ضبط مهلة جديدة لتوسيع المشاورات إلى بعض أوجه المعارضة راديكالية التي قاطعت المشاورات على غرار حزب جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. الإصلاح السياسي والدستوري ليست عملية سهلة ولا يجب أن تكون تحت أي ظرف من الظروف متسرعة، فهي عملية شاقة وتتطلب التركيز الكبير لأنها تنطوي على تحديات كبيرة تتعلق بمستقبل البلاد الذي لا يجب أن يكون خاضع لرحمة مشاعر عابرة لهذه الجهة أو تلك، حتى وإن كان البعض يعتقد بأنه يملك الحقيقة كلها فيما يتصل بعملية الإصلاح والدمقرطة.