تُعدّ دعوة لويزة حنّون إلى ترسيم الأمازيغية في التعديل الدستوري القادم بعد أسابيع أو أشهر من الآن، ودون استفتاءٍ شعبي، نموذجاً صارخاً للتجارة السياسية والممارسات الشعبوية. بداية، نوافق حنون حينما ترفض الاستفتاء الشعبي في هذه القضية، فلا استفتاء على مسألةٍ تتعلق بالهوية درءاً للفتنة بين أبناء الشعب الواحد وحفاظاً على وحدة الوطن، ويمكن ترسيم الأمازيغية عبر البرلمان حينما تتوفر شروطُه، ولكن هل تعتقد حنون أن شروط ترسيمها قائمة الآن؟ نتحدى حنون أن تجمع قبائليا وشاويا وميزابيا وترقيا وشنويا وشلحيا إلى مائدة واحدة وتطلب منهم الحديث عن أيّ مسألة بالأمازيغية، وسترى بنفسها أن كلاّ منهم سيتحدث بلهجته الخاصة التي لا يفهمها الآخرون، وسيلجأ الجميع في النهاية إلى استعمال العربية للتفاهم بينهم، فكيف يمكن ترسيم لغةٍ لا يعرفها أبناؤها؟ هذا يعني ببساطة أن ما هو موجودٌ الآن، هو مجموعة لهجات متفرّقة في الوطن، أما اللغة الأمازيغية الفصحى التي كان من المفترض أن توحّد لهجاتِها أو تسمو عليها على غرار ما هو حاصل بشأن العربية وعامّياتها، فلا أثرَ لها في الميدان، بل لا أثر لها حتى في المدارس التي تقول إنها تدرّس الأمازيغية، في حين إن كل منطقة تدرّس لهجتها الخاصة لأبنائها، وهم أدرى بها. لنفترض أن السلطة استجابت لدعوة حنّون ولكل من يطالب بترسيم الأمازيغية في التعديل الدستوري القادم، ورسّمتها فعلاً، هل هناك إدارة جزائرية واحدة، خارج مناطق التوارق، مستعدّة لتجسيدها في معاملاتها اليومية مع المواطنين ومراسلة باقي الإدارات بالتيفيناغ؟ مشكلة الأمازيغية أن أنصارها يركّزون جهودهم، بشكل ديماغوجي، على ضرورة ترسيمها وتعميم استعمالها، ويلجؤون إلى استثارة عواطف العامّة، وأحياناً يزعمون أن هذه اللغة مهمّشة ومضطَهدة في عقر دارها، لتتحوّل بذلك إلى قميص عثمان جديد يُرفع لتحقيق مآرب سياسية بالدرجة الأولى. عِوض المطالبة بترسيم الأمازيغية الآن، كان يجب مطالبة السلطة بتجسيد المرسوم الرئاسي الصادر في جوان 2007 القاضي بإنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية، فضلاً عن مرسوم آخر بإنشاء مجلس أعلى لهذه اللغة، فقد مرّت 8 سنوات كاملة، ولم يُجسّد المرسومان على أرض الواقع لأسبابٍ مجهولة، والمفترض أن تتمّ المطالبة بتطبيقهما، أو على الأقل تطبيق مرسوم الأكاديمية، إذا افترضنا أن المحافظة السامية للأمازيغية تقوم مقام المجلس الأعلى للأمازيغية. حينما تُجسَّد أكاديميةُ الأمازيغية على أرض الواقع، يمكن حينئذ الحديث عن ترسيم الأمازيغية مستقبلاً؛ لأن الأكاديمية ستحرِّرها من الاستعمالات السياسية المغرضة، وتركِّز على الجانب العلمي والمعرفي فقط من خلال جمع الباحثين وخبراء اللسانيات لوضع الآلاف من المصطلحات الجديدة في شتى العلوم والمعارف والآداب والفنون ومختلف جوانب الحياة، وجمعها في قواميس، وتدريسها لأبنائنا.. وبعد عقدين أو ثلاثة، تصبح هناك لغة أمازيغية فصحى ثريّة بالمصطلحات، معروفة ومتداولة في المدارس ووسائل الإعلام وحتى في الخطاب اليومي، ما يجعل ترسيمها حينئذ تحصيل حاصل لتوفّر شروطه.
أما المطالبة بالترسيم الآن، دون توفّر الشروط، فهو ضربٌ من الديماغوجية والشعبوية، وإسفافٌ سياسي وتلاعبٌ بعواطف الناس.