يشبه الوضع الذي يعيشه كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي هذه الأيام، الإرهاصات التي عاشها هذان الحزبان في بداية 2013، والتي انتهت كما هو معلوم بإزاحة كل من عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى. حينها كان المشهد ضبابيا بسبب إرهاصات الانتخابات الرئاسية 2014 وتشابكها مع مرض الرئيس، وقد ذهبت حينها تحليلات وقراءات على كثير من المصداقية، إلى القول بأن الجناح الرئاسي هو من أزاح أويحيى وبلخادم من رأس أقوى تشكيلتين سياسيتين في البلاد، خوفا من أن يكون لهما موقف من الرئاسيات قد لا يروق أو يفاجئ أنصار العهدة الرابعة. وتبيّن لاحقا أن "العقوبات السياسية" التي سُلّطت على الرجلين، كانت احترازية وتحفّظية، ومرتبطة أساسا بالاستحقاقات الرئاسية، بدليل أن الجناح الرئاسي كلّفهما، بعد أن حسم أمر مرشح السلطة، بمهمات لفائدة الرئيس المترشح في الحملة الانتخابية، مثلما أكرمهما بتعيين أويحيى رئيسا للديوان بالرئاسة، وبلخادم مستشارا لدى رئيس الجمهورية، وبرتبة وزيري دولة. وبعد نحو سنتين ونصف، يكاد المشهد يعود بكل تفاصيله، فالأمين العام للأفلان، عمار سعداني، وبمجرد إعلان حصوله على ترخيص عقد المؤتمر العاشر، اندلعت حرب البيانات والتصريحات، وتأججت الجبهة المعارضة بمختلف فروعها وحساسياتها، متعهدة بعرقلة الاستحقاق المرتقب في نهاية الشهر الجاري. ولا يبدو الوضع في الحزب الآخر أحسن حالا، فالأمين العام للأرندي يعيش على وقع احتجاجات يقودها أبرز الوجوه في الحزب، على غرار وزير الصناعة الأسبق، الشريف رحماني، ووزير التربية الوطنية الأسبق، أبو بكر بن بوزيد، وخالفة مبارك الأمين العام لمنظمة أبناء المجاهدين، ونواب معروفون بثقلهم، في صورة مريم محمد الطيب، وربعي أحمد وزروال مصطفى وبابا علي محمد.. وإن كانت القلاقل لم توقف على مستوى الحزب العتيد، ليس فقط منذ تزكية سعداني على مستوى اللجنة المركزية، بل منذ المؤتمر التاسع الذي زكى بلخادم أمينا عاما، فإن "الأرندي" لم يشهد بروز معارضة بهذا الحجم ضد عبد القادر بن صالح منذ خلافته أويحيى قبل نحو سنتين، فضلا عن تزامنها مع الإعلان عن موعد المؤتمر العاشر للأفلان، وما تبع ذلك من احتجاجات، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الأمر مجرد صدفة، أم إن في ذلك خلفية وحسابات سياسية، تشبه تلك التي كانت وراء الإطاحة بأويحيى وبلخادم في جانفي 2013. وتأتي هذه المستجدات في وقت غاب فيه النقاش حول تعديل الدستور، الذي أشيع أنه سيطرح في أفريل المنصرم، معطى يدفع أيضا إلى التساؤل عما إذا كان ما يجري على رأس واجهة السلطة الحزبية، مؤشرا على وجود احتقان في قمة الهرم السياسي بشأن بعض الملفات، وفي مقدمتها ملف تعديل الدستور، الذي يبقى مغيبا، بالرغم من استهلاكه الكثير من الجهد والمال توزعت على مدار أكثر من أربع سنوات. ويبدو أن الدستور الجديد لا يزال مصيره مجهولا، في ظل انخراط الأفلان في عقد المؤتمر العاشر، وهو الذي تم تأخيره حتى يفسح المجال لمشروع تعديل الدستور، كما قال سعداني في وقت سابق، وكذا اقتراب موعد امتحان شهادة البكالوريا وبقية الشهادات التعليمية. وفي السياق ذاته، يرى متابعون أن الاحتقان السياسي الحاصل، مؤشر على وجود تباين في وجهات النظر بشأن بعض الترتيبات المتعثرة حول تسيير المرحلة المقبلة، وكذا توزيع بعض المسؤوليات، ومن أبرز معالمها التأجيل المتكرر للتعديل الحكومي الموعود، وكذا الحركة في سلك الولاة والدوائر، التي باتت أكثر من ضرورية، بسبب فشلهم في دفع وتيرة التنمية المحلية، أو على الأقل من أجل ملء شغور ولايات من دون ولاة، على غرار ولايات عنابة وغليزان وعين تيموشنت.. ودائرة ورڤلة.