شرعت السلطة في التكيّف مع التحولات التي تحضر لتجسيدها، بما يساعدها على توفير تموقع أفضل لرجالها في المشهد السياسي، الذي ينتظر أن يحدد الدستور المقبل معالمه بدقة. وفي هذا السياق، أفادت مصادر مسؤولة بحزب جبهة التحرير الوطني، أن القانون الأساسي للحزب سيعرض للمراجعة خلال المؤتمر العاشر المرتقب نهاية الشهر الجاري، لمواكبة بعض الترتيبات، وفي مقدمتها تمكين إطارات في الدولة من عضوية اللجنة المركزية. وينص القانون الأساسي للأفلان على أن العضوية في اللجنة المركزية، يشترط في طالبها توفره على عشر سنوات من النضال على الأقل، وهو ما يحول دون تبوّء العضوية في هذه المؤسسة للمناضلين الذين انقطعوا عن النشاط، أو أولئك الذين لم يسبق لهم الالتحاق أصلا بالحزب. وتهدف المراجعة إلى تمكين إطارات الدولة الراغبين في الالتحاق بالحزب، وذلك من خلال إدخال مرونة على شروط عضوية اللجنة المركزية، ومن ثم إمكانية التواجد في المكتب السياسي، كأن تمنح العضوية بحكم الصفة أو المنصب في الدولة، لتجاوز عقبة العشر سنوات. وتأتي هذه المعلومات في وقت تحدثت فيه أوساط عن التحاق بعض الوجوه البارزة في الحكومة الحالية، وفي مقدمتهم الوزير الأول، عبد المالك سلال، في الحزب العتيد، وبعض وزرائه التكنوقراط، علما أن سلال كان مناضلا في الأفلان في السبعينيات، غير أنه انقطع عن النضال منذ ذلك الوقت، بحسب مصادر عليمة من داخل "العتيد"، تحفظت على الإفصاح عن هويتها. وتؤكد المعلومات المتواترة على أن الدستور المقبل سيضع شروطا على تولي المسؤوليات في الحكومة، كأن ينبثق رئيسها عن الحزب الفائز في الأغلبية البرلمانية، مثلما تطالب المعارضة، وقد أكد ذلك رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، الذي أعلن تلقيه نسخة من مسودة الدستور قيد التعديل، وهو ما يضع صعوبات أمام السلطة في توظيف ما يعرف ب "خزّان الجمهورية". ويتولّى عبد المالك سلال منصب الوزير الأول، كشخصية تكنوقراطية، لجأ إليها الرئيس بوتفليقة في أعقاب انفراط عقد التحالف الرئاسي في العام 2011، وما خلفته نتائج الانتخابات التشريعية 2012، من احتقان سياسي، بسبب اتهامات المعارضة للسلطة ب"فبركة" النتائج، و"تزويرها" لفائدة حزب جبهة التحرير الوطني. كما أنه ليس في الدستور الحالي ما يفرض على رئيس الجمهورية اختيار الوزير الأول، (أو رئيس الحكومة قبل تعديل 2008)، من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، وهو ما كان وراء تكليف شخصيات تنتمي لأحزاب أقلية وأخرى غير متحزّبة أصلا، لقيادة الحكومة في فترات سابقة، حيث قُدّم أحمد أويحيي على عبد العزيز بلخادم في فترات متقطعة من 2003 حتى 2011، بالرغم من أن الأرندي لم يكن يملك الأغلبية مقارنة بالأفلان. يحدث هذا، في وقت بدأت تتسارع فيه الأحدث في المشهد السياسي، إذ باتت عودة أحمد أويحيى إلى أمانة الأرندي، رهينة إشارة من صناع القرار لعبد القادر بن صالح، كي يرمي المنشفة، فيما تبقى عودة عبد العزيز بلخادم، رهينة نجاح أنصاره في استعادة زمام المبادرة الضائعة من بين أيدهم.