خرج عمار سعداني بفوز عريض في نهاية المؤتمر العاشر لحزب جبهة التحرير الوطني، وبعد ثلاثة أيام من عمر هذا المؤتمر حصد الأمين العام للعتيد حصيلة موسم سياسي ثري، فقد تمكن من تمرير غالبية مطالبه واقتراحاته، سواء ما تعلق منها بهياكل العتيد أو خارجه، فقد انضم عدة وزراء من حكومة عبد الملك سلال رفقة الوزير الأول إلى عضوية اللجنة المركزية، وبذلك أغلق الأفلان الجدل الدائر منذ سنة بشأن الوزارة الأولى والأغلبية الوزارية التي طالب سعداني بأن تكون من حزبه، بحكم أنه يحوز أغلبية المقاعد النيابية في المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. وبانضمام "العدد الكبير" للوزارء فضلا عن الوزير الأول لعضوية اللجنة المركزية، يكون الأفلان قد تخلص من عقدة الأغلبية البرلمانية دون الحكومية، ويكون سعداني قد حقق مطلبا سياسيا يستثمره لاحقا في إدارة شؤون الحزب، وعلاقة العتيد بالأحزاب السياسية الأخرى، سواء من معسكر المولاة أو المعارضة، كما أن حكومة عبد المالك سلال الأفلانية ستجد نفسها في أريحية تامة، تمكنها من تمرير مشاريعها على ضوء المستجدات الاقتصادية المتؤثرة بتراجع أسعار النفط في السوق الدولية، وما ينجر عن ذلك من تأثير مباشر على الجبهة الاجتماعية، عشية المواعيد السياسية التي توصف من قبل المحللين بالمصيرية ضمن أجندة السلطة والحكومة. دلالات أخرى يحملها قرار التحاق الوزراء السبعة بالأفلان، ففي بيئة سياسية تتسم بالكثير من الصدام والقلق الذي تبديه المعارضة، خلصت السلطة إلى ضرورة وضع قطارها على سكة ما تسعى إلى تحقيقه، دون عوامل مباغتة قد تزج بها في أتون صراعات بارزة، تعمل على تقويض عوامل بروزها من خلال الترتيبات السياسية التي شرعت فيها على مستوى منظومة الحكم بالتحضير لتعديل الدستور مثلما أكده ذلك الرئيس بوتفليقة في أكثر من مناسبة وأعاد صياغته الوزير الأول عبد المالك سلال الأسبوع الماضي. تعديل الدستور أولا، تزامنا مع تثبيت قيادة عمار سعداني للأفلان، وإعادة "تهيئة" بيت الأرندي، بخروج عبد القادر بن صالح وهو الرجل الثاني في أعلى هرم الدولة، وتولي أحمد أويحيى العائد بعد استراحة محارب في سرايا الحكم، هي ترتيبات أصبحت تدل على رغبة فوقية في الخروج من دائرة التردد التي فرضتها عدة عوامل و تطورات داخلية وخارجية، فقد انكبت السلطة طيلة سنة من عمر العهدة الرابعة على متابعة الملف الأمني والدبلوماسي على ضوء الخاطر القائمة في ليبيا ومحاولة تهيئة أسباب الاستقرار في مالي، فضلا عن امتصاص صدمة تراجع أسعار النفط، وتأثيراتها على الجبهة الاجتماعية والسلم الاجتماعي الذي تمكنت من المسك بزمامه في الجنوب عموما وفي غرداية خصوصا. ومن الواضح جدا أن تلك الأحداث "أنهكت" جسد السلطة وجعلها منكبة على المتابعة والتدخل إلى أن حان موعد مراجعة الأولويات السياسية، وهي ترى اليوم أنه من غير المعقول تعديل الدستور وسط صراعات الأفلان وضعف القيادة القائمة في الأرندي، أو هذا ما يفهم من الأحداث المتسارعة والمتزامنة في الحزبين. وفي انتظار العاشر جوان موعد التحاق أحمد أويحيى ببيته في الأرندي تكون السلطة قد طوت ترتيبات العتيد، ويكون سعداني قد خرج منتصرا بتزكية عمودية وأخرى أفقية تحضيرا لباقي المواعيد السياسية المعلنة وغير المعلنة. "الدبزة" واللعب تحت الطاولة من أجل عضوية اللجنة المركزية وبالعودة لليوم الأخير للمؤتمر العاشر فقد عاش المندوبون وأعضاء اللجنة المركزية للأكثر من 9 ساعات على الأعصاب قبل أن يرفع الأمين العام عمار سعيداني الغطاء عن أعضاء اللجنة المركزية التي تم توسيعها ورفع عددها إلى 505 عضوا، بعد المصادقة أمس الأول على القانون الأساسي، حيث إن الفصل في أسماء اللجنة المركزية لم يكن سهلا بالنسبة للمناضلين وعرفت انتخاب الأعضاء منافسة شرسة، لكن البارز هو إحكام المحافظين القبضة على عضوية اللجنة وهو ما أفرزته نتائج الانتخابات التي منحت 124 محافظا مقعدا في اللجنة المركزية، من أصل 128 محافظا، وقد خلق انتخاب المحافظين سواء على مستوى المحافظات الجديدة التي كان لها الحق في تعيين عضوين رجل وامرأة أو المحافظات القديمة التي حظيت ب3 أعضاء يمثلونها داخل هياكل اللجنة تتمثل في رجلين وامرأة منافسة شديدة، ووجد الكثير من المناضلين والمندوبين أنفسهم خارج الإطار بعد أن نجح المحافظون في "تخييط" عضويتهم بالشكل المطلوب الذي مكنهم من الفوز بالانتخابات التي عرفت مناوشات وخلافات شديدة في بعض المحافظات التي استعصي عليها التوافق على رجل الإجماع وظلت تتصارع على مدار ساعات، بل ووصل الأمر لحد التشابك بالأيدي والتلاسنات، لا سيما بعد أن طالت بعض المحافظات اتهامات بلعب الكواليس من خلال تجنيد المندوبين للتصويت واختيار المحافظين أو إقحام مناضلين مبتدئين في اللجنة وتزكيتهم وفق ضغوطات ليكونوا أعضاء في اللجنة المركزية التي يكون الحصول على مقعد فيها مفتاحا لتقلد مناصب أخرى، وتعد اللبنة الأولى نحو المرور إلى المجالس المحلية أو حتى الانتخابات التشريعية، وهو ما فسر المنافسة الشرسة التي عرفتها بعض الولايات من أجل الفوز بعضوية اللجنة المركزية، على غرار محافظاتخنشلة والجلفة والمسيلة. فيما عرفت محافظات أخرى سلاسة في ضبط مرشحهم داخل اللجنة، ومر العديد منهم بالتزكية الجماعية على غرار محافظة بوزريعة ودون أي مشاكل. وفيما كان الصراع قويا داخل المحافظات القديمة والجديدة، لوحظ بعض المندوبين في أريحية من أمرهم بعد أن ضمنوا "كوطة" اللجنة الوطنية.