اختلفت مواقف السياسيين وغيرهم من موجة ما سمي ب ”الربيع العربي”، والذي أصابت رياحه العديد من الدول العربية منها من خرج محطما ومنها من خرج معوقا وآخر خرج وأعراض الزكام لم تفارقه، في المشرق والمغرب، لكن الكلل هلل وصفق له، قبل أن تركب أمواجه القوى العظمى، وتسعى من خلاله للحفاظ على مصالحها كما حصل في تونس ومصر وبعدها في ليبيا واليوم في سوريا، ولم تكن الجزائر استثناء، حيث حاول البعض ركوب الموجة أو الترويج لها والتبشير بها، واستوردت حتى الشعارات ”الشعب يريد تغيير أو إسقاط النظام”، لكن بعد مسار غير طويل تحول الشعار إلى ”النظام يريد إسقاط أو تغيير الأحزاب”، لتحول السؤال المركزي في الجزائر على من الدور الآن بعد حمس والأرندي والأفلان. لعبة إلهاء الكبار أسئلة الراهن عن صاحب الدور القادم عرفت الساحة السياسية حراكا في الفترة الأخيرة التي سجلت تجسيد آخر حلقات الإصلاح السياسي الذي وعدت به السلطة السياسية في البلاد بعد أحداث السكر والزيت، ممثلة في الانتخابات التشريعية في ماي والمحلية والولائية في نوفمبر من السنة المنقضية، قبل البت في مستجدات الحلقة الأخيرة من حلقات الإصلاح الموعود والمتمثلة في تعديل معمق لدستور حالي للبلاد، بعد أن تم تأجيل هذه الحلقة أكثر من مرة، مرة بعامل الوقت وأخرى لغياب الجمهور ”برلمان ذو تمثيل حقيقي على رأي أطراف في المعارضة”، وأخرى لوجود اضطرابات جوية سياسية تعبر الإقليم في الشرق والجنوب، وإن لم يتم إصلاحها مباشرة، من باب أولوية حماية الداخل على إعادة تشكيل البيت الداخلي أو إدخال تحسينات عليه. الثمار الحقيقية للإصلاحات يكاد يجمع المراقبون للمشهد السياسي في بلادنا، أن الثمرة الحقيقية لمسار الإصلاحات السياسية المنتهجة من قبل السلطة لا تعبر عنها بالضرورة جلسات الحوار التي باشر بها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بتكليف من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أو حتى القرارات السياسية والاقتصادية المتخذة خلال الفترة السابقة من قبيل تفعيل قانون تفريخ أحزاب سياسية جديدة، أو مراجعة قوانين الانتخابات أو غيرها، بقدر ما تم التمهيد لها بدفع حركة مجتمع السلم الفاقدة لعذريتها الشعبية وفقا لتقدير الكثير من قادتها في السر والعلن، دفعها إلى ”الشارع” أو المعارضة، وإذكاء نار طمعها في قيادة ربيع عربي في الجزائر يقود إسلاميين ”فاقدين للصلاحية” إلى سدة الحكم كما جرى عليه المر في كل من تونس ومصر وقبلهما بالمغرب ولو بطريقة مخالفة، فكان الطعم الأول ”فك الارتباط مع التحالف الرئاسي”، والذي كانت هزاته الارتدادية قوية داخل حركة الإخوان بالمسلمين بالجزائر، لتزيدها شرخا بعد شرخ مناصرة، فيصيبها شرخ ”الطريق السيار” و”تاج” عمار غول، ليخرج بوجرة سلطاني ورقة الاستسلام بتعهد كتابي مضمونه غير المعلن أنه سيلتزم بميثاق الحركة وعدم الترشح لرئاستها في مؤتمرها المنتظر ربيع هذا العام. وهي نفس الحكاية أو السيناريو قبل ذلك الذي دفع بسعيد سعدي والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى واجهة قيادة قاطرة التغيير في الجزائر، مباشرة بعد ثورتي تونس ومصر، وما صاحب ذلك من تجييش للمواطنين وتحول الدكتور سعدي في المخيال الشعبي من سعيد سعدي إلى سعيد ”سامدي”، ليعود إلى الواجهة السياسية بمغادرة الأمانة العامة لحزبه، تاركا مكتبه في شارع ديدوش مراد لخليفته محسن بلعباس، وهي ثمرة من ثمار الإصلاح أيضا. الأمر الثالث تمثل في تعديل حكومي أطاح بمن يوصف بأنه رجل أصحاب القرار أحمد أويحيى، وجيء بمن يوصف بالرجل التكنوقراطي عبد المالك سلال إلى الوزارة الأولى، فهم بعدها الرجل القوي في التجمع الوطني الديمقراطي أنه مطالب بالتواري عن الأنظار، وهو ما تم بعد حركة تصحيحية بقيادة نورية حفصي قبل أن يلتحق بها الوزير الأسبق يحيى قيدوم لم يكتب لها النجاح لولا الإشارات الفوقية، لينتهي أويحيى إلى الظل ولو مؤقتا، وينتهي الأرندي بين أيدي من أدار جلسات الحوار عبد القادر بن صالح. وعرف المشهد السياسي أيضا تقاعدا سياسيا للزعيم التاريخي حسين آيت أحمد من قيادة أقدم حزب معارض في البلاد جبهة القوى الاشتراكية، وهو تقاعد بعد عودة الأفافاس إلى المؤسسات التمثيلية في البلاد، على غرار المجلس الشعبي الوطني، والمجالس الشعبية المحلية، صاحبه انشقاق جماعة من يمثلون المفاصلة مع الأجهزة التمثلية للدولة ممثلة في فريق السكرتير الأول للحزب السابق كريم طابو وفريقه. وكانت آخر حلقة في هذه الثمار، الإطاحة بعيد العزيز بلخادم من على الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، بعد عملية تجديد الثقة من عدمها في آخر دورة للجنة المركزية للحزب التي عقدت أواخر شهر جانفي المنصرم، وانتهت بسحب الثقة منه بفارق أربعة أصوات، بعد مسلسل من الكر والفر داخل بيت الحزب العتيد مدة جاوزت الحولين، في انتظار من سيسلم له زمام أمر الحزب العتيد، باعتباره بوصلة حقيقية قد يستقرأ منها المستقبل المنظور ضمن إطار ثمار الإصلاحات الحقيقية. معطيات ساهمت في تعجيل موسم إزاحة رؤوس دون أخرى يذهب بعض المحللين والمتتبعين للشأن الداخلي الجزائري أن الأمر مرتبط أشد الارتباط بالإعداد للدستور القادم، والرئيس المقبل على طريقة تهيئة الظروف المناخية والجغرافية، والأكيد حسب هؤلاء أن السلطة استفادت كثيرا من الأوضاع في بعض البلدان العربية القريبة والبعيدة، ومن الوضع على حدودنا الجنوبية على حد سواء لتمرير الطبخة ضمن مسار يسميه أحد المحللين الإستراتيجيين ”لعبة إلهاء الكبار”، مما جعل الأمر يتم في كامل الأريحية بعيدا عن القراءات المزعجة، والملوثة للطبخة، والمرجعية في ذلك ”نظرية طاب الجنان”، إضافة إلى الأخطاء التي أصابت كثيرا من الأحزاب السياسية الناشطة في الساحة والتي فقدت ما تبقى لها من تأثير وتأطير، وتحول جلها إلى أجهزة سواء في السلطة أو المعارضة، وأحداث السكر والزيت كشفت إلى حد كبير غياب أحزاب سياسية قوية، وجمعيات مجتمع مدني فاعلة، لما اختبأ الجميع وتوارى عن الأنظار لتواجه أجهزة معينة الوضع وحيدة، وبعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود انطلق موسم إسهال البيانات، لتستغل كل الظروف السابقة ويبدأ التفكير بتغيير ماكياج المشهد السياسي. ماكياج عرف صعود نجم تجمع أمل الجزائر بزعامة عمر غول خرج من تحت جبة حمس، وبروز الجبهة الشعبية الجزائرية بزعامة عمارة بن يونس بعد خروجه من جبة الأرسيدي وتيهانه في الساحة قرابة العقد من الزمن ليحصل على اعتماد احتلال موقع في المشهد الجديد. من المستهدف المقبل؟ لا يمكن لأحد أن يصدق أن التصحيحيات التي استهدفت الجبهة الوطنية الجزائرية لموسى تواتي، أو التي تستهدف الآن حزب الكرامة لمحمد بن حمو تعبيرا عن حجمهما أو دورهما قياسا على أحزاب التحالف الرئاسي، فالقضية عند هذين الحزبين لا تعدو أن تكون تسلية ورسائل تنبيه ”خلايع” إلى أحزاب أكبر بقليل أو تساوي حزب شلبية محجوبي، وبالتالي الكثيرون يرشحون حزب العمال برئاسة لويزة حنون إلى أن تمسه رياح التغيير، ولهم في ذلك دلائل ومؤشرات، تلتقي عند تسجيل تحول في مواقف الحزب المشارك في عقد روما، ومساندته لكثير من القرارات الحكومية، وإن كانت تلك القرارات في ظاهرها وطنية، ولها بعد شعبوي إلا أن خفوت صوت حنون في كثير من اللحظات السياسية، وتحالفها مع الأرندي في أكثر من محطة انتخابية لاسيما في انتخابات مجلس الأمة، وتراجع مبادراتها السياسية مقارنة بالماضي غير البعيد، رغم التقدم المسجل في ناحية شعبيتها عبر تمثيلها في المؤسسات الدستورية قد يجعل من حنون التي تتربع على عرش حزب العمال منذ أكثر من عقدين من الزمن الاسم المستهدف المقبل، إلا إذا تمكنت المرأة التروتسكية من تلافي الضربة عبر استثمار ماضي النضال اليساري للإفلات من الكمين السياسي، وربما نشاطها المكثف مؤخرا في التحذير من تداعيات التدخل الفرنسي في مالي دليل على إحساس المعنية بذلك، والأيام القادمة كفيلة بتصديق الوضع أو تكذيبه. عبد الرحمن طيبي مؤشراته إزاحة ”ثلاثتهم” من واجهة المشهد السياسي البحث عن وجوه جديدة لمشهد جديد قبل نحو 14 شهرا من ”العمر المفترض” لإجراء الانتخابات الرئاسية، سقطت تباعا أسماء سياسية ”كبيرة” محسوبة على ”خدام المرحلة” من واجهة المشهد السياسي، في خطوة استباقية تحضر لتغيير ظاهري في ”الوجوه” على هوى ”الجهات الفوقية”. ومن العبثية القول إن رحيل ”ثلاثتهم” في التحالف الرئاسي المفكك ”محض صدفة” في هذا الظرف بالتحديد بعد مد وجزر طيلة أشهر، عاشته سرايا الأحزاب ”الكبرى” المدافعة عن برنامج الرئيس على مر أكثر من عقدين من الزمن، ولربما لم يخطر على ”بال الطامحين” منهم إلى كسب ”صك غفران” من الجهات التي دفعت بهم إلى الواجهة قبل سنوات أن ما يسمى بثورات الربيع العربي الذي وصلت أدخنته إلى الجزائر، ”نذير شؤم” عليهم بعد توقف عجلته عند أحداث الزيت والسكر”، التي فضلت السلطة أن ”تلجمه” بجملة من الإصلاحات السياسية والقوانين العضوية ”أفرغت من محتواها” رغبة في إحداث ”تغيير على المقاس”، سيشمل الأشخاص لاحقا وأداوته في ذلك ”حركات تصحيحية” أو التقويم والتأصيل مثلما حدث لحزب جبهة التحرير الوطني والتي جاءت بعد ”الانقلاب العلمي” الذي قاده جماعة ضد علي بن فليس في 2004، انتهت ببلخادم عبد العزيز على رأس الحزب العتيد، وقد سبّبت اللجنة التقويمية لإطاحة بن فليس من الأمانة العامة وتنصيب بلخادم خلفا له ضمن ما يعرف بالحركة التصحيحية وهي اللجنة نفسها -ولو تسمية دون مسمى- التي ثارت على بلخادم بعد سنوات وطالبت برأسه حتى أطاحت به. وعلى غرار ما وقع لبلخادم فإن أويحيى كان مطيعا و”أذكى” من غريمه السابق وذراعه الأيمن في التحالف الرئاسي، حين رمى بالمنشفة قبل انعقاد اجتماع اللجنة المركزية الشهر الماضي، استجابة لما أشيع من ”أوامر فوقية” صدرت إليه للتواري عن الأنظار بعدما عمر مدة 16 سنة في كنف النظام الذي خرج منه بلقب رجل ”المهمات القذرة”، ومع ذلك فإن سلطاني أبرز وجوه المرحلة السابقة التي يشكل بقاءه وأقرانه في الواجهة ”وجع رأس” لا يحتمل تماشيا مع المتغيرات المتلاحقة إقليميا وتحضيرا لما بعد 2014. أمهل نفسه بضعة أشهر قبل الالتحاق بسابقيه من ”المغضوب عليهم” أو ”المنتهية صلاحيتهم”، حيث نستشف ذلك، بداية من التوجه نحو قاعة المغادرين، ما أفرزه صندوق الانتخابات في التشريعيات والمحليات السابقة حين تغير بنسب متفاوتة حضور الأرندي والأفلان وحمس (تحت لواء التكتل الأخضر) في البرلمان والمجالس البلدية، وهي النتائج التي لم تكن متوقعة بالنظر إلى الرهان الذي قطعه الإسلاميون من ربيع جزائري على طريقتهم، فيما كافأت السلطة بعض الأحزاب والوجوه ب”فتات” مقاعد في المجالس النيابية ليكون ضمن الفسيفساء السياسية مستقبلا كوزراء في حكومة عبد المالك سلال، كما دفعت بتكينوقراطي مؤيد لبرنامج رئيس الجمهورية كان بعيدا عن صراعات ”الإخوة الفرقاء” التي انتعشت في الأحزاب الوطنية مؤخرا إلى سدة الحكومة، في مؤشر واضح لبداية ”إخراج جديد” للمرحلة المقبلة بالتخلص من الوجوه القديمة ”المستهلكة” لدى الرأي العام واستبدالها بأخرى تتلاءم مع القادم من الأيام.. أمين لونيسي استبعد نظرية المؤامرة جودي: ”الأحزاب يقرر مصيرها مناضلوها” أكد الناطق الرسمي لحزب العمال جلول جودي، أن الواقع السياسي الجزائري اليوم يؤكد أن الإصلاحات أفرغت من محتواها، بعد أن هيمن أكثر من 100 رجل أعمال على البرلمان الذي يشرع للناس، مستبعدا نظرية المؤامرة في الحراك الذي تعرفه أكبر الأحزاب السياسية في الجزائر، لأن مستقبل الأحزاب تصنعه الأغلبية فيها كما تؤكد التقاليد الديمقراطية. وقال النائب في البرلمان عن حزب العمال في اتصال مع ”الفجر”، أمس، إن الإصلاحات التي أعلنها رئيس الجمهورية لم تأت بالشيء المطلوب، مستدلا في ذات السياق بواقع القوانين التي كرست الرداءة خاصة وأن الإرادة الشعبية صودرت خلال المواعيد الانتخابية الأخيرة، ولم ”يمنحنا قانون الانتخابات الأخير إلا برلمانا لرجال المال والأعمال يدافعون بشراسة عن مصالحهم كما حدث مع قانون المحروقات، الذي يهدد باستغلال ثروات البلاد، خاصة وأن المراقبة البعدية غابت تماما مع حالات التنافي، مضيفا بأن قانون الأحزاب بدوره كرّس التعفن السياسي، حيث صار بيع وشراء الذمم السياسية السمة الأبرز، ما يتوجب -حسبه- ضرورة إعادة مراجعة هذه القوانين. وفي رده عن سؤال حول الحراك الذي تعرفه كبرى الأحزاب في الجزائر وإن كان الأمر يتعلق بحراك طبيعي أو مؤامرة لتكسيرها، رفض محدثنا في البداية الخوص في الأمر، ل ”أن كل حزب حر” فضلا على أن مصير الأحزاب ومستقبلها تصنعه الأغلبية من مناضليها وفق ما تؤكده التقاليد الديمقراطية.