من يتأمل قائمة الوزراء الذين أبعدوا من الحكومة أو ألحقوا بها والترقيات والإدماج يخيل له أن الخلاف في هرم السلطة لم يعد حول من يخلف الرئيس وإنما امتد إلى من يتولى وزارات السيادة، فالذين أبعدوا بسبب استدعاء المحاكم الجنائية لهم في قضايا الفساد حتى يتم طي الملف تخلت عنهم الحكومة، أمّا من تقلّدوا الوزارات بعد أن كانوا مجرّد "مديري مؤسسات" أو تسلّموا حقائب دون الأربعين "ربيعا" فهم لذر الرماد في العيون، فهل تعمّد أصحاب القرار إلى تعديل حكومي "لا لون ولا طعم له" مع مرسوم تصحيحي حتى يتم ترتيب عملية استقبال الرئيس الفرنسي وتحضير مرحلة ما بعد بوتفليقة؟ وزارة برأسين ووزارتان برأس؟ لأول مرة في تاريخ الجزائر تسقط الاحتجاجات الشعبية وزراء مثل وزيري الداخلية والطاقة، فتظاهرات سكان الجنوب ضد الغاز الصخري ومسيرات الحرس البلدي والشرطة دفعت بأصحاب القرار إلى تعيين "مدير معهد" وزيرا للطاقة و"وال" سابق وزيرا للداخلية ظنا منهما أنهما يملكان "الحل السحري" للقضاء على مصدر الاحتجاجات في الشارع الجزائري؟ إذا كانت الإضرابات التي شلت المنظومة التربوية لم تستطع أن تسقط الوزيرة، بالرغم من تراجع الرئيس عن دعمه ل"النساء" بحيث أبعد ثلاثة منهن من الحكومة. ليس غريبا أن يعين الدكتور الطاهر حجار وزيرا للتعليم العالي لأن اسمه كان متداولا منذ أكثر من 10 سنوات لغاية أن أصيبت الجامعة الجزائرية ب"الفساد" فهل جاء لاستكمال ما بدأه عندما كان رئيسا لجامعة الجزائر قبل تقسيمها إلى ثلاث جامعات من استئصال للفساد؟. يعتقد الكثير بأن إشراف عبد المجيد تبون على مشروع الرئيس المتعلق بالسكن وسرعة الإنجازات هي التي جعلت أصحاب القرار يبقون عليه، وأزعم أن الجمع بين وزارتي الشباب والرياضة بعد الطلاق يعود الفضل فيه إلى أنصار الرياضة والفشل الحكومي في الحصول على "مهرجانات رياضية" في الجزائر، لكن العودة إلى "الرياضة المدرسية" ربما تحيي الأمل في ظهور "فكر رياضي" لجيل جديد من الرياضيين بعد أن أصبحت الجزائر في صنف الرتبة 114 من مجموع 124 في ترتيب المهارات والكفاءات للمنتدى الاقتصادي الدولي. يبدو أن للعدالة كلمتها في "إسقاط الوزراء" والإبقاء عليهم، فالسيد محمد جلاب وزير المالية أبعد من الوزارة لأنه سيمثل لثاني مرة أمام العدالة للشهادة في قضية عبد المؤمن خليفة يوم الأحد القادم بمجلس قضاء البليدة، كما أن الحرب غير المعلنة بين الرئيس الجزائري والملك المغربي عجّلت بترقية وزارة الخارجية إلى وزارتين فبموجب المرسوم الرئاسي صار رمطان لعمامرة وزيرا للدولة ووزيرا للخارجية - بعد أن كان وزيرا للشؤون الخارجية في التعديل الحكومي- وبموجب المرسوم نفسه أصبح عبد القادر مساهل وزيرا للشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية - بعد أن كان وزيرا للشؤون المغاربية والإفريقية والتعاون الدولي- واعتبر المراقبون وجود وزيرين للخارجية يعكس "خلافا حقيقيا" بين أصحاب القرار حول بعض القضايا الدبلوماسية ممّا استدعى تقسيم المهام بين الوزيرين، فهل هو بسبب غياب الرئيس عن المحافل الدولية؟ يتساءل الكثير عن سبب الإبقاء على الوزيرين عمّار غول وعمارة بن يونس بالرغم من الضجة الإعلامية التي أثيرت حولهما وخاصة فيما يتعلق بقضية "الخمور" واللغة العربية إلا أن الحقيقة التي يتجاهلها الكثير أنهما يمثلان حزبين الأول جهوي يمثل (في نظر السلطة) المنطقة القبائلية والثاني يمثل التيار الإسلامي، واحتمال ظهور "تحالف رئاسي رباعي" غير مستبعد في حال وجود انتخابات رئاسية مسبقة، ولأن الاحتجاجات والضغوط لم يعد مصدرها الشارع وحده فقد بدأت الحكومة تستجيب لبعض المطالب، فقد رضخت لوكالات السيارات وأفرجت عن الآلاف منها، كما أن مجلس الأمة هو الآخر قد يدفع بعبد القادر بن صالح إلى تجميد القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة. ولا شك أن وجود ربع سكان الجزائر (10 ملايين) تحت خط الفقر قد يدفع بصندوق النقد الدولي إلى إعادة القرض الذي أخذه من الجزائر العام الماضي، وقد يدفع ب"نواب المعارضة" إلى فتح ملف "محو الديون" وهو القرار الذي لم يمر عبر البرلمان. ما بعد زيارة هولاند عندما يصير للرئيس كاتبا برتبة رئيس حكومة سابق ويصبح للوزير الأول مدير ديوان برتبة وزير فمن الطبيعي أن تتراجع قيمة المناصب في الجزائر، وعندما تضم الحكومة أربعة وزراء يمثلون أربعة أحزاب فهذا مؤشر على أن رئيسها قد يكون من بين المرشحين للرئاسة، فهل انتقال بلعيز ويوسفي إلى رئاسة الجمهورية سيسمح للرئيس بتعيين أحدهما على رأس الحكومة القادمة بعد تعديل الدستور؟ إن من يطلع على "التقرير التقييمي لمجلس المحاسبة حول المشروع التمهيدي لقانون تسوية الميزانية لسنة 2012" الذي أقرته لجنة البرامج والتقارير برئاسة عبد القادر بن معروف (رئيس مجلس المحاسبة) الصادر يوم 11 سبتمبر 2014 في 134 صفحة يجد الفساد في جميع الوزارات مجسدا بالأرقام، فهل تتحرك الجمعيات لرفع دعاوى قضائية لوضع حد لهذا التدهور في التسيير الذي فضلت الحكومة إنشاء معهد له بالتعاون مع فرنسا ربما يدشنه فرانسوا هولاند بعد أن صارت فرنسا هي التي تقف وراء اختيار الكثير من الوزراء وربما الرئيس القادم. التعديل الحكومي يؤكد حقيقة واحدة وهي أن لعبد المؤمن خليفة وشكيب خليل ومن يقفون وراء الفساد في الطريق السيار وسونطراك ( 1+2) يدا في سقوط وزراء وظهور آخرين فهي حكومة إنقاذ ما بقي من الفساد.