ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرته تثير الجدل.. سلال مهرج السلطان أم الخليفة المحتمل؟
نشر في الجزائر نيوز يوم 28 - 12 - 2013

يُصرّ الوزير الأول عبد المالك سلال في كل خرجة أمام الجزائريين على القول بأنه لا يطمح ولا يطمع في شيء "سوى خدمة الشعب ونيل رضاه على الحكومة"، لكن مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي تزداد حدة الطرح القائل بأن سلال أصبح يُمثل ورقة بديلة وجديّة للغاية في الرئاسيات المقبلة، في حال امتنع الرئيس بوتفليقة عن الترشح.. فمن هو سلال في هذه المرحلة التي يُثار فيها الجدل حوله؟ وكيف يرى زملاؤه وإطارات معه، سيرته في الحكومة، وما هو رأي الصحفيين المتخصصين في متابعة شؤون الجهاز التنفيذي.. كل ذلك ترصده "الجزائر نيوز" في هذه السيرة المثيرة للجدل..
سلال كان "رئيسا للحكومة" حتى قبل أن يتم ذلك رسميا بتاريخ الثالث من سبتمبر 2012، حيث كان يتردد اسمه في كل مرة تتحدث الصحافة عن تعديل حكومي سيُقبل عليه بوتفليقة خلال فترة الثنائية التاريخية بين بلخادم وأويحيى. وكثيرا ما كانت عناوين الصحف تنشر على صدر صفحاتها الأولى "سبقا صحفيا" مضمونه أن سلال سيكون على رأس الحكومة القادمة تارة، والشريف رحماني وزير البيئة والصناعة السابق، تارة أخرى، لكن "دسائس الكواليس" رجّحت كفة سلال بعد إنهاء عهد بلخادم وأويحيى وتداولهما على رأس الجهاز التنفيذي.
ورغم أن الساحة السياسية كانت مهيأة وقابلة معنويا بإشراف سلال على قيادة الحكومة بدليل أن سيرته لم تكن تثير جدلا بالقدر الذي هي عليه اليوم إلا أنه فور إعلان بوتفليقة عن وضع ثقته في سلال ليقود الحكومة، بدأت حياة الرجل ومعها مصير الجزائر السياسي يأخذ منعطفا جديدا، ولكن أيضا غير واضح بالنسبة لكثير من السياسيين.. فسلال اليوم لم يعد وزيرا أولا فحسب، بل أصبح اسما يتردد في أكثر من دائرة حكم، على أنه مستقبلا سيكون، رئيس الجمهورية الجزائرية الاجتماعية كما يحلو له أحيانا وصفها.
وإن لم تكن الصيغة التي سيُصبح بها رئيسا، معروفة بعد، فالبعض يتحدث عن نوعين من السيناريوهات الأول يقول بعدم اعلان الرئيس بوتفليقة عن ترشحه لولاية جديدة ولو كانت ترتيباتها وحساباتها، تبدو محسومة، والثاني يتحدث عن احتمال ترشح الرئيس الذي "لا يستطيع منافسته أحد" يليه تعيين سلال كنائب له بعد "فوز كاسح" وتعديل دستوري تؤول بموجبه مقاليد الحكم إلى الرجل ذي القامة الطويلة لاحقا، مقابل انسحاب سلس ومرن للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة..
في كل الأحوال يبدو رقم الوزير الأول الحالي رقما صعبا في المعادلة الرئاسية المقبلة، لا يُمكن اختزاله أو تحويله إلى مجموعة خالية من أية حسابات هندسية ولا جبرية، وما يزيد في واقعية وحدة هذا الطرح أن سلال أصبح ينافس في البروز، الأحداث الوطنية إعلاميا وسياسيا، بل في بعض الأحيان يكون هو من يصنعها، بتصريحاته أو سلوكاته.
سيحفظ تاريخ الجزائر في الفترة الممتدة ما بين 99 إلى ما لا نهاية لها إلى حد الآن، سيحفظ اسم رجلين. الأول اسمه أحمد أويحيى، المنفرد بمميزات عديدة أدناها مستوى رئاسته للحكومة ثلاث مرات، والثاني اسمه سلال يكون الوزير الأول، الأول في تاريخ الجزائر من أضحى قاب قوسين أو أدنى من رئاسة البلاد، ولو يحكم الجدل الذي يُثار حوله في هذا الباب. لكن المميز في سلال ورغم كل هذه التأويلات والقراءات والتكهنات حول مصيره ومستقبله السياسي، إلا أنه يحرص دوما على القول في خرجاته أمام الجزائريين بمناسبة زيارات العمل التي يقوم بها منذ عام إلى ولايات الجمهورية، بأنه لا يطمح ولا يطمع في شيء، وأن حكومته لها مخطط عمل جواري تقوم بتنفيذه التزاما بما أكدته أمام البرلمان.
ويضطر الوزير الأول في كل مرة إلى التوضيح بأنه ليس في حملة انتخابية لصالح مرشح ما، وأن سمة الجوارية هي التوجه والشكل الذي أخذته استراتيجية طاقمه التنفيذي، منذ الوهلة الأولى. ولعبد المالك سلال أساليب خاصة ولغة أخص، يقول بها كل ذلك، ما جعل لسانه يزلّ في العديد من المرات، ليُشكل بذلك مادة دسمة للشباب وبعض السياسيين المعارضين على الروابط الاجتماعية والصالونات السياسية، بل وجعل من كل زلاته اللسانية وتصريحاته المثيرة، إطارا اجتماعيا جديدا أعطوه اسم "سلاليات"، وليتم بذلك اختصاره في عبارة.. "وزير أول لا يعرف كيف يسوّق رسالته"، بالإضافة إلى اتهامه بأن كل ما تقوم به حكومته "لا يعدو أن يكون حملة انتخابية على نفقة خزينة الدولة".
هذه المواقف دفعت ليُصبح الوزير الأول مقاوما على جبهتين. الأولى برفع تحدي التنمية وتحريك برامج رئيس الجمهورية، والجبهة الثانية بمحو قدر ما أمكنه مفاهيم أن إنجازاته تتم في شكل حملة انتخابية، وهي مفاهيم فرضها واقع استلامه قيادة الحكومة في فترة تؤول فيها العهدة الرئاسية الثالثة لوتفليقة نحو الزوال. لكن رد سلال على هؤلاء كان دائما بأنه يريد أن يضفي مرونة وسلاسة غير معهودتين بين الحكومة والجزائريين، وهي أن ينزل إلى الميدان للاستماع إلى انشغالات الناس وبحث حلول مباشرة معهم من خلال لقاءات جوارية "لم يسبق لأي حكومة عبر تاريخ الجزائر المستقلة وأن قامت بها" مثلما قال في مسقط رأس هواري بومدين (قالمة)، قبل يومين فقط.
أما عن لغته، فمن كثرة ما أصبحت مادة سريعة وواسعة الاستهلاك لدى سلطة الفايسبوك والروابط الاجتماعية، وسوس بعض المسؤولون في أذن رئاسة الجمهورية كما أشيع لكي يتم الاقتراح على الوزير الأول أن يلتزم ويكتفي في أهم محطة خلال زيارات العمل (أمام المجتمع المدني)، بقراءة خطاب مكتوب بشكل مقتضب. هذه التقنية يبدو أنها أزعجت سلال ولم ينسجم معها، وكان أوضح في عدة مرات أنه يُلام على اللغة التي يستعملها لمخاطبة الجماهير "لكنني أصر عليها لأني أريد الحديث بلغة شعبية يسهل وصولها". ولقد انتفض سلال في آخر خرجة له على الخطاب المكتوب، وقال صراحة إن لديه كلمة مكتوبة لكنه يفضل أن يتوجه إلى الحضور بعفويته وارتجاليته المعهودتين.
مدير الإعلام في الوزارة الأولى مجيد بكوش يقول بخصوص لغة وزيره الأول إن "خطابه يرمي لإحداث القطيعة مع الخطاب المكتوب ولغة الخشب، ولغته ليست نابعة بإيمانه بالتلقائية كمبدأ وإنما يريد أن يتحدث بلغة القلب ولكن هذه اللغة تتعارض مع لغة الورق المكتوب".
لغة سلال التي يُقال عنها أنها ألحقت ضررا بصورة الرئيس، يرد عليها أيضا مصدر من محيطه بالقول "لو كان ذلك صحيحا لما أصبح سلال حاملا لثقة الرئيس كوزير أول على مناسبتين.. الأولى بتنصيبه والثانية بتعديل حكومي في 2012"، ويقول مصدر آخر إن "المعيار الوحيد والأساسي للحكم على أداء أي إطار سامي، هي منجزاته وليس لغته، ثم المجتمع ينسى كثيرا بأنه يحفظ للرئيس زروال فضائل حكمه في أحلك أيام الجزائر، ولكن يحفظ له أيضا لغته غير السوية التي كان يثير بها الجدل"، ويضيف محدثنا "وهل ينسى هؤلاء أيضا بأن رئيسنا الراحل الشاذلي بن جديد الذي نحترمه ونحترم تاريخه كثيرا ولا اختلاف على وطنيته الضاربة في شخصيته، كان من بين ما يتذكره به الجزائريون، تلك النكت التي كان يسوّقها عنه الشعب حول سيرته وحتى بعض تصريحاته، إلا أن ذلك لم يُغن عن بقاء زروال والشاذلي بن جديد عملاقين من عمالقة الجزائر في ذهن شعبها، ببعض منجزاتهم فلماذا يريدون صرف ما يقوم به سلال عن الناس بقصة لغته.. الأولى كانت مناقشته في قراراته وسياسته الاجتماعية والاقتصادية الجديدة لإثراء النقاش والساحة مع النخبة، ثم هل سلم ساركوزي وبعده هولاند مثلا في فرنسا مع صحافة بلدهما بسبب بعض سلوكاتهما وتصريحاتهما.. أقول لا طبعا، وأنتم ترون وتلاحظون، فلكل مسؤول زلاته وطبائعه وسلال له طبائع وزلات، أما اختصار سياسة كاملة في زلات لسان فهذا غير موضوعي".
عبد المالك سلال قال في المدية لأحد المواطنين الذي جاء يشكو له المشاكل التي يعاني منها، "إنه برغم مشاكلك فأنت خير مني في وضعك هذا".. تصريح سلال الذي يوحي أن الرهانات والتحديات والحسابات والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، باسم دولة بأكملها، أبلغ أثرا وأكثر وقعا على الحياة من انعدام وسائل المواصلات أو الغاز الطبيعي في قرية على قمة جبل، وهذا يوحي أيضا بشكل أو بآخر، بأن سلال يجابه في سرايا الحكم ما هو أعوص وأخطر على الجزائر، ولو أن توفير النقل والغاز مهمة دولة أيضا.
فمجيء سلال على رأس الحكومة بصلاحيات تُشبه صلاحيات رئيس جمهورية من تصرف في الميزانيات وقرارات من قبيل تغيير إجراءات لصالح مواطني الحدود لتفعيل المقايضة التجارية مع توارق الساحل وقرارات أخرى تخص إلغاء تحقيقات أمنية لتسهيل الوصول إلى وثائق رسمية وتذليل وإلغاء بعض الإجراءات الضاربة في تاريخ الإدارة العمومية، ثم الحديث حول منحه حق الاطلاع على صفقات عسكرية وإبداء رأيه فيها، هي كلها مكتسبات ينبغي أن يكون للمسؤول الجزائري الذي يحققها ويفتكُّ الموافقة لتجسيدها، وزن ثقيل في سرايا حكم يعرفه العام والخاص، حق المعرفة.
فاليوم إن كان يظهر الوزير الأول دستوريا على أنه مجرد منسق لأعمال الحكومة، إلا أن الواقع يُظهر سلال بأنه أكثر من ذلك، ولو بقليل. ولا يُعتقد على أي مستوى أن الميزانيات الإضافية التي يمنحها للولايات، يتم فيها الرجوع كل مرة لرئيس الجمهورية لتحديدها بالسنتيم، لو لم يكن له تفويض بالتصرف باسم رئيس الجمهورية. هذا دون الحديث عن تفاصيل أخرى لقرارات أخرى.. فهل تستطيع ثقة رئاسية بهذا الحجم أن تهزها أغنية راب جاء فيها أن سلال لا يفرق بين الشعر والقرآن؟.. شعبويا وشعبيا، بلغ أثر أغنية الشاب لطفي "دوبل كانون" المحبوب في وسط الشباب بسبب لغته اللاذعة تجاه المسؤولين، بلغ سقفا عاليا، خاصة بعد أن تلقفتها الصحف وحولتها إلى مادة إعلامية تصنع بها الإثارة المشروعة على مدى أيام، كما رفعت بها أسهم لطفي في السوق عاليا، ليكون سلال خدم من حيث لا يدري، شابا موهوبا في الغناء طاردته السلطات الأمنية التونسية على أراضيها رغم أن أعماله الفنية كانت تطال مسؤولين جزائريين على وجه الخصوص، وهي الصورة العكسية التي قد تصب في صالح الوزير الأول عبد المالك سلال، حيث يظهر الآن أن الحكومة القادرة على حبس مغني أساء لمسؤول سام، مثلما فعل سابقا، الوزير الحالي، محمد الغازي مع الشاب عز الدين، لكن في حقيقة الأمر حكومة سلال لم تسلك الطريق الذي سلكه الغازي، مع توفر القدرة، وقد عبّر عن ذلك الوزير الأول بوضوح عندما قال بقالمة قبل يومين، في حديث عام غير موجه لشخص بعينه "أن تسبّونا أو تحتجوا علينا كيفما شئتم فهذا شأنكم ومن حقكم، لكن أن تمسوا بكراماتنا العائلية والأسرية أو أن تخربوا أو تحرقوا فهذا من شأننا وسنتصدى له بقوة القانون". ليكون لطفي المغني قد زاد من حيث لا يدري هو أيضا في خدمة حكومة سلال، كونه رغم ما أثاره بأغنيته لم يُلاحق بل تحولت أغنيته، على الصعيد السياسي "مثالا ديمقراطيا" بيد الحكومة في مواجهتها السياسية معه وظهرت أنها حكومة "لا تكبح حرية التعبير".
لا اختلاف حول ارتفاع مستوى شعبية الوزير الأول عبد المالك سلال منذ سنة ونصف، مع بقاء النقاش مفتوحا حول كيفية ارتفاعها لأصحاب التبريرات والمسوقات، الإيجابية منها والسلبية. لكن الذي يبقى موضوعا جديرا بالبحث السياسي والإعلامي، ما هو الشكل الذي ستأخذه ورقة سلال في المشهد السياسي المقبل، بدءا من أفريل 2014؟ رئيس جمهورية أم نائبا له أم كما هو عليه الحال الآن أو رئيس حكومة بصلاحيات موسعة وفق دستور جديد؟ هذه الأشكال الأربعة التي سيكون سلال في واحد منها، تثير اختلافات وأقاويل عديدة، خاصة على الصعيد السياسي، حيث تزامن الحديث عن سلال كورقة بديلة عن بوتفليقة في حال لم يترشح، مرتبط بعودة المياه إلى مجاريها بين أقطاب السلطة والتئام الرؤى حفاظا على مصلحة الجزائر، إذ لا يبدو على أية جهة أنها ترفض سلال وأن رابعة بوتفليقة يمكن أن تكون في شخصه في الربع الساعة الأخير عن بداية الاستحقاق، مما سيُمثل أحد عناصر المفاجأة الرئاسية. كما تمثل الصحافة أحد المواقع التي تعشش فيها النظرات المستقبلية حول هذا الموعد المصيري نرصد منها الآتي..
كمال عمارني أمين عام النقابة الوطنية للصحفيين، ومتتبع لشؤون الحكومة، وأحد الصحفيين القلائل الذين خرجوا مع الوزير الأول في كافة زياراته تقريبا منذ البداية، وهو على إطلاع واسع بكل خطابات سلال وبالخصوص سلوكاته وتصريحاته الهامشية، يقول بأن أول ما يُلفت الانتباه عند الوزير الأول عبد المالك سلال هو أسلوبه الخاص وغير العادي بالنسبة للجزائريين، فقبل أن يكون وزيرا أول كان وزيرا تكنوقراطيا لكن اكتشافه الحقيقي جاء مع تنصيبه في الثالث من سبتمبر 2012 على رأس الحكومة، ليخرج بذلك من تحت عباءة الوزير التقني إلى وزير له مهام سياسية، ولو أنه مارسها قبلا عندما أدار حملة الرئيس بوتفليقة، على مناسبتين. الجزائريون غير متعودين على أسلوب ارتجالي ومباشر يستعمل لغة الخطاب الشعبي، وربما هذا الأسلوب أو بالأحرى مقالات الصحفيين حوله تركت وقعا اجتماعيا، ولكن في الواقع لا أحد قام بدراسة ميدانية أو سبر للآراء لمعرفة مدى تقبل المواطن أو رفضه للغة سلال وما إذا كانت شعبيته تأثرت سلبا أو إيجابا. والخصوصية الثانية، أن سلال لم يكن مناضلا حزبيا ولا مسؤولا حزبيا، وبالتالي يصعب على الصحافة وعموم الناس أن يصنفوه أو تحديد موقعه ضمن العصب الحاكمة، وهذه الصفة لها جانب سلبي، وهي أن مثل هذه الشخصيات التي تحملها، تتأثر بسرعة من أي حملة أو نقد.
وبالنسبة لمدير تحرير يومية "LE REPORTER" نور الدين عزوز صاحب الخبرة الطويلة في الإعلام، ومتتبع لزيارات وخرجات سلال أيضا، فإن سلال إطار سامٍ أكثر منه سياسي، وأحفظ له تصريحا عندما كان على حقيبة الموارد المائية قال فيه "عندما سيرحل بوتفليقة عن الحكم سأرحل معه"، ولكن سلال يبدو عليه تحول كبير عن هذا التوجه السابق، إن لم يكن تحولا جذريا، فقد دخل الرجل في معطف جديد يسميه عزوز معطف الرجل السياسي، فتغير خطابه وبدأ يستأنس إلى مذاق ممارسة السياسة، وهذه اللذة التي يشعر بها في مسه للسياسة قد تؤهله للعب أدوار قوية، خاصة وأنه يتعلم وقد تعلم، مما يؤهله للتقدم إلى الرئاسيات، فهو رجل يعرف جهاز الدولة من الداخل، وإذا أبان عن رغبته، يُمكن أن يحظى بتعاطف كبير من الرئيس بوتفليقة.
أما أمين إيشكر، صحفي بجريدة "LA TRIBUNE" وهو من الصحفيين القلائل أيضا الذين حضروا أغلب خرجات الوزير الأول إلى الميدان، فيقول "سلال يحب الاحتكاك بالميدان وتحسس انشغالات الناس، وهذا من طبعه قبل مجيئه للوزارة الأولى، ولكن مهمته الحالية لا تساعده كثيرا في الوقت الحالي، فما يقوم به هو محاولة منه للحفاظ على وفائه بالاقتراب من المجتمع أكثر، فتراه كثير الاستماع لانشغالات المواطنين المحتجين على الطرقات أو ممثليهم في لقائه الرسمي مع ممثلي المجتمع المدني. ومن مميزاته أنه يتحكم في ملفات كل قطاع يصل إليه، ويقرر بعد أن يعرف، وليس قبل ذلك، وفي نظري سلال يعمل على صقل شخصية جديدة تتمثل في شخصية وزير أول والأكيد أن هذه الشخصية لا تشبه الشخصية التي كان عليها سابقا، لأنها تغيّرت كثيرا، ليس في الخطاب فقط بل حتى في المشي والوقوف، وحتى علاقاته مع الصحفيين تغيّرت بسبب مسؤولياته، أما عن احتمال صعوده لمنصب رئيس جمهورية، فأعتقد على سلال أن يرغب في ذلك أولا وإذا كان كذلك فلا يُمكن لأحد الإجابة على ذلك من دونه.
آثرت "الجزائر نيوز" أن تسأل بعض الوزراء والإطارات التي تعرف عبد المالك سلال، منذ أن بدأ يتدرج في المسؤوليات بعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة، ولكن كانت أسئلتنا لهؤلاء بعيدة عن رهانات الرئاسيات المقبلة، لأننا نعرف مسبقا بأنه لا يُمكن لوزير في الحكومة أو لإطار في مهمة عمل تقنية أن يعلق على مسألة سياسية بحساسية الرئاسيات، لكنها أسئلة لا تنفصل عن معرفة شخصية الوزير الأول وكيف أصبح يُرى بعد بلوغه المنصب الذي يشغله حاليا، وهي في مضمون أجوبتها فرصة يتعرف بها الجزائريون عن كثب على خصال رجل يُطرح اسمه كثيرا في الآونة الأخيرة كرجل بديل لبوتفليقة.
مجيد بكوش من الإطارات الإعلامية التي دعم بها سلال مديريته الخاصة بالاتصال في الوزارة الأولى، ويقول في وزيره الأول "الخصلة اللصيقة بسلال أنه كثير العمل وإذا كنت تقع في شعاع محيطه المهني لا يسعك إلا أن تعمل وإلا لست في فريقه، فهو يعمل لأزيد من 12 ساعة، بكونه أول الملتحقين بقصر الحكومة صباحا وآخر الخارجين منه تقريبا في المساء"، مضيفا "يخطط سلال باستمرار، ينبذ مركزية القرار ونزّاع لجمع المعلومات قبل اتخاذ أي قرار، ولم أعلم يوما عنه اتخذ أمرا دون أن يستشير المحيطين به والمختصين"، مضيفا إنه العدو الأول للبيروقراطية، يكافحها بقساوة ولو تطلب الأمر معاقبة مصدرها، ويؤمن إلى أبعد الحدود بالموارد البشرية وضرورة الاستثمار فيها كونها مستقبل الجزائر، كما هو من الشخصيات النادرة التي عرفتها بخصوص درجة تفاؤله إزاء مصير الجزائر بين الأمم.
ويقول إطار سامٍ في محيط سلال المهني أيضا رفض الحديث باسمه "عملت معه لسنوات طويلة وشدتني فيه خصلتان.. ابن عائلة متخلقة أبا عن جد ويتميز بهدوء كبير عندما يتعلق الأمر بمشكلة كبيرة حيث لا يرتبك أبدا".
ويقول الوزير الذي خلفه في قطاعه للموارد المائية، حسين نسيب "لقد كان وزيرا عليّ وأنا بقطاع الأشغال العمومية، له خبرة كبيرة في الميدان ومساره المهني طويل جدا، مستمد من العمل الجواري عندما تدرج في المسؤوليات من مختلف الولايات التي أوصلته بجدارة إلى منصب الوزير الأول"، ويضيف نسيب بأنه شخصية محنكة في التخطيط والتسيير ورجل حوار حقيقي، ولم يسبق لأحد أن أنجز ما أنجزه في قطاع الموارد المائية في تاريخ الجزائر، ويشهد له الخارج في ذلك قبل الداخل، وخلافا لما هو معروف عنه فهو صارم في العمل والضحك عنده ممنوع في الحكومة.
أما عبد المجيد تبون، فيقول أنه عرفه منذ 1984 عندما خلفه على رأس ولاية أدرار. سلال رجل متواضع ولم أعرف عنه تغيرا إنسانيا إلى يومنا هذا. وهو مسؤول يعمل كثيرا ويحب الخير للجميع ولم يسبق لي أن سمعت بأنه ألحق ضررا بشخص ما. ومسيرته المهنية سمحت له بامتلاك نظرة عميقة وواسعة في كل المؤسسات وخاصة بالمجتمع الجزائري والمناطق العميقة. وتقلده لوزارات سيادية أكسبه معرفة بانشغالات كافة مناطق البلاد، حيث عمل في الشرق والغرب والجنوب والشمال، ومن أهم ما يعمل عليه أن يضفي النجاعة على قراراته، وله نظرة خاصة تتماشى والظروف التي تمر بها البلاد.
أما تهمي وزير الشباب والرياضة، فقد عرفه منذ كان على رأس الاتحادية الوطنية لكرة اليد، يومها كان سلال على رأس حقيبة الشباب والرياضة، ويعتبره تهمي مهنيا يمنح الفرص للشباب، وعلى مستوى الحكومة لقد عرفته منذ مجيئي إلى الحكومة، ووجدته صاحب روح جماعية في العمل، وهي إحدى نقاطه القوية، وخلافا لما يعرفه عنه الناس، شخصيته داخل الحكومة هي بملامح مغايرة، ويُحسب له إنجاز تاريخي في قطاع المياه، حيث حقق ما لم نكن نحلم به.
وخلافا لشجاعة يوسف يوسفي وزير الطاقة الذي رفض الإدلاء بشهادته في الوزير الأول، قالت دليلة بوجمعة وزيرة البيئة إنها مرتاحة للغاية في عملها إلى جانب سلال فهو شخص منفتح على العمل مع المرأة، ولا يحمل أدنى تفكير يفرق بين المرأة والرجل في العمل ولمست فيه حبه وإخلاصه للوطن، ويعمل بلا هوادة، ولذلك يخلق أجواء مستديمة لمناخ عمل صارم وهادئ عندما تترقب أن يغضب، ويعجبني فيه ذهابه مباشرة إلى الأهداف في المشاريع لمناقشتها.
أما وزير العمل الحالي محمد بن مرادي، فيقول إنه عرف سلال منذ 40 سنة أيام الدراسة بالمدرسة العليا للإدارة، إذ لا يزال حسب بن مرادي يتحلى بالصرامة المعهودة في العمل، وإذا كان يعطي الإنطباع بأنه ميال للسخرية والضحك، فإنه عندما يلاقي ملفات معضلة لا يرتبك ويتحلى بهدوء وصرامة.. بالنسبة لي لم يتغير أبدا.
أما الوزير الجديد عبد الوهاب نوري، فيرى أن وزيره الأول نشيط جدا ومرد ذلك إلى الخبرة التي اكتسبها في الميدان من مختلف مواقع المسؤوليات التي تقلدها. ومساره المهني حافل بالإنجازات ويتمتع بمؤهلات كبيرة لقيادة الحكومة، ولا تعرف عزيمته أي تدهور في فترة من الفترات، له قدرة عجيبة على رفع التحديات، وأنا شخصيا لم أعرف مسؤولا بهذه الصفات، هدفه الذي يعرفه الجميع، هو أنه يولي اهتماما كبيرا ليكون مسؤولا في المستوى المطلوب .
كما سبق للوزيرة خليدة تومي، وأن عبّرت لنا على هامش زيارة وادي سوف إعجابها بمنهجية عمل عبد المالك سلال، حيث قالت في إحدى محطات زيارته بالولاية والتي تأخرت عنها بعد أن فاتها الموكب الوزاري إنه مثلها أمام السلطات المحلية في عرض مشروع أكبر متحف إفريقي بالمنطقة، وهي التي كانت تتوقع أن يوبخها على تأخرها.
تحصر المعارضة نقاط ضعف عبد المالك سلال في استعمالاته لخطاب هزلي زيادة عن اللزوم، وهو ما يُعطي الانطباع حسبها بأن الوزير الأول يُسيء كثيرا لمنصبه من الناحية البروتوكولية، وهو ما يوحي أيضا بأن مسؤولا من هذا النوع لا يُمكنه أن يكون بالجدية والصرامة اللازمتين في تسيير ملفات ثقيلة وكبيرة بحجم بلد اسمه الجزائر.. فهل سيتوجه الوزير الأول تدريجيا نحو محو هذه الصفات التي تنال انتقادا واسعا في حال تحول في لحظة تاريخية إلى الورقة الرئاسية؟ سلال يبدو أنه مقتنع بلغته الشعبية التي يريد أن يكرس بها الميزة الجوارية لخطته الحكومية كما أسلف. ولكنه مقابل ذلك يتحلى الوزير الأول بصفات أخرى غير معروفة عنه، فيقول العاملون معه إنه يعمل لأكثر من 12 ساعة في اليوم، وله عادة مثيرة يفعلها قبل أن يقابل الجزائريين من خلال المجتمع المدني عبر كل ولاية..فسلال يتعمد ألا يأكل كثيرا ويمتنع خلال زياراته عن شرب الماء والقهوة وهي استراتيجية عكس الكثير من الوزراء الذين تراهم في رحلات ذهاب وإياب إلى الحمام، والهدف من وراء ذلك، يقول مصدر إنه يحرص على الاستماع وتسجيل كل الانشغالات بنفسه ليرد عليها دون انقطاع، فلم يحصل له يوما وأن شاهدته الصحافة يقطع تواصله مع المجتمع المدني إلا عندما أٌبلغ في بجاية بأن رئيس الجمهورية قد أصيب بنوبة إقفارية. سلال أيضا يقول مصدر حكومي إنه لا يأكل اللحوم الحمراء حتى لا تُفعّل لديه معضلة "لاغوت". ومقابل هذه الصفات، يرتكز برنامج سلال على محاور أساسية وهي إعطاء الجامعة دورها الحقيقي، إذ يحرص في خرجاته على برمجة لقاءات ومحاضرات بين الطلبة والأساتذة ويبحث معهم مشاكل الجامعة ومشاكل سوق الشغل، كما يحث سلال على التحكم في تكنولوجيات النانو التي يؤكد أنها مستقبل العالم، ويعتبر أن احتياطي الجزائر من الغاز الصخري يُمكن أن يؤمن بعض الطاقة التي يدعو دوما لعدم الاعتماد عليها والتوجه نحو اقتصاد منتج يهدف إلى غزو الأسواق الخارجية.
سلال قال أمام الفرنسيين إنه سيزور فرنسا في ديسمبر المقبل أي بعد رئاسيات 2014 ما يعني بأن سلال متأكد من بقائه السياسي ضمن منظومة الحكم التي ستُحددها خارطة الرئاسيات المقبلة، ولم يكتف بذلك، فقد قال أيضا في قالمة بأن آفاق 2014 مدروسة وإلى أبعد من ذلك.. هذه كلها عبارات توحي بأن الرجل على إطلاع تام بما سيحدث، لكنه يُصر بأنه سيحدث لصالح بوتفليقة وليس لصالحه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.