العشر الأواخر من رمضان هي ليالي صلاة وقيام، يصفّ فيها العبد المؤمن قدميه مع الراكعين الساجدين في صلاة التراويح خلف الإمام، وفي خلوته في ثلث اللّيل الأخير بين يدي الحنّان المنّان، وهي أيضا ليالي عبودية ودعاء وخضوع وتذلّل ورجاء.. يصطلح فيها العبد المؤمن مع عبادة الدّعاء التي غفل عنها كثير من المسلمين في هذا الزّمان.. يوم تعلّقوا بالأسباب المادية ونسوا مسبّب الأسباب، يوم أنزلوا حوائجهم بالمخلوقين ونسوا الحنّان المنّان جلّ في علاه، وتعلّقوا بالوسطاء والوجهاء ونسوا من بابُه مفتوح ولا يحتاج إلى الوساطات. لفتة عظيمة لا يلتفت إليها كثير من الصّائمين والقائمين، وهي أنّ الله –جلّ وعلا- قال في كتابه بعد آيات الصيام مباشرة: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))، لماذا يا ترى؟ يريد –سبحانه- من عباده الصّائمين والقائمين أن يتوّجوا صيامهم بالتلهّف إلى عطائه، وأن يدعوه ويرجوه، ويسألوه حاجاتهم وما أمّلوه.. فهل يليق بعبد مؤمن صائم قائم أن نرفض هذه الدّعوة، ويغفل عن الدّعاء في مثل هذه الأيام؟.. هل يليق بنا أن نصبر على الجوع والعطش في أيام رمضان ونكابد في لياليه طول القيام، حتى إذا آن أوان العطاء وتحقيق الرّجاء في ليالي العشر الأواخر إذْ بنا نغفل عن دعاء من ينادي كلّ ليلة "هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟". لا، والله.. ألا فلننبّه –إخوتاه- ولنقرع أرواحنا ولْنذكّرها بأنّ خالقها ومولاها يناديها ليُكرمها.. ألا فلنتحرّ إخلاص الدّعاء لله في هذه الليالي المباركات، ولنلحّ عليه في الدّعاء أن يفرّج كرباتنا ويقضي حاجاتنا ويغفر خطايانا، وأن يرزقنا الاستقامة والثبات على دينه بعد رمضان وحتى نلقاه. لنسأل الله أن يرزقنا أعظم وأثمن كنز في هذه الحياة الدّنيا، كنزَ التّقوى. إنّه أعظم كنز ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يسأله خالقَه ومولاه في هذه الأيام والليالي المباركة. إنّه ما فُرض الصيام ولا سنّ القيام في شهر رمضان إلا لأجل التّقوى، يقول جلّ من قائل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)).. التّقوى كنز الدّنيا وجنّة الآخرة؛ من رزقه الله التقوى رزقه إجابة الدّعاء، وجعل له من كلّ ضيق مخرجا، ومن كلّ همّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. فالله الله أيها الأخ المؤمن.. الله الله في الدّعاء في هذه الليالي المباركة؛ ادع الله بخيري الدّنيا والآخرة. ادعه أن يرزقك تقواه والجنّة. ادعه بكشف الكربات وقضاء الحاجات. ادعه لإخوانك المسلمين أن يرفع عنهم كلّ بلاء وينصرهم على الأعداء. إخواني وأحبابي الشّباب.. إياكم والانتكاس في موسم العطاء.. إياكم والكسل في أيام يجاب فيها الدّعاء ويحقّق الرّجاء.. اثبتوا واصبروا وقوموا لله في الأسحار واجتهدوا في الخشوع والدّعاء والتذلّل والاعتذار.. كان سفيان الثوري عليه رحمة الله يُقيم الشّباب في الليل ويقول: قوموا يا شباب، صلّوا ما دمتم شبابا. إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟!.. وكان أبو إسحاق السّبيعي عليه رحمة الله يخاطب الشّباب قائلا: "يا معشر الشّباب جِدّوا واجتهدوا، وبادروا قوّتكم، واغتنموا شبيبتكم قبل أن تعجزوا، فإنه قلّ ما مرّت عليّ ليلة إلا قرأت فيها بألف آية". قم في الدّجى يا أيها المتعبّد حتى متى فوق الأسرّة ترقد قم وادع مولاك الذي خلق الدّجى والصّبح فقد دعاك المسجد واستغفر الله العظيم بذلّة واطلب رضاه فإنّه لا يبعد واندم على ما فات واندب ما مضى بالأمس واذكر ما يجيء به الغد واضرع وقل: يا ربّ إنّني من دون عفوك ليس لي ما يعضد أسفا على عمري الذي ضيّعته