من فوائد الصيام ضبط النفس عن التمادي وراء شهواتها ولذاتها، فإن الصيام يطفئ نارها. ولأنها متى ما تمادت فيها تمردت وسعت وراء لذاتها المحرمة وإذا ضبطت النفس عن التمادي ضاق طريق شيطانها وضعف سلطان هواها. ولذلك كان الصيام من أقوى أسباب التقوى والعمل بطاعة الله والبعد عن معصيته. وهذه بعض الحكم في فريضة الصيام، يقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. فجعل سبحانه الصيام من أسباب التقوى وهي العمل بما أوجب الله والبعد عما حرمه. وقد أرشد صلى الله عليه وسلم من لم يتزوج من الشباب إلى الصيام للحفاظ على دينهم بقوله: ”يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”. فالصيام يربي ملكة الفضيلة والبعد عن الرذيلة، ينمي ملكة الإخلاص والأمانة يربي ملكة الصدق والوفاء،يعوِّد على الصبر وتحمل الشدائد ويقوي العزيمة على فعل الخيرات والطاعات، لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن تناول الحلال من الغذاء طلبا لمرضاة الله وخوفا من عقابه فأولى أن تنقاد في سبيل طاعة ربها وكف نفسها عن المعاصي والشهوات المحرمة. فكان الصوم سببا في اتقاء المحارم وقوة العزيمة والتحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة. إن الصيام يبعث في المسلم فضيلة الرحمة بالفقراء والعطف على البائسين وإعانة المعوزين، إن شهر رمضان موسم من مواسم التجارة مع الله فينبغي لنا اغتنامه وعدم التفريط فيه فما هو إلا أيام قلائل يفوز بها العاملون ويربح المتقون ويخسر فيها المذنبون ويحرم منها المفرطون من اتجر فيه مع مولاه نال ما يتمناه وفاز بمغفرة ما تقدم من ذنبه وعتق رقبته من النار. فصن أخي القارئ سمعك وبصرك ولسانك عن اللغو والرفث والفحش وقول الزور، وطهر لسانك عن الكذب والغيبة والنميمة والطعن في أعراض إخوانك المؤمنين، فإن الصيام ليس تركا للطعام والشراب فحسب، ولكنه مع ذلك صيام عن اللغو والرفث صيام عن السباب والشتائم، صيام عن أكل أموال الناس بالباطل، صيام عن تناول الحرام، صيام عن الطعن في أعراض الناس وعن التعرض لهم بالأذية بالقول أو الفعل. إن الصيام فيه جهاد النفس على الطاعات ولزوم الجُمَع والجماعات والإكثار من ذكر الله وتلاوة كتابه والتضرع إليه في طلب الحاجات وغفران السيئات. إنه مجاهدة النفس على تلاوة القرآن الكريم والتدبر لمعانيه والعمل بما فيه ائتمارا بأمره وانتهاء عن نهيه وطمعا في وعده وخوفا من وعيده وتصديقا بخبره والعمل به تخلقا بأخلاقه. فعلى الصائم أن يتقي الله بالمحافظة على صومه وعدم الإنهماك في تجارة الدنيا والغفلة عن تجارة الآخرة فما عند الله خير وأبقى قال تعالى:{ما عندكم ينفد وما عند الله باق} وقال:{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليُوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}. ولقد فضل الله الصيام وشرفه على كثير من العبادات والطاعات ورفع منزلته وميزه على أنواع العبادة بقوله في الحديث القدسي ”الصوم لي وأنا أجزي به”، وبقوله صلى الله عليه وسلم ”والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”. وقد قال صلى الله عليه وسلم عن هذا الشهر:”وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة”. وقد قال سبحانه {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. أخي القارئ إن للصوم آدابا، منها كف النظر عن الحرام وحفظ اللسان عن الآثام ومنها الإفطار على الحلال، وأن يعجل فطره ويؤخر سحوره، وأن يكون الفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر وإن لم يجد فعلى ماء، ويقول إذا أفطر اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وعليك توكلت، وقد قال صلى الله عليه وسلم ”إذا كان أحدكم صائما فلا يجهل ولا يرفث فإن امرؤ قاتله أو شتمه فليقل إني صائم”، فاحفظوا - رحمكم الله - صيامكم.