أدى الركود التنموي لاختفاء كل الإنجازات التي من شأنها إضفاء طابع التمدن والتحضر على ولاية بجاية الملقبة ظلما ب"عاصمة الحماديين"، حيث باتت في صدارة ترتيب المدن المشلولة والعاجزة تقدما وتطوّرا في شتى المجالات ليبتليها من جديد فشل التسيير وفقدان حسن التدبير بوباء النفايات. تحوّلت معظم طرقات وشوارع وأحياء الولاية إلى شبه مصبات ومفارغ عمومية "مرخصة" تحتضن تلال النفايات والأوساخ التي طمست كل ما يرمز لعالم البيئة الطاهرة والنظيفة، فالزائر لبجاية يقوده بصره إلى الانتشار الواسع للقاذورات بمختلف موديلاتها وببقايا سلع التجار، نفايات منزلية وحشائش وأعشاب شوكية وغيرها وما فوقها وتحتها أسراب من الحشرات الضارة والحيوانات السائبة وهي تشكر صبحا وعشية مسؤولي الولاية على حسن الصنيع أو الخدمة بعد أن جهزوا ووفروا لها البيئة الملائمة للعيش السعيد بفعل ترك الأوساخ لمدة أطول دون إزالتها من جهة وفقدان الكثير من الأحياء ذات الكثافة السكانية الكبيرة لحاويات القمامة من جهة ثانية. الأمر الذي جعل من الروائح الكريهة تعطر الأجواء بفعل تخمر النفايات، ولا يقتصر الأمر على الأحياء والشوارع الثانوية وإنما تعداه ليشمل تلك الأحياء المسماة بالراقية، فمنها من تحاصرها أنواع القاذورات المذكورة سلفا ومنها التي أضحت تسبح وسط المياه القذرة نتيجة اهتراء معظم قنوات الصرف الصحي الموصلة بسكناتها.
بجاية من دون مركز تقني لردم النفايات وما زاد في تعفين الوضع وسوداوية صورته، غياب المراحيض العمومية حيث ساهم افتقارها بالولاية التي لا تحصي أكثر من مرحاضين يتواجدان بمحطة نقل المسافرين، دون احتساب مراحيض المقاهي التي تبقى في غالب الأحيان خارج الخدمة لغياب المياه، في انتشار "ثقافة" التبوّل في العراء، ولا نذيع سرا إذا ما قلنا إن عاصمة الولاية أصبحت لها زوايا في الهواء الطلق مشهود لها بقضاء الحاجة في مناظر عادة ما تمزق معها غطاء الحياء. باستثناء "مزبلة" برتبة مركز تقني لردم النفايات صرف عليها الملايير لإنجازها بمنطقة سيدي بودراهم قبل أن يتم غلقها من طرف سكان بلدية وادي غير، فإن بجاية لا تتوفر على أدنى مركز تقني لردم النفايات، حتى أضحت معظم مفارغها عشوائية ولا تحترم أدنى الشروط. والغريب أن إحداها شيّدت بمحاذاة شاطئ البحر، على شاكلة مركب سياحي بأوقاس لفائدة ربما الكلاب والقطط الضالة، أما مفرغة بوليماط فقد هزمت والي الولاية الذي أمر بغلقها قبل أن تعيد فتح أبوابها من جديد.
ثقافة "تخطي راسي" تتوسع وشرطة البيئة باتت ضرورية الغريب في الأمر أن مثل هذه الأمكنة والشوارع والأحياء التي تكتنز جبال الأوساخ والقاذورات تتبرك يوميا بمرور المسؤولين على مختلف مستوياتهم، فمنهم المنتخب ومنهم الإداري سواء كانوا مترجلين أو على متن السيارات من دون أن تحرك فيهم مثل هذه المناظر المقززة الشعور بالتقاعس ولو من باب التذكير أو النهي عن المنكر، ما يوحي بأن الجميع متواطئ والجريمة المرتكبة هي السكوت والتشبع بثقافة "تخطي راسي"، ولا بد في هذا السياق تحميل المسؤولية أيضا للمواطنين بسبب عدم التزام بعضهم بمواقيت رمي نفاياتهم وكذا الرمي العشوائي إلى جانب تقاعسهم وعدم مساهمتهم في الأعمال التطوعية التي تمثل سندا للعمل البلدي، يضاف إليهم بعض الهيئات والجمعيات المنخرطة في هذا المجال والتي وجب على مسؤوليها التحلي بالسلوكيات الحضرية والمدنية. وأمام هذا الوضع الذي تعيشه الولاية والمرشح للتفاقم نحو الأسوأ مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة وتصاعد منحنى الاستهلاك في موسم الاصطياف الذي من الطبيعي أن يفرز كميات كبيرة من الفضلات، تبقى مطالب المواطنين قائمة في تحرّك مسؤولي الولاية الذين يبدو في ظل هذا الواقع المتردي أنهم أثبتوا فشلهم بامتياز في تسيير شؤون النظافة والتعاطي معها بسلبية كبيرة ومسارعتهم إلى التكثيف من عمليات تنظيف الشوارع وإزالة القمامة والتفكير في انتشال الولاية من مستنقع العفونة الذي غرقت فيه. وأمام هذا الوضع يرتسم السؤال حول من الذي يتحمل المسؤولية، المواطن أم البلدية؟ حتى أن أغلب المواطنين قد أصروا على ضرورة تفعيل شرطة البيئة والمحيط للقضاء على مثل هذه التصرفات والمشاهد التي عمرت رغم الأموال الطائلة التي تصرف سنويا على قطاع النظافة.