عيّنت وزارة الداخلية والأديان الفرنسية السياسي المخضرم، جان بيار شوفنمان، الإثنين، رئيسا لما بات يُسمّى "المؤسسة من أجل الإسلام في فرنسا"، وستكون هذه الهيئة من الآن "الممثل الأوّل للإسلام الفرنسي"، لكن الغريب أن فرنسا عيّنت مسيحيا لتمثيل الإسلام دون أن يعترض ممثلو الإسلام في "مسجد باريس" أو "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" أو مرصد الأعمال الإسلاموفوبية، الذي يرأسه الجزائري عبدالله زكري، وهو ما يطرح السؤال حول مصداقية هذه المؤسسات بين الجاليات الإسلامية وأمام الدولة الفرنسية. يُعتبر تعيين مسيحي على رأس المؤسسة الجديد، التي تقول فرنسا إنها ستمثّل "إسلامها"، تهميشا وربما إهانة كبيرة للهيئات الإسلامية الأخرى، مُؤدّاها أن فرنسا لم تكن - ولم تعد - تثق في هاته المؤسسات وفي من يسيّرها، ورغم الصورة التي ظهر فيها وزير الداخلية يجلس إلى جانب عبد الله زكري و ممثل "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" أنور كبيبش، في الصبيحة التي سبقت تعيين شوفنمان، إلا أن ذلك لم يعنِ أن كازنوف كان يستشيرهما في تعيين "شوفنمان"، فقرار التعيين فُصل فيه بعيدا عن رأي المسلمين، وكان حضورهم مجرّد صورة على صفحات الصحف والمواقع والشاشات، مع التذكير بأن شوفنمان هو رئيس جمعية الصداقة الفرنسية-الجزائرية، حاليا.
إدماج "أفضل" للإسلام وعن أسباب إنشاء هذه المؤسسة، قال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إن إنشاءها يأتي من أجل "إدماج أفضل للإسلام في الجمهورية"، فيما قال شوفنمان، في أول تصريح بعد تعيينه، إن كازنوف فاتحه في هذا الموضوع مطلع 2016 "بسبب ما أنجزتُه سنة 1999 من استشارات مستفيضة حول الإسلام". ورأى شوفنمان أن الأمر يتعلق بالمنفعة العامة "حتى يكون بمستطاع نحو 4 ملايين و100 ألف مسلم في فرنسا، أن يمارسوا ديانتهم في ظل احترامٍ للعلمانية ومبادئ الجمهورية. وهي مسؤولية لا يجب التهرب منها"، ويعني هذا الكلام أن فرنسا الرسمية ليست راضية عن الطريقة التي يُمارس بها الإسلام في ظلذ المؤسسات القديمة "مسجد باريس وملاحقه"، الأمر الذي كان يستدعي "انتفاضة" من رؤساء هذه المؤسسات للدفاع عن الغسلام وعن نفسها ثانيا، وهو ما لم يحدث للأسف! أما عن تعيينه كمسيحي، فقال شوفنمان "الرئيس المقبل لهذه المؤسسة لن يكون مُكلَفا بترقية الإسلام. أنا لا أمتلك أي لقب ولستُ مسلما، أنا جمهوري علماني. والعلمانية ليست متجهة ضد الدين، بل هي تُحرّرُ ما هو روحي من تأثير الدولة"، ووعد بألا "يتدخل في المجال الديني"، ورأى أن "انبثاق إسلام فرنسي متوافِق مع الجمهورية عمل طويل الأمد، وهو أفضل جواب على صعود الإرهاب، ويتوافَق مع مصلحة المسلمين، ومع مصلحة فرنسا، أيضا". ويعود تاريخ تأسيس هذه المؤسسة المعاد تفعيلها إلى عام 2005، وهي مخولة بتنظيم الشأن المالي في ما يخصّ تشييد أيّ مساجد ومراكز إسلامية في فرنسا، وتحديد واجبات المسلمين تجاه الجمهورية، كما يقول شوفنمان.
فرنسا ستُكوّن "أئمتها" قال شوفنمان"من أولى الإجراءات التي ستتخذها المؤسسة هي تكوين الأئمة، الذين سيتم تلقينهم معنى المواطنَة الفرنسية واللغة الفرنسية والمبادئ العامة للقانون، خصوصاً تلك التي تنظم العلاقات بين الديانة الإسلامية والسلطات العمومية. كما ستقوم المؤسَّسَة بترقية مشاريع ثقافية يكون هدفها التعريف بالحضارة الإسلامية، وأيضا التفكير في إنشاء معهد للبحث الدنيوي في الإسلامولوجيا". وعلى هذا الأساس، ستكون فرنسا في غنى عن الأئمة الذين ترسلهم الدول الإسلامية وبينها الجزائر، وهُنا تُطرح أسئلة حول المشرفين عن تكوين هؤلاء الأئمة وما الذي سيتلقّونه، وما هو شكل الإسلام الذي سيرضي فرنسا وستقبل باندماجه في مجتمعها؟ ويقول شوفنمان إنه "طرح شرطَيْن اثنين من أجل تولي هذا المنصب، وهما حظر التمويل الأجنبي حتى يتمَّ كل شيء في ظل الشفافية، ويكونَ الإسلام الفرنسي متعلقا بأموال يتم جمعها في فرنسا. أما الشرط الثاني، فهو أن قبولي المبدئي لهذا المنصب لا يعني، بأي حال، أنني سأتخلى عن حريتي في التعبير، باعتباري رجلا سياسيا عريقا". وتتخوّف فرنسا من تمويل المشاريع الإسلامية بأموال من خارج فرنسا، خاصة الخليج، حيث قال "يبدو لي أن الإسلام الفرنسي، بما فيه الجانب الثيولوجي، الذي لا أتدخل فيه، يجب أن يتطور بأموال فرنسية، أو أن يتمَّ وضع آلية شفافية في غياب كل"إعلان من جانب المانحين. وهو ما يعني أن الجمعية هي وحدها من لها حق اختيار المشاريع".
رضًى إسلامي "غريب".. واعتراض فرنسي! الملفت في قضية تعيين "شوفنمان" المسيحي، على رأس أعلى هيئة تمثّل مسلمي فرنسا، أنه بالتزامن مع عدم اعتراض هيئات رسمية إسلامية في فرنسا، بما فيها مسجد باريس، فإن الاعتراض جاء من أطراف فرنسية رسمية وغير رسمية عديدة، فوزير الداخلية الفرنسي السابق بريس هورتوفو، استغرب تعيين شخصية غير مسلمة، وعلّق ساخرا "الأمر مماثل لتعيين بوذي رئيسا لمجلس الأساقفة في فرنسا". كذلك، اعتبر رئيس حزب "الموديم" فرنسوا بايرو، الاختيار "مفاجئا"، وتساءل باستهجان عن سبب اختيار شخص "ليست له ثقافة إسلامية، وليس رجل دين". وتساءلت المسؤولة في حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل"، أكثر الأحزاب الفرنسية انفتاحاً على المسلمين، ناتالي غوليت "ألا يوجد فرنسيون مسلمون أكفاء؟"، وأكّدت، من دون الاستهانة بقيمة شوفنمان، أنّ "المسلمين وحدهم من يحقّ لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم". وهو موقفٌ أيدته النائبة في مجلس الشيوخ عن حزب البيئة إستير بنباسا، التي رأت في التعيين "وصاية"، وتساءلت "لماذا لم يتحمل هذه المسؤولية كازنوف نفسه، باعتباره وزيراً للأديان أيضاً؟". ويأتي تعيين شوفنمان على رأس هذه المؤسسة القديمة الجديدة، في أعقاب قصة لباس "البوركيني"، التي كشف "عنصرية رسمية" في تعامل فرنسا مع كل ما تعتقد أنه إسلامي، حيث فرضت بلديات فرنسية غرامات على مرتديات هذا الزي في الشواطئ ما عرضها لانتقادات واسعة داخليا وعبر العالم، إلى أن تدخّل مجلس الدولة الفرنسي وألغى قرار البلديات واعتبر "البوركيني" حرية شخصية.