إنها الصاعقة، هكذا علق الأمريكيون على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت يوم الأربعاء الفارط و التي أسفرت عن فوز ساحق للمرشح الجمهوري دونلد ترامب الذي حاز على 279 صوت كبار الناخبين مقابل 215 صوت لمرشحة الديموقراطيين هيلاري كلينتون، و بالتالي يمكننا القول بأن من صوت هي أمريكا العميقة و ليست الجهة الشرقية و الجهة الغربية للولايات المتحدةالأمريكية. لقد كانت هذه النتخابات فرصة سانحة لأحفاد المهاجرين الأوائل الذي أقلوا على متن ماي فلاور (Mayflower)، الباخرة التي أبحرت في خريف 1620 من ميناء بلايموث الانجليزي متوجها نحو بما سيعرف لاحقا بالعالم الجديد، فهي فرصة إذن للعنصر الأبيض في غالبيته لكي يقول كلمته و ينتقم من النظام المهيمن المتمثل في الطبقة السياسية التقليدية (Mainstream) و يختار مرشح خارج السرب رغم عدم حيازته على تجربة سياسية في الميدان. فوز ترامب، الحقائق التاريخية و الواقع السوسيولوجي في مقال صدر في 26/07/2016 لمؤلفه الناشط اليساري الأمريكي مايكل مور، تنبأ بفوز المرشح الجمهوري ترامب، رغم انحيار أغلب وسائل الاعلام الأمريكية للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، و اعتبر مور أن الانتخابات الرئاسية ستكون بمثابة انتخاب تهكمي يتلاعب من خلاله الناخب الأمريكي بمصير الولاياتالمتحدةالأمريكية انتقاما من الطبقة السياسية التي لم تعد تصغي لمختلف الشرائح الاجتماعية و نسيت وظيفتها الأساسية و هي خدمة الشعب. فالناخب الأمريكي أحبط كل التوقعات و غلط نتائج أغلب استطلاعات الرأي التي تعطي فوزا كاسحا لهيلاري كلينتون، فانقلب السحر على ساحره. تنبئ النتائج التي تظهر تفوق واضع و كاسح لدونالد ترمب بتحولات عميقة في الخريطة السياسية عبر الولايات التي كانت تقليديا الوعاء الانتخابي للركن الديموقراطي (Swing States)، فو لاية فلوريدا عادت للجمهوريين بعد عهدتين للديموقراطيين، و ولاية أهايو في الشمال عادت للجمهوريين، و الضربة القاضية تمثلت في انحياز ولاية ميشغان التي كانت معقلا ديموقراطيا عن جدارة، فتمكن ترامب من الفوز بها بفارق واضح. إذا أردنا أ ن نقرأ هذه الناائج في سياق دولي فيمكننا اعتبار فوز دونالد ترمب كاستمرار لمسلسل تصاعد النزعات المتطرفة عبر العالم (فرنسا, ألمانيا, إيطاليا, الفلبين، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي), هناك جنوح إلى رفض النظام القائم و اختيار أشخاص خارج المنظومات السياسية التقليدية، و في مخيال الأمريكيين فهو الأجدر في تجسيد الحلم الأمريكي (American Dream) من جديد بعدما أضحى لا يستهوي ممن يريد أن يهاجر إلى أرض العم سام، بحكم أن ترامب رجل أعمال ذات حس تجاري كبير هوايته هي جلب المال و تحقيق الثروة و هذا هو حلم الكثير. أمريكا أولا (America First) ذلك هو شعار دونالد ترامب طيلة حملته الانتخابية، بمعنى أنه يلتزم بالتركيز على السياسة الداخلية من خلال إعادة بعث الإنعاش الاقتصادي و تفعيل سوق العمل و كسب ثقة المستثمرين من جديد من خلال تخفيض من الضرائب و الرسوم على أرباب العمل بنحو 33% في الوقت الذي تلتزم كلينتون بزيادة الضرائب و الجباية بنحو 4% للأثرياء. في استراتيجيته الانتخابية، ركزت أدارة حملة ترامب على الولايات الزرقاء لون الحزب الديموقراطي مثل ميشغان، وسكونسن و أوهايو فمنذ أن غير طاقم إدارة حملته الانتخابية في شهر أوت الماضي بات يعكف على الاستثمار في جملة من الخطاء و الفشل التي وقع فيها المنتخبين الديموقراطيين في هذه الولايات و على سبيل المثال ما تركته الأزمة الإقتصادية (Subprime Mortgage Crisis) لعام 2008 من آثار اجتماعية و اقتصادية جراء غلق مصانع ديترويت و موجات التسريح التي مست الآلاف من العمال الأمريكيين. واستطاع فعلا أن يقلب موازين هذه الولايات فحقق فيها انتصارات غير متوقعة للكثيرين فحتى مصير فلوريدا التي تعتبر من الولايات المتأرجعة لم يعد يهمه. هل سينجح ترامب على الجبهة الداخلية؟ قد ينجح ترامب على الصعيد الداخلي من خلال بعث الانتعاش الاقتصادي و تحقيق ما يسمى بالتشغيل الشامل، من خلال خفض الضرائب و الجباية على أصحاب المؤسسات الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من الاستثمار و التوظيف، و كذا فرض الرسوم على المنتجات الأجنبية خصوصا الصينية منها و المكسيكية و ذلك للحد من توطين المؤسسات المنتجة الأمريكية في الخارج و تشجيع الألة المنتجة داخل الأراضي الأمريكية، و هذا ما يعتبره بعض المحللون تكريسا لنزعة الحماية الاقتصادية التي تتنافى و أبجديات الاقتصاد الحر التي طالما حاولت الادارة الأمريكية فرضها على الدول الأخرى في اطار المنظمة العالمية للتجارة و المعاهدات الدولية، باختصار يرى ترامب أنه بعدما فشل السياسيون في إدارة شؤون البلاد، حان الوقت لتسييرها على منطق المؤسسة، إن هيمنة الحزب الجمهوري على غرفة النواب و مجلس الشيوخ لا يعني آليا أن دونالد ترامب سيستطيع تجسيد كل وعوده الانتخابية بما أنه عرضة لمعارضة شديدة حتى داخل الحزب الجمهوري. السياسة الخارجية تحد آخر لترامب قد يكون لانتخاب ترمب كرئيس الولاياتالمتحدة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية بما سيقلل من التدخل العسكري و الأمني الأمريكي في العالم، فهو يرى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يعد لديها لا الامكانيات المادية و لا اللوجستية لفرض هيمنتها على الدول الأخرى، أو على الأقل يجب عليها أن تحقق جملة من التسويات خاصة مع الفديرالية الروسية بكونها العدو التاريخي و الاستراتيجي لأمريكا منذ عقود، و هو ما أثار حفيظة الديموقراطيون و حتى الحزب الجمهوريون. بالنسبة للناتو ترامب يدعو الإتحاد الأوربي إلى انخراط أكبر وأكثر جدية خاصةةفيما يخص المساهمة المالية التي تتحمل الولاياتالمتحدةالأمريكية عبئها حسب رأيه، و إلا فالولاياتالمتحدة لن تتحمل تبعات انسحابها منه. لقد بادر الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما في 2013، ببدء مشاورات مع الاتحاد الأوربي للتوقيع على معاهدة التبادل الحر تافتا (Transatlantic Free Trade agreement))، فمسار المحادثات في مأزق بسبب بعض البنود المتعلقة بتكريس الهيمنة الأمريكية على بعض القطاعات الاقتصادية، فمستقبل هذه المعاهدة مهدد أكثر من أي وقت مضى بحكم أن ترامب مصمم على فرض الرسوم على المنتجات الأجنبية الشيء الذي تهدف ذات المعاهدة إلى محوه. إن استفراد دونالد ترامب ببلورة السياسة الخارجية أمر مستبعد، بل يكاد يكون مستحيلا، لكون السياسة الخارجية ليست بيد الرئيس فقط بل هي رهينة مجموعة من المؤسسات الدستورية كالكونغرس، و وكالة الاستخبارات الأمريكية و كذا لوبيات تدخل في بلورتها، و ما هو معروف هو أن مسار السياسة الخارجية الأمريكية قار و معالمه لا تتحول و لا تتغير مع تغير الرؤساء و الحكومات. بطاقة بيضاء لليمين المتطرف في الكيان الصهيوني؟ من وعود دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كاعتراف منها على كون أن القدس هي العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، و من خلاله أيضا يبدي مساندة مطلقة للحكومة الصهيونية، فهذا يعني عند بعض المراقبين وئد لحل الدولتين و محاربة فصائل المقاومة الفلسطينية التي تعتبر في عيون الادارة الأمريكية تنظيمات إرهابية، و بالنسبة لمدينة القدس سيكون الأمر معقدا لكونها في القانوم الدولي تحت الحماية الأممية، و لكن سيصبح لدى الإدارة الصهيونية حرية أكبر في تجسيد سياساتها الاستيطانية و تهويد الأماكن و المقدسات الإسلامية و المسيحية في مدينتي القدس و الخليل. على كل هناك مخاوف لتنامي للمخاوف الأقليات الهيسبانية و اللاتينية و الجاليات العربية و الإسلامية من العداء و الاقصاء، رغم أن منع المسلمين من دخول التراب الأمريكي كوعد انتخابي قد اختفى من موقع حملة ترامب و لكن على الأرض هناك تزايد لأعمال عنف ضد المسلمين الذي اررتفع إلى حوالي 70 حادث في 2015 حسب احصائيات مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) و هي منظمة حقوقية أمريكية.