صحيح أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب عنصري، وشعبوي ، وديماغوجي ، صحيح أنه يمثل وجه اليمين المتطرف في يرفض الأخر ومحاربة الأعراق والأقليات، فيما يشبه ظاهرة الفاشية والنازية التي غزت أوروبا في الثلاثينيات بعد الكساد الكبير سنة 1929، والتي أدت لاحقا إلى الحرب العالمية الثانية ، لكن الأصح من كل هذا أن ترمب هو ثورة على النظام العالمي المرتكز على التجارة الحرة وعلى العولمة والشركات المتعددة الجنسيات ، بالإضافة إلى التدخلات العسكرية في المناطق الحساسة. شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية في العقد الأخير بعد الأزمة المالية سنة 2008 عدة حركات تغيير شعبية خارج مؤسسة واشنطن السياسية التي تتمثل بقيادات الحزبين الجمهوري والدميوقراطي واللوبيات المالية والإعلامية ، كانت حركة حزب الشاي، وأسقطوا وول ستريت وحركة ساندرز المرشح الديمقراطي الذي رفض الطبقة السياسية واتهمها بالفساد ، ليأتي ترامب كخاتمة لهذه الحركات التغيرية التي تريد إحداث ثورة من الخارج في المؤسسة الحاكمة الأمريكية بعد الأزمات الاقتصادية والسياسية و تراجع الولاياتالمتحدة على المسرح الدولي. ترامب لم يكن مرشحا جمهوريا بقدر ما كان مرشحا للأغلبية الغاضبة من الأمريكيين البيض، الذين ضاقوا ذرعا بسياسة الانفتاح والعولمة وتشجيع الهجرة والإنفاق العسكري المبالغ فيه، على حساب رفاهية المواطن الأمريكي، هذه الأفكار الثورية المتطرفة رفضتها أغلب القيادات الجمهورية لأنها رأت فيها تهديدا لمصالحها من رجل أعمال مغمور سياسيا بدون أي تاريخ في الادراة والممارسة العامة، ووصل الأمر بعضهم للدعوة صراحة للتصويت لهيلاري كلينتون ابنة المؤسسة لأكثر من 37 سنة. الفضيحة الكبرى فستكون من نصيب الإعلام العالمي ومؤسسات استطلاع الرأي التي ناصرت كلينتون صحيح أن ترمب الرئيس سيختلف تماما عن ترمب المرشح ، وصحيح أن الواقعية السياسية ستفرض نفسها على أدائه في البيت الأبيض داخليا أو خارجيا ، لكنه سيترك بصمته على العديد من السياسات التي ستغير وجه العالم نظرا لثقل بلاده العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، سنجد التغيير في سياسات الهجرة ومكافحة الإرهاب والتقليل من التدخلات في الأزمات الدولية مع دخول عهد عصر الانعزال الأمريكي لصالح الاهتمام الشؤون الداخلية، ما سيغير الكثير من المعادلات الدولية ، فانتخاب ترمب سيكون بمثابة موجة عالية تقلب الأوضاع في عدد كبير من دول العالم لصالح الاتجاهات الانعزالية والقومية خاصة في أوروبا. أما الفضيحة الكبرى فستكون من نصيب الإعلام العالمي ومؤسسات استطلاع الرأي التي ناصرت كلينتون وحسمت فوزها في نشرات الأخبار وعلى عناوين الصحف ، لتكون ثاني ضربة تتلقاها بعد البريكست الذي توقعت أن يفشل في إخراج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ، ما يجعل مستقبل هذه الإمبراطوريات في يد الرئيس الأمريكي الجديد الذي لن يوفر جهدا في تقليم أظافرها! للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]