كشف محمد بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، أن هيئته سجلت 150 قضية تتعلق بالأخطاء الطبية في الجزائر على مدار سنة 2009، مضيفا أن كل هذه القضايا ستحال على المجلس التأديبي للبت فيها. وأضاف بركاني أن هذه القضايا سجلت على مستوى العمادات الجهوية ال12 المنضوية تحت هذه العمادة، وأن كل هذه الأخطاء تخضع للمداولة، قبل الرد من قبل مجالس التأديب الجهوية، للحكم فيها، كما أن هذا الحكم خاضع للطعن من قبل المجلس الوطني للعمادة. وفي السياق ذاته، رصدت لجنة الدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية أكثر من 57 خطأ طبيا في ظرف 5 أشهر فقط من تاريخ تأسيسها وبداية تسلمها لهذا النوع من القضايا، وهو ما يعني رصد أكثر من 200 خطأ طبي في أقل من سنة. أما عن نوع الأخطاء الطبية، فقد أكد السيد بركاني ما ذهبت إليه الناطقة الرسمية للجنة الدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية نادية تمزايت، حيث سُجلت معظم الحالات في طب وجراحة النساء والتوليد، حيث تبقى الآثار مستمرة والمعاناة تتزايد يوميا نتيجة هذا الخطأ. وقالت تمزايت، في تصريح ل"الشروق"، إن هيئتها سجلت 57 خطأ طبيا في الفترة الممتدة بين شهري أوت وديسمبر الماضيين تتفاوت خطورتها. وأوضحت أن معظم هذه الحالات التي كانت المرأة الضحية الأولى لها هي أخطاء غير مقبولة، كون جلها عمليات على أساس التجربة وبدون إذن الشخص الضحية، كما سجلت حالات كثيرة بطب النساء والتوليد والجراحة القيصرية، وقد سُجلت حالات عديدة تم فيها نسيان الضمادات داخل جسم المرأة بعد حالات الولادة وخاصة تلك التي أجريت لها عمليات قيصرية، وأغلب قضايا الأخطاء الطبية حسب تمزايت تتعلق بهذه الفئة. كما سُجلت العديد من الحالات خاصة بشلل الأطفال الناتجة عن أخطاء يرتكبها الأطباء أثناء ولادة الطفل تتسبب له في شلل يعاني منه طيلة حياته، تضاف إليها الأخطاء المتعلقة بتضييع عدسات المرضى في غرف العمليات أثناء إجرائهم لعمليات على مستوى العين، أو التشخيص الخطأ للمرض، مما يؤدي إلى تطورات ومضاعفات في صحة المريض فيما بعد. وقد سجلت هذه اللجنة حسب المتحدثة عدة حالات خاصة بالإضافة إلى نسيان أدوات طبية داخل جسم المريض، حالات إهمال من قبل الأطباء للمريض، وحالات أخرى تسببت فيها الجراثيم داخل غرفة العمليات ويتهم فيها المريض أنه مصدرها. وأضافت أن العدد المرصود من قبل لجنتها لا يعبر عن العدد الحقيقي للأخطاء الطبية في الجزائر، فأغلب الضحايا غير مسجلين، لعدة أسباب سواء عدم ظهور آثار الخطأ في وقته، أو جهلهم بالخطوات اللازم اتّباعها بعد وقوع الخطأ، كما هناك ضحايا يفضلون اللجوء إلى العدالة قصد الاستفادة من تعويضات. يذكر أن الكثير من ضحايا الأخطاء الطبية وحسب ما أكده محمد بقاط بركاني ونادية تمزايت يلجأون مباشرة للقضاء من أجل الحصول على تعويض مادي، لمعالجة الأمراض التي تسبب فيها الطبيب المذنب أو مضاعفاتها. الضحايا.. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر! ومن بين الحالات التي صادفنا ضحاياها في مقر لجنة الدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية، هي حالة الضحية محيي الدين أبو بكر الصديق، شاب في 29 سنة من العمر، خضع لعلاج بمصلحة الأمراض التنفسية بمستشفى مصطفى باشا، في ماي 2005 وبعد خروجه تبين أن ميكروبات غريبة انتقلت لجسمه عن طريق حقنة، وبعد تشخيص حالته ظهر أنه يعاني من وجود الماء في رئته اليمنى، ليحول بعدها إلى مصلحة الأمراض التنفسية، حيث خضع لفحوص دقيقة وتم سحب الماء الذي كان برئته، وبعد 20 يوما، ظهرت عليه أعراض أخرى، كالشعور بالإرهاق، نقص الوزن، وفقدان الشهية وآلام في الظهر، وكذا تقيح على مستوى المنطقة التي سحبت منها العينة للتحليل، ليتضح في الأخير أن الأمر يتعلق بميكروبات غريبة انتقلت إلى جسمه عن طريق حقنة، وقضيته اليوم أمام العدالة. وإذا كان محيي الدين محظوظا واكتشف الخطأ قبل فوات الأوان فالمرحوم "د. بشير"، لم يكن كذلك، حيث توفي متأثرا بآثار ناتجة عن خطأ طبي، ارتكبه طبيب بقسم أمراض الكلى بمستشفى مصطفى باشا، وتقدم الضحية إلى مصالح الأمن بشكوى مفادها أنه ضحية خطأ طبي في المصلحة المذكورة، وجاء في الشكوى أنه بعدما أصيب بمرض على مستوى المثانة، أجريت له عملية لنزع حصاة من البروستات، وتبين فيما بعد أن الدواء الذي يتناوله خاص بالسرطان، وتسبب تناوله إلى قصور كلوي حاد، كما أصيب بسبب العملية بضعف جنسي، حيث بترت خصيتاه، وبعد تقديم شكوى توفي وتابع ابنه القضية. من بين الضحايا أيضا أمينة التي أقدمت على عملية تجميلية على عينها فاكتشفت أن قرنيتها استبدلت بأخرى ولا وجود للعدسة، وكذا سليمة التي تم استئصال رحمها كليا بسبب خطأ طبي ناتج عن إهمال بعد إجرائها عملية قيصرية بإحدى المستشفيات بالعاصمة. وزير العدل يؤكد صعوبة الوضع وأخصائيون يطالبون بتعديل القانون يطالب العديد من رجال القانون في الجزائر المشرع الجزائري أن يكون القانون أكثر ميدانية وتماشى مع التطور العلمي والعصرنة التي تستطيع أن تستوعب أي وضع أو إشكال أو طارئ قانوني قد يحدث، ولكي يستوعب تلك الواقعة، أو الجرائم التي تحدث يوميا، وكذا استعمال التقنيات العلمية الجديدة خاصة فيما تعلق بحالات الوفاة، كما طالب جل من تحدثت الشروق إليهم، المشرع بإدخال تعديلات ومواد جديدة تحتوي الوقائع أو ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وكذا بتعديل بعضا من مواد قانون الأخطاء الطبية فور كل دراسة حديثة، كما هو معمول به في باقي الدول. من جهته وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز، أكد مؤخرا لدى افتتاحه أشغال يوما دراسيا حول المسؤولية الجزائية الطبية على ضوء القانون والاجتهاد القضائي الذي نظمته المحكمة العليا بالجزائر العاصمة، على صعوبة تحديد الخطأ الطبي قضائيا، وقال إن قضاة المحاكم والمجالس يخطئون في كثير من الأحيان في تحديد الخطأ الطبي، بسبب صعوبة تحديد نوع من الخطأ، مؤكدا أن كلا من قانوني العقوبات والصحة لم يقوما بتعريف الخطأ الطبي ومختلف أنواع الأخطاء الطبية، خاصة وأن قانون العقوبات الجزائري يعطي القاضي السلطة التقديرية في تحديد الخطأ من خلال المادتين 288 و289، اللتين تنصان على الأخطاء غير العمدية، مما يفرض قيام القاضي بتعيين خبير لإثبات الخطأ الطبي، وعلى أساسه يبني حكمه ويتعين عليه المصادقة عليها.