مرّ أكثر من شهر على اجتماع ممثلي الدول الإفريقية المتاخمة للساحل الإفريقي بالجزائر من أجل التنسيق لمحاربة الإرهاب بالمنطقة، وكان من المفروض أن يتبع ذلك مباشرة عقد قمة للدول المعنية بالعاصمة المالية بماكو، لتطويق هذه الظاهرة من ناحية والوقوف في وجه محاولات التدخل الأجنبي من ناحية ثانية، * لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن واقتصرت المبادرات على إجراء الاتصالات على مستويات أقل بين البلدان المعنية كاجتماع الجزائر المذكور سلفا واجتماع 13 أفريل الحالي بالجزائر الذي ضم قادة أركان جيوش هذه البلدان التي تضم الجزائر وليبيا وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينافاسو التي انضمت إلى السلسلة مؤخرا، وأخيرا التنصيب الرسمي أول أمس بمدينة تامنراست للجنة المشتركة للأركان التي تضم كل من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر بهدف تنسيق العمليات العسكرية ضد الإرهاب في المنطقة.. ولكن كل ذلك على أهميته النظرية لا يرقى إلى أهمية القمة المرجوة ولا يغني عنها بحكم طابعها السياسي وما يمكن أن تتخذه من مواقف تجاه التدخل الأجنبي السافر والمباشر في المنطقة بذريعة مكافحة الإرهاب أو ملاحقة عناصر القاعدة. فهذا الوضع بهذه المنطقة ليس بالشكل الذي تقدمه الدول الغربية للرأي العام، وهو على ما هو عليه اليوم اختلاق محض من أمريكا وأوروبا التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة تتنافس عليها بعد ثبات ما يخفيه باطنها من نفط وغاز وثروات معدنية استراتيجية مثل اليورانيوم والذهب.. والمعالجة الحقيقية لظاهرة الإرهاب. * بدأت اليوم دول المنطقة تعي الأهداف الخفية والمعلنة للدول الغربية من إثارة هذه القضية أو الظاهرة التي لا يمكن قبول تفسيراتها السائدة حاليا، كتأكيد أمريكا وحلفائها على كون منطقة الساحل أصبحت معقلا أو قاعدة أساسية للقاعدة، إذ كيف يحول هذا الكيان نشاطاته من غيران وجبال أفغانستان وغابات الباكستان وأدغال الصومال وواحات العراق إلى هذه المنطقة القاحلة العارية التي لا توفر أدنى عوامل الحماية والاختباء من المراقبة والأسلحة الحديثة؟ * حقيقة إن المنطقة تعاني من مشاكل سياسية وأمنية ومنها ما تسببه المعارضة لمالي والنيجر والتشاد.. وما تسببه فلول الإرهاب للجزائر وموريتانيا.. ولكن كل ما هناك من خطر محدق هو الآتي من التدخل الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي الذي أصبح حقيقة لا غبار عليها عبر التواجد المكثف للجواسيس والمراقبة الجوية المحكمة والتواجد العسكري خاصة في كل من مالي والنيجر في ظل الخلافات الحادة بين دول المنطقة. * وإذا كان ثمة من ضرورة للحلول والعلاجات الجذرية لمشاكل هذه المنطقة، فيجب أن تبدأ على أعلى المستويات بالجلوس حول طاولة الحوار والتشاور بين قادة الدول المعنية وتعبيرها الصريح، على الأقل، عن أنها تعي الرهانات والأهداف الأجنبية المحدقة بها.