لم نكن نعلم أن عملنا داخل ليبيا لمدة أكثر من شهر سيجعلنا نقف على حقائق خطيرة موثقة بالصوت والصورة تخص تنظيم داعش في منطقة سرت، حاولنا هذه المرة التركيز على العنصر النسوي، عنصر لاحظنا استقطابه ووجوده بشكل رهيب داخل المنطقة قبل أن تُحرّر، وبين يدي أجهزة الأمن الليبية بعد التحرير، ما الاسم الذي يمكن أن نطلقه عليهن؟ هل هن مقاتلات داعش؟ نعم فمنهن المقاتلات اللواتي حملن السلاح ضد الجيش والطيران الأمريكي وفضلن الموت والكلاشينكوف بين أيديهن مقتنعات بالشهادة والذهاب إلى الجنة.. هل هن المهاجرات؟ نعم فمنهن من تركت أهلها وديارها زوجها وأولادها وبيتها ومالها وعملها لتلتحق بداعش إيمانا منها بالفكر والعقيدة و"إقامة شرع الله وتحكيمه وإلغاء الحدود وجوازات السفر" حسب أدبيات هذا التنظيم المتطرّف. هل هن المتطرفات دينيا؟ نعم فمنهن من سُجنت وعُذبت نساء داخل مدينة سرت الليبية، فقط لأنهن لم يُطعن أوامر "الخليفة" أو لأنهن فكرن في الهرب.. هل هن المغرر بهن؟ نعم فمنهن من اصطدمت بواقع مغاير تماما للوعود وغسيل الدماغ الذي تعرضت له.. تعددت الأسباب والحالات لكن المصير واحد لقب يطلق عليهن: نساء داعش.
كتيبة خاصة لتجنيد الفتيات اكتشفنا خلال عملنا الميداني داخل مدينة سرت الليبية وبالتنسيق مع أجهزة الأمن من المخابرات إلى النيابة العامة ومكتب التحقيقات، أن تنظيم داعش في سرت الليبية كان قويا بشبكاته وعلاقاته الخارجية فيما يخص استقطاب وجلب النساء، حيث أسس التنظيم شبكة نسائية خاصة مهمتها جلب أكبر عدد من "المهاجرات"، ولا تهم الوسيلة ولا المبلغ المادي بقدر ما يهمّ العدد الذي قد يعلن ولاءه له، لاحظنا أن التنظيم في سرت كان يعمل على جلب فردين أو أكثر من العائلة الواحدة، أي ليس بنفس الوتيرة التي عمل عليها في سورياوالعراق، كان الهدف مثلا جلب أختين معا أو الأخت وبنات أختها أو أخيها مثلا أو الأم وبناتها وهكذا. تبدأ القصة من شبكات التواصل الاجتماعي وعبر مختلف المواقع، يخصص داعش فتيات من مختلف الأعمار تماشيا واصطياد الفريسة، جميع الحسابات مفتوحة بأسماء وهمية، مخطط التنظيم أو كتيبة النساء تحديدا المجنَّدة لجلب الفتيات، هو إيجاد من تعاني من مشاكل عائلية أو ربما اقتصادية.. من تمر ربما بأزمة نفسية، المطلقة، الأرملة، صاحبة التفكير الديني المتشدد المضطهدة في بلدها حسبهم... وما شدَّ انتباهنا أكثر أن التنظيم ركّز من خلال شبكته على جلب بنات الليل؛ أي اللواتي يعملن في الدعارة، إذ يعرض على الفتاة التوبة مقابل توفير مبلغ مالي لها وسكن، وهنا لا يفرق كثيرا عملها داخل سرت مع داعش عن عملها في الدعارة الذي كانت تمارسه، إذ توكل لها فور دخولها توفير "الراحة الجنسية" لمقاتلي داعش وتتحول إلى سبيّة تعاشر يوميا عدة أشخاص داخل أماكن خاصة بالنساء فقط تُسمى "مضافات"! اصطياد الفتيات عبر الأنترنت أصبح وسيلة فعالة بالنسبة لكتيبة النساء المجندة، مجندات اعتدن على التعامل النفسي مع الضحية وعدم الاستسلام إلى غاية جلبها، ولو لشهور أو ربما مدة تفوق السنة، وهي العينات التي سنقف عندها لاحقا. الكتيبة النسوية المسؤولة عن جلب الفتيات عبر الأنترنت لديها كل الصلاحيات في اختيار الدولة مادام التنظيم قادرا على جلب الفتاة من أمام باب منزلها، وهذا الأمر الخطير الذي اكتشفناه، فمعظم الفتيات اللاتي التقيت بهن تم إرسال سيارة لهن تقلهنّ من باب المنزل حتى لو كانت فرنسية أو مصرية أو تونسية أو جزائرية، وهنا تكمن خطورة هذا التنظيم الذي أسس لنفسه شبكات قوية داخل البلدان العربية والأوربية، فمثلا الفرنسيات يتم تسهيل الأمر لهن من داخل فرنسا ومن تتحدث إليهن من تنظيم داعش تكون تونسية أو مغربية تتقن اللغة الفرنسية، تستدرج الفتاة نحو تونس أو المغرب أو الجزائر، ثلاث دول يعتبرها التنظيم ممرا لتمرير الجنسيات الأجنبية، وإن كان تركيزه حسب ما وقفنا عليه على تونس أكثر، ربما للتسهيلات التي يتلقاها الأجانب هناك، ومن ثم يتواصل نشاط نساء التنظيم بالتنسيق مع الشبكة التي تكون متواجدة في نفس البلد، تواصل النساء مع النساء يجلب أريحية أكثر في التعامل خاصة بالنسبة للأوروبيات اللواتي يتم تجميعهن داخل مضافات خاصة في تونس وبالتحديد داخل منطقة بن قردان الحدودية مع ليبيا، ويقصد ب"المضافات" هنا منازل خاصة بالنساء فقط تشرف عليها مسؤولة بكتيبة نساء التجنيد، مهمتها الثانية تدريس الفتيات أمور الفقه والدين خلال فترة تواجدهن معها وقبل ترحيلهن إلى ليبيا. الغريب في الأمر - حسب مصدرنا الأمني - أن المضافات النسوية في منطقة بن قردان التونسية تنشط بشكل رهيب لا يمكن غضّ الطرف عنه أو عدم السماع به، فعدد النساء اللاتي يتمّ تجميعُهن هناك من مختلف الدول والجنسيات يفوق التصور، هنا يتساءل عن دور السطات التونسية والأجهزة الأمنية في ردع هذا النوع من النشاط الخطير؟ اكتشفنا أيضا من خلال التقارير الاستخباراتية الليبية، أن شبكات تنظيم داعش الخاصة بتجنيد النساء في الدول العربية قوية جدا، خاصَّة تونس ومصر والمغرب والجزائر، دول يقول مصدرٌ أمني أنها مهددة بالانفجار في أي لحظة بسبب النشاط الخطير داخلها لهذا النوع من التجنيد، وإن كان العامل الاقتصادي والسياسي والوازع الديني الرقم الأول في معادلة استسلام الفتيات حسب تصريحاتهن، إلا أن واقع ما كان ينتظرهن أخطر بكثير.
مصر.. الخطر القادم من المشرق ربما واقع مصر الاقتصادي والمعيشي ونسبة الفقر والعنوسة الكبيرة، قد تدفع بعض بناتها إلى البحث عن "الخلاص" من خلال الارتماء في أحضان داعش وتصديق وعوده المعسولة.. الخطير في الموضوع أن مصر باتت نقطة التحوُّل بالنسبة للعديد من الفتيات ولنشرح أكثر خطورة الموضوع حسب ما وقفنا عليه، فتنظيم داعش في ليبيا كان يعمل عن طريق خطتين: الأولى كتيبة المجنَّدات لجلب الفتيات، والثانية جلب الفتيات عن طريق الزواج بمصريين وهنا الكارثة الأكبر، حيث يدخل المصريون عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات الفكرية والثقافية التي تجمع مختلف البلدان العربية، يصطاد كل مصري مجند ضحيته التي يعدِها بالزواج ويطبق وعده فعلا. حالات الزواج التي وقفنا عندها تكون بدون أن يذهب المصري إلى بلد الزوجة، بل يكتفي بقراءة الفاتحة عن طريق الأنترنت مع أهل العروس ووجود الشهود ومن ثم يرسل عقد الزواج وتُرسَل له الزوجة إلى مصر، زوجة قد تكون من العراقوسوريا واليمن والمغرب وحتى الدول الخليجية والجزائر للأسف... بعد وصول الزوجة إلى مصر يعيش معها أياما معدودات قد تصل الشهرين قبل أن يطلب منها السفر معه، لتصطدم الزوجة بواقع كارثي فور وصولها إلى سرت الليبية ورؤيتها للعلم الأسود وبداية المحظورات والممنوعات، فممنوع على كل النساء الخروج إلا بموافقة زوجها وعند الضرورة القصوى، ممنوع كثرة الزيارات بين النساء ولا يُسمح للزوجة إلا الحديث مع واحدة فقط تكون ابنة بلدها فمثلا على المصرية أن تصاحب مصرية وعلى التونسية أن تصاحب تونسية واحدة وهكذا.. هنا ندخل في موضوع آخر وهو التمييز بين النساء. هناك نساء يحظين بموافقات خاصة وامتيازات لدى قيادات تنظيم داعش، وهن المكلفات بالتجنيد والتدريب على السلاح وتطبيق القانون على باقي النساء، فمثلا من لا تلتزم بشروط العيش في مدينة سرت تُحوّل إلى سجن النساء، حيث يتعرضن للضرب والإهانات وحتى تقديمهن كسبايا للمقاتلين. مصادرنا الأمنية عادت لكشف مخطط تزويج المصريين بفتيات من مختلف الدول العربية، والتي لا تزال تُنتَهج إلى اليوم، ليس فقط لإدخال الفتيات إلى مدينة سرت الليبية التي حرّرتها اليوم القوات التابعة لحكومة السراج، وإنما أيضا لتأسيس تنظيم قوي داخل مصر والدول المجاورة التي قد تنفجر في أيِّ لحظة. واقعٌ خطير وقفنا عنده خلال تواجدنا في خطوط النار ضد داعش، وجدنا مصرياتٍ مثقفات حاصلات على شهادات جامعية، حتى إن من بينهن صحفية أخرجت بنات أختها معها، وهذا بذريعة "الظروف المعيشية الصعبة والقهر الأمني والسياسي الذي يعيشه المصريون". في الغالب تجتمع هؤلاء الفتيات في السودان ويدخلن عبرها إلى ليبيا، بعد أن يتم تهريبهن من قبل شبكات متواطئة حتى مع بعض من عناصر الأمن المصري، وهنا أسرَّ لي مصدري أنهم اكتشفوا فعلا وجود ضباطاً مصريين في سلك الأمن كانوا يساعدون تنظيم داعش داخل ليبيا بتهريب الفتيات وغض الطرف عن أعدادهنَّ الهائلة التي تمر عبر الحدود، كما كشفت التحقيقات الأمنية الليبية توافد بعض هؤلاء الضباط نحو ليبيا وتدريبهم للدواعش لفترات محددة، ما دفع مصدرنا إلى التحذير من أن ينعكس ذلك سلبا على الأمن في مصر نفسها لاحقاً.
علاقة شمال إفريقيا بداعش شمال إفريقيا نقطة مُهمّة بالنسبة لداعش، فقد كشفت التحقيقات الأمنية الليبية، مع قادة التنظيم الذين تم إلقاء القبض عليهم، أن زعيمه أبو بكر البغدادي كان كثير التركيز عليها وعلى تجنيد أكبر عدد من شبابها وبناتها، خاصة والنسبة الكبيرة والأرقام المسجَّلة من قِبل المخابرات الأجنبية والتي تشير إلى أن أكبر عددٍ من المنتسبين للتنظيم حتى في سورياوالعراق هو من التونسيين والمغاربة، أمرٌ شجَّع التنظيم على توسيع شبكاته داخل دول المغرب العربي والتغرير ببعض شبابه وبناته، والسؤال المطروح هو: هل يمكن أن نسمي من ينتسب للتنظيم من هذه الدول مغررا بهم؟ سؤال طرحتُه على نساء منتسبات لداعش أبدين ندمهن لكنهن عجزن أمام سؤال بسيط طرحته: "كيف تقولين إنك اصطدمتِ بواقع داعش من القتل والذبح والاعتداءات الجنسية بينما هذا التنظيم ليس وليد ليبيا بل امتدادٌ لجرائم وفظائع ارتكبت في العراقوسوريا..؟"، عجزُ الجميع عن الإجابة على هذا السؤال يوصلنا لحقيقة واحدة، وهي أن جل المنتسبات لهذا التنظيم من دول المغرب العربي ليس مغررا بهن بشكل كبير، فهن مدرِكات أن مصيرهن هو "جهاد النكاح" أو ربما الزواج من داعشي، مدركات لما سمعنه من قبل عن تفجير النساء لأنفسهن بأحزمة ناسفة، وعن تدريب النساء على السلاح، وعن اتخاذ المرأة شهوة ومتاعا للرجل وقتما شاء، بل إننا وجدنا خلال تحقيقنا هذا جثثا لفتيات من المغرب العربي وبأيديهنّ الكلاشينكوف داخل المضافات الخاصة بالنساء، كانت مهمتهن منع النساء من الخروج وحراستهن وقتال الجيش الليبي في حال وصوله إلى المنطقة، نساء فضلن الموت على تسليم أنفسهن، خاصة وأنهن كن من الكتائب المهمّة الداعمة لإقامة "الخلافة الإسلامية" حسب اعتقادهن. ليس هذا فحسب، بل أوكلت للنساء -خاصة منهن التونسيات- ارتداء الأحزمة الناسفة وتفجير أنفسهن فور الوصول إلى نقاط الجيش رفقة النساء المستسلِمات، وجدنا داخل الميدان ونحن نقوم بتغطية الحدث أحزمة ناسفة مكتوب عليها أسماء اللواتي كلفن بالعملية مثل "أم البراء، أم الوليد، أم حمزة.. وغيرهن، قتلت العديد من النساء جراء هذه التفجيرات، كما قتل العديد من عناصر الجيش الليبي أيضا، عناصر كانوا يسرعون لإخراجهن من داخل المنازل وبين الركام ليفاجَأوا بانتحارية تفجِّر نفسها ولا ترحم من معها، كانت جثث النساء والأطفال في كل مكان، حُوِّلت العديدُ من المصابات إلى المستشفيات تحت حراسة أمنية مشددة، بعضهن فقدن أطرافا من الجسد، وبعضهن الآخر لم يكنّ مدركات أصلا لوجود انتحاريات بينهن. .. يتبع