يسدل الستار عضو الهيئة التنفيذية في حكومة الصخرة السوداء (روشي نوار) بلعيد عبد السلام في الحلقة العاشرة والأخيرة من شهادته التاريخية، التي ينفض فيها الغبار عن "العمش والغبش" الذي اكتنف اتفاقيات إيفيان، لاسيما منها قضية البنود السرية. كما يروي كذلك معركة "عض الأصابع" و"من يصرخ أولا"، بين الحكومة المؤقتة بقيادة الرئيس يوسف بن خدة، وقائد الهيئة العامة لأركان الجيش العقيد هواري بومدين عشية التسابق المحموم على السلطة، لتنتقل فصول المعركة إلى مؤتمر طرابلس في "هوشة" الأنياب والمخالب بين عكازي الثورة "الباءات الثلاثة" و"السجناء الخمسة" حول تقاسم السلطة الوليدة، التي انقسم فيها آل الشرعية الثورية (المفجرين) بين قطبين، جماعة تلمسان وجماعة تيزي وزو، ليكشف كيف عجزت حكومة سلطة المرور والعبور (روشي نوار) على تسليم الشرعية لأصحابها وكيف انحرفت عن مسارها، وميلاد الشرعية الشعبية "سبع سنين بركات"، معرجا على الانتقام المعنوي والثأر السياسي لفرحات عباس من يوسف بن خدة، هذا الأخير يعتذر منه بلعيد عبد السلام عبر الشروق، مقرا بظلمه لرجل عانى من حيف الشرعية وسيف الثورية، ليختم "مسك" شهادته بدور جيش الحدود الذي أنقذ وحدة البلاد، وجنبها حربا أهلية كادت أن تأتي على الأخضر واليابس، كل هذه الأحداث "المكلومة" تجدون حيثياتها بالتفصيل المفصل في الحلقة الختام، من شهادته التي خص بها الشروق.
بدأت مفاوضات إيفيان الأولى في ماي 1961 هل كانت ضرورة فرنسية أم نجاحا للثورة الجزائرية؟ فتح المفاوضات نفسها أو اللقاءات الأولى، والتي جاءت بطلب من طرف السلطات الفرنسية كان نجاحا للثورة، فالفرنسيون في تصريحهم الأول على لسان ميتران الذي قال: المفاوضات الوحيدة في الجزائر هي مفاوضات الحرب، لكن بعد عودة ديغول على رأس فرنسا تجددت الاتصالات، وفي الحقيقة هي اتصالات بدأت في عهد ديفولي، عندما تكونت اتصالات بين الحكومة الفرنسية وقادة جبهة التحرير للتوصل إلى حل عن طريق المفاوضات.
في أوت 1961 تم تعيين يوسف بن خدة على رأس الحكومة المؤقتة، كيف اختارك مستشارا له وما هي المهام التي كلفك بها؟ عّينت مستشارا لدى يوسف بن خدة، وقد كلفني وقتها بملفين، الأول يتعلق بالمفاوضات مع فرنسا، والملف الثاني يتعلق بعلاقة الحكومة المؤقتة مع هيئة أركان الجيش، وقد قدمت له عدة اقتراحات.
ما نوع الاقتراحات التي قدمتها له في ملف المفاوضات مثلا؟ يوسف بن خدة كان ضد المفاوضات مع فرنسا، وهذا كان موقف بومدين، فكلاهما لم يكونا راضين عن المفوضات الأولى التي جرت في ماي 1961، لكن بعد تعيين يوسف بن خدة على رأس الحكومة المؤقتة قلت له: "أنت الآن رئيس إن رغب الفرنسيون في التفاوض ففاوضهم، لأنه من الأهداف السياسية لجبهة التحرير، ولا يمكن الاستمرار في رفض المفاوضات.
وكيف كان رد يوسف بن خدة حول مقترحك الداعي لفتح باب المفوضات مع الطرف الفرنسي؟ قال: كيف أتفاوض مع فرنسا، وأخشى بومدين أن لا يطبقها؟ سمع بها هذا الأخير أرسل له محمد بودة ليبلغ يوسف بن خدة بالتالي: "إن رغب الفرنسيون في التفاوض فتفاوض معهم، وإذا توصلتم لاتفاق وقع معهم اتفاقية، لكن قد ننتقدها أو يكون عندنا موقفا مضادا لها، لكن نطبقها "ماناش ذراري".
ما سر خوف رئيس الحكومة من قائد الأركان تحت سلطته السياسية؟ هواري بومدين لو رغب في تكسير اتفاقيات إيفيان بين الحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية المؤقتة لكسرها، بحكم مسؤوليته على قطاع حساس مثل الجيش، لكن بومدين كان يتمتع بالذكاء وبحس المسؤولية كقائد للجيش.
كيف جرت المفاوضات؟ الاتصالات كانت جارية بين الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية، وكنت أنا شخصيا في اتصال مع رضا مالك، هذا الأخير كان بدوره في اتصال معهم، وفي يوم من الأيام قال لهم الفرنسيون لابد أن نلتقي "خلينا من الهدرة" فلنذهب إلى شيء مكتوب، وقتها تيّقنا من أن الفرنسيين جادين هذه المرة، وقد رغبوا في أن تكون الأمور موثقة، ولابد من تبادل الوثائق وليس بالكلام فقط.
لماذا تفاوض الفرنسيون مع الحكومة المؤقتة وليس مع جبهة أو جيش التحرير؟ الظاهر أن الفرنسيين اختاروا أن يكون الذي يقابلهم من طرف الجزائريين الحكومة المؤقتة، لأنهم يعتبرون التفاوض مع جبهة التحرير، هو تفاوض مع حزب داخل النظام الفرنسي، ونحن نعتبر الحكومة المؤقتة تمثل جميع الجزائريين، وهذا بحد ذاته يعد موقفا سياسيا.
لماذا رفض ديغول التفاوض مع السجناء الخمسة بعد أن فوّضتهم الحكومة المؤقتة؟ وفي المقابل سمحت السلطات الفرنسية لبعض قادة الثورة الاتصال بهم داخل سجن "لاسنتي" فيما يتعلق بمصير المفاوضات ذاتها؟ الفرنسيون عندما لمسوا هناك تقدم في المفاوضات، أدركوا أن الجماعة التي كانت في الخارج بحاجة للاتصال بالوزراء السجناء، وهم يدركون أن هؤلاء الوزراء رغم أنهم مسجونين، لكنهم يتمتعون بثقل ولهم كلمتهم في مصير المفاوضات التي تجرى معهم، فأخذوا بتسهيل الاتصال بين السجناء الخمسة وجماعة الخارج، وأول من سمح له بالاتصال بهم، هو محمد صديق بن يحيى وتلاه لخضر بن طوبال ثم كريم بلقاسم، وبالنسبة للفرنسيين الهدف من هذه التسهيلات أن تكون مواقف الجميع موحدة بخصوص تقرير المصير حتى تنجح المفاوضات.
لماذا أصر ديغول على عدم التفاوض مع القادة الخمسة؟ ديغول يعتبر السجناء الخمسة لا يقومون بأي عمل، وفي تصريح له أنه لا يفاوضهم، كونهم لا تمثيل ولا دور لهم ميدانيا، في المقابل أبدى رغبته في التفاوض مع المقاتلين مباشرة، الذين يحاربونه، والموجودين في قلب المعركة المسلحة، ولكن في نهاية المطاف أدرك ديغول أن الذين يتفاوضون معه، ينبغي أن يكونوا موحدين في رأيهم وموقفهم.
من عين كريم بلقاسم على رأس الوفد المفاوض؟ أحمد بن بلة كتب رسالة إلى فرحات عباس، طلب فيها أن يكون كريم بلقاسم على رأس الفريق المفاوض، على أساس أن هذا الأخير هو المتبقي الوحيد من مفجري الثورة الستة، الذين استشهد منهم ثلاثة وسُجن منهم اثنين، وواحد طليق حر.
لكن أحمد بن بلة كان على خلاف مع كريم بلقاسم؟ في لقائي لاحقا مع أحمد بن بلة، سألته لماذا عينت كريم على رأس الوفد المفاوض أجابني: هذه ظروف أخرى وقد تمسكت بكريم ليس كشخص، لكن على أساس أنه عضو مفجر للثورة.
انتقل الخلاف من الحكومة المؤقتة وهيئة الأركان العامة إلى القادة الخمسة ماهي أسباب الخلاف الجوهرية؟ أظن أنه في ذلك الوقت كان الخلاف حول النقاشات العامة، فمن الذي سيتفاوض مع فرنسا؟ ومن المستعد أن يدافع على حقوق المجتمع الجزائري إلى أخر قطرة؟ وهل هم مستعدون لتسليم فرنسا بعض التسهيلات بخصوص مصالحها، لأنها كانت تقول لدي مصالح في الجزائر.
تم الاتفاق ووقعت الاتفاقيات بين 18 و19 مارس، ويبقى دوما السؤال حول البنود السرية؟ هل ثمة بنود سرية جرت تحت طاولة المفاوضات؟ لا توجد بنود سرية، هذه إشاعات كاذبة، كل شيء عن اتفاقيات إفيان كان مكتوبا ومنشورا، وبعض الناس يعتقدون أن الشيء المكتوب ليس هو الحقيقة.
هواري بومدين تقدم بالاستقالة في الرمق الأخير من حكومة فرحات عباس وورث يوسف بن خدة هذه التركة"المسمومة" كيف عالجتم هذه المسألة؟ اقترحت على يوسف بن خدة أن يتخذ موقفا يؤدي للاصطدام بينه وبين هواري بومدين، وأعتبر ذلك خطأ من طرفي، لأن المسؤول والمخول بذلك هو الرئيس يوسف بن خدة وليس المستشار.
هل أخذ برأيكم كمستشار مكلف بالعلاقات مع قيادة الأركان؟ كان يكفي إعطاء رأيي، لكن القرار هو من يتخذه، ففي حال كانت المواجهة فهو من يتولاها، وقد رفض مقترحي، وهنا غادرته وتركته، وبهذه المناسبة أعترف عبر الشروق أمام الناس أني ظلمت يوسف بن خدة لأنه كان على حق، وكنت على خطأ.
"مقاطعا" لماذا كان على حق وأنتم على خطأ؟ لأنه كان متمسكا بموقف و"عمره" ولا يحضر في أي اصطدام بين المجاهدين، أو حتى المناضلين أيام حزب الشعب، والدليل عندما اصطدم مع مصالي رفض أن يحمّل الصراع للمناضلين، فبن خدة كان يعتقد أنه لا ينبغي أن يكون هناك اصطدام بين الحكومة المؤقتة التي تقود الثورة، والهيئة العامة لأركان الجيش.
لكنه تراجع وتمسك برأيك بعد فوات الأوان؟ لم يأخذ برأيي في حينه، ولكنه أخذه بالاعتبار فيما بعد بدعم من القادة الخمسة، باستثناء أحمد ببن بلة عشية خروجهم من السجن، فالتمرد بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة جعل الجيش ينحاز ويسير مع هواري بومدين وليس مع الحكومة المؤقتة.
المجلس الوطني المنعقد في طرابلس 1962 وافق على نص مشروع اتفاقيات إفيان في حين هواري بومدين عارضها لماذا يا ترى؟ عارض بومدين اتفاقيات إفيان وقد بلّغ يوسف بن خدة بها سلفا، قائلا له: قد نعارضها سياسيا، وهو ما حدث بالفعل في مؤتمر طرابلس، لكنه طبق القرارات ونفذ الاتفاقية.
جاء مؤتمر طرابلس، الذي عرف استقطابا واصطفافا بين المتخاصمين حول السلطة الوليدة، هل من تفاصيل جديدة حول ذلك المؤتمر المعلق والمرفوع إلى أجل غير مسمى؟ رافقت طاهر زبيري وصالح بوبنيدر (صوت العرب) على متن طائرة عسكرية فرنسية، وصلنا تونس متوجهين لحضور مؤتمر طرابلس، تم تفويض محمدي سعيد وسعيد يوزرن عن الولاية الثالثة، في النهاية الاثنين تحالفا مع أحمد بن بلة وتركا كريم بلقاسم وحده ولم يدافعا عنه، هذا الأخير اعترض عليه أحمد بن بلة كعضو في المكتب السياسي.
لماذا تحالف فرحات عباس مع بن بلة و"خذل" يوسف بن خدة؟ فرحات عباس إنحاز لجماعة بن بلة لأنه لم يهضم استخلاف يوسف بن خدة على رأس الحكومة المؤقتة، حدثني سعد دحلب الذي قال له فرحات عباس "بقينا في الجزائر نحن الثلاثة: أولهم مصالي الحاج الذي خان، والبشير الإبراهيمي صار كبيرا في السن، وثالثهم أنا، كيف تستخلفوني بشخص معروف فقط في متيجة"، فأجابه سعد دحلب: "في متيجة واحد ما يعرفه". لكن الحقيقة أن يوسف بن خدة مناضل قديم ومعروف لدى الرأي العام، خاصة أنه أول وزير من الحكومة المؤقتة، سافر إلى الصين، وتم استقباله كرئيس دولة حتى صار يلقب بال "شينويست"، كما وصفته الصحافة الفرنسية، الذي ظهر على صدر صفحاتها في صورة مكبرة أمام الجيش الصيني وهو يقدم أمامه الأسلحة.
حتى فرحات عباس "المهلل" بالتحالف مع بن بلة تخلى عنه هذا الأخير لماذا؟ فرحات عباس كان له تفكير، يعتقد أنه لما تتكون الحكومة الجزائرية ينبثق عنها برلمان، يكون هو على رأسه، ثم يختار كرئيس دولة رمزي على النموذج الفرنسي دون صلاحيات سياسية، ويسند تسيير الشؤون السياسية لرئيس الوزراء، أملا في أن تكون الجمهورية الجزائرية نموذجا كالجمهورية الثالثة والرابعة الفرنسية، حيث يكون فرحات عباس هو رئيس الجمهورية يحظى بالأغلبية داخل البرلمان، لكن أمله خاب فانسحب.
تم تعيين عبد الرحمان فارس على رأس الهيئة التنفيذية، على أي أساس تم اختياره دون غيره؟ الفرنسيون كان بوّدهم أن لا يتفاوضون مع الثوار، وكانوا يتمنون تسليم معالم السيادة لأشخاص قريبين منهم، الأمور هنا معقدة وليست سهلة، وسألخصها في بعض الكلمات، ففي تفكير ديغول الجزائر ستستقل حتما، على أن يتم ذلك في إطار فرنسي محض، وهو بنفسه قال: من غير الممكن أن تبقى الجزائر فقط قطعة من فرنسا، وتحدث للفرنسيين بضرورة الذهاب إلى الاستقلال، ولكن بمنطق أن فرنسا هي من تتكرم بالاستقلال على الجزائريين، مثلما فعلت في إفريقيا.
"مقاطعا" كيف وقع الاختيار على عبد الرحمان فارس رئيسا لحكومة "الروشي نوار"؟ في إيفيان طرح الفرنسيون مشكل تقرير المصير ومن يقوم بالاستفتاء ومن يحضر له؟ رفضت جبهة التحرير أن يشرف عليها الفرنسيون، لسوابقهم التزويرية الشنيعة، ومنه يكون الاستفتاء تحت هيئة لا تكون تحت وصاية أو تأثير الطرفين المتفاوضين، وجرى الاتفاق على أن تكون هناك فترة انتقالية، يعهد فيها الحكم إلى يد هيئة تسميها الحكومة الفرنسية، في حين أعضاؤها يكونون مقترحين من الحكومة الجزائرية المؤقتة.
من اقترحكم ضمن الهيئة التنفيذية كمكلف بالاقتصاد، وكيف وجدتم الاقتصاد الجزائري الخارج لتوّه من قبضة الاستعمار؟؟ الفرنسيون كانوا يعتقدون أن الاقتصاد الجزائري لابد أن يبقى بين أيديهم، كل القطاعات الكبرى كانوا ممسكين بها، ولما عيّنت كمسؤول على الأوضاع الاقتصادية لم أجد أحدا كان يهتم بالاقتصاد، فقد واجهت مشاكل قطاعي الغاز والكهرباء، اللذان كانا تحت سيطرتهم المطلقة، وخاصة أنهم كانوا يهددون بتخريبهم، معتبرين في أنفسهم أن الجزائر العصرية هم الذين شيّدوها.
كيف كانت تجربتك في حكومة روشي نوار؟ في 1 جويلية كنت في مقر حكومة روشي نوار، الهيئة التنفيذية المؤقتة في بومرداس، لما أعلن ديغول عن استقلال الجزائر، بعد ساعتين وصل ممثل الحكومة الفرنسية كريستيان فوشي يحمل رسالة ديغول، والتي يعترف فيها رسميا باستقلال وسيادة الجزائر.
متى تم حل الهيئة التنفيذية؟ طلبنا كهيئة تنفيذية من الحكومة المؤقتة قبل الأوان بالدخول للجزائر لاستلام السلطة الحقيقية، وقد وصلت الحكومة يوم 3 جويلية، في وفد قدم من تونس يتكون من يوسف بن خدة وكريم بلقاسم ومحمد بوضياف ومحمد خيضر ورابح بيطاط ولخضر بن طوبال.
لكنه لم يتم الاعتراف بشرعيتها؟ يوم 3 جويلية السلطة الحقيقية الممثلة في الحكومة المؤقتة، جاءت وحضورها كان كافيا كسلطة داخل البلاد، غير أن شرعيتها كسلطة حقيقية تمثل الثورة صارت مرفوضة من طرف عناصر الثورة ذاتها وهنا وقع الانقسام.
كيف انتقل الصراع من طرابلس إلى الجزائر؟ يوسف بن خدة كانت له سلطة معنوية فقط، والصراع الذي كان في طرابلس انتقل إلى الجزائر، وقد خرج الشعب يقول "سبع سنين بركات"، وهو يردد "كلكم أبناء الجزائر والوطن محتاج إليكم جميعا"، وفي الأخير الشعب هو من فصل في الصراع، فكان يقول:"تفاهموا بينكم فقط كسلطة موحدة ونحن سنكون تحت سلطتكم".
هل الحسم بين جماعة تيزي وزو وجماعة تلمسان دفعكم أخيرا لقوة السلاح الذي انتزع السلطة؟ في الواقع السلطة السياسية كانت مفككة، والوحيد الذي كان منظما هو الجيش، وفي النهاية هو من حلّ المشكلة، وجعل السلطة موحدة وأنقذ البلاد من التقسيم الخطير الذي كان يتهددها، وهنا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار الحالة التي كانت تمر بها البلاد وقتها، خاصة في ظل تمسك كل طرف بموقفه، فمثلا لخضر بن طوبال كان يقول قد استقبلوني اليوم في قسنطينة كبطل ثوري، وفي الغد الناس يصفقون ويصيحون "بن طوبال الإعدام".
حدثني عن موقفكم الشخصي لصالح من كان؟ شخصيا كنت مع شرعية الحكومة المؤقتة بجميع أعضاءها تحت رئاسة بن خدة، ولو كانت تحت رئاسة فرحات كنت سأعترف بشرعيته كذلك.
لكن في الأخير سرت في ركاب حلف الثنائي الصاعد أحمد بن بلة وهواري بومدين؟ لكن بن بلة وبومدين فرضا نفسيهما كسلطة على البلاد.
نواصل معكم سماع شهادتكم من الاستقلال 1962 إلى 1992، وهو آخر منصب شغلته كرئيس وزراء، كما اتفقنا في بداية سماع شهادتكم الثرية من 1945 إلى 1962. بودي أن أتوقف عند هذا الحد من الحديث، رغم التزامي لكم بمواصلة سماع شهادتي حتى سنة 1992، لكن وضعي الصحي لا يسمح بذلك، خاصة أني تعرضت إلى نزيف في المخ، مما جعلني أجد صعوبة في الحديث. أشكركم على هذا المجهود والشكر موصول للشروق على ما تبذله للحفاظ على الذاكرة.