عندما سُئلت فاطمةُ بنتُ عبد الملك، زوجةُ عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- عَن عبادةِ زوجها الخليفة، قالت: "والله ما كان بأكثر الناس صلاةً ولا أكثرهم صيامًا، ولكنْ والله ما رأيت أحدًا أخوف لله مِن عمر، لقد كان يَذكرُ الله في فراشِه، فينتفضُ انتفاضَ العصفورِ مِن شِدَّةِ الخوف حتّى نقول: لَيُصبحنَّ الناس، ولا خليفةَ لهم". هكذا كان الخوف من الله أسمى المطالب التي يرنو إليها الصّالحون من عباد الله؛ كانوا يحرصون على تحصيله أكثر من حرصهم على الطّاعات والعبادات، يعمرون به قلوبهم ويجعلونه زادا وذخرا لهم، يشحذ هممهم لحفظ فرائض الله، ويحول بينهم وبين غشيان محارمه وتعدّي حدوده، ويجعل قلوبهم ترقّ وأعينهم تدمع لكلّ موقف يذكّرهم بالموت والقبر والعرض والحساب، وأرواحهم تخشع وتخضع إذا سمعوا كلام الله ورأوا الآيات الدالة على قدرته وعظمته جلّ في علاه. هكذا كان الأوّلون، على خلاف ما آلت إليه أحوالنا في هذا الزّمان، حيث خبا الخوف من الله في قلوب كثير منّا، فتجرّؤوا على حدود الله، وبارزوا الله بالمعاصي في السرّ والعلن، وأعلنها بعضنا وفرحوا بها ودعوا غيرهم إليها، وتثاقلت أنفسهم عن طاعة الله وأضاعوا كثيرا من فرائضه.. حال يقابلها خوف واضح ينتاب الواحد منّا كلّما تعلّق الأمر بمخلوق صاحب منصب وسلطة، تُحذر عقوبته وتُخشى نقمته، ومن النّماذج الواضحة في هذا الباب أنّه وبعد التّشديد الذي عرفه تطبيق قانون المرور في الطّرقات خاصّة، التزم جلّ السّائقين بكثير من دقائق القانون، وأصبح السّائق لا ينطلق بسيارته حتى يضع حزام الأمن، وإذا ما تنامى إلى علمه أنّ الرّادار قد نصب على الطّريق التي يسلكها، فإنّه يسير على حذر، ويراقب اللّوحات على جانبي الطّريق ويلتزم بالسّرعة المحدّدة، ويمتنع عن التجاوز مع وجود الخطّ المتّصل... لأنّه يستشعر رقابة الرادار، ويخشى عقوبة الدّركيّ أو الشّرطيّ. فلماذا كلّ هذا الخوف من عقوبات دنيوية، تأثيرها مؤقّت وزائل، في مقابل ما يشبه اللامبالاة بعقاب الله الذي لا يعلم شدّته ومدّته إلا هو سبحانه؟ إنّه ليس يليق أبدا بالعبد المؤمن أن يكون أشدّ خشية للمخلوق الضّعيف من الخالق العظيم الذي بيده ملكوت كلّ شيء. رمضان فرصة سانحة لينظر العبد المؤمن حظّه من خشية الله والخوف منه، ويعرض قلبه على كتاب الله الذي قال عنه المولى جلّ وعلا: ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد)) (الزّمر، 23)، وينظر إن كان يجد في قلبه أثرا وهو يسمع آياتٍ لو أنزلت على جبل لصارا ترابا.. رمضان فرصة لينمّي العبد المؤمن الخوف من الله في نفسه؛ وهو يتأمّل حاله كيف يخشى اطّلاع الله عليه فيما يدخل إلى جوفه من بقايا الطّعام، ويتحرّز من قطرات الماء، ليسألَ نفسه: لماذا أستشعر رقابة الله فيما يدخل إلى جوفي من طعام وشراب، ولا أستشعر رقابته فيما يخرج من جوفي من كلام؟ لماذا لا أستشعر رقابة الله في لقمة عيشي وفي مالي الذي أكسبه؟ لماذا لا أستشعر رقابة الله ولماذا لا أخافه فيما تقترفه يداي وفيما تنظر إليه عيناي وفيما يختلج صدري من ظنون وأفكار، مع أنّي موقن بأنّه –سبحانه- ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور))؟