الغنيمة أمامكم، والأموال وراءكم، فشاركوا في اقتسام خيرات البلاد، ولا تقتربوا من السياسة... تستعد الجزائر للدخول في إحدى أكبر عمليات التبذير في تاريخها، مع انطلاق منافسة ستشمل ما يقارب 200 مليار دولار تبحث عن طريق للخروج من البلاد. ورغم أخطاء الماضي، ورغم اعتراف بعض الأطراف بتلك الأخطاء، فإن الحكومة تستعد لوضع مبالغ خيالية في مهب الريح، وتحويلها إلى الخارج بطريقة رسمية وبحماية الدولة. وستتم العملية عن طريق المخطط الخماسي الذي أعلنت عنه الحكومة باعتزاز وافتخار، حيث صادق مجلس الوزراء على برنامج استثمار يبلغ 286 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة. وتريد الحكومة أن تجعل من هذا الرقم شعارا للسنوات القادمة، مثل المليون سكن وباقي الوعود التي تبادلها الوزراء في ماض قريب. لكن قبل الوعود الجديدة بأيام قليلة، جاء تصريح يدفع إلى التعامل مع المخطط الجديد بحذر شديد. فقد صرح السيد الهاشمي جعبوب، وزير التجارة، أن تطبيق البرنامج الخماسي السابق الذي أطلقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد تم عن طريق استيراد 70 بالمئة من القيمة الإجمالية للمشروع. يعني ذلك أنه تم استيراد ما يعادل 105 مليار دولار لتطبيق البرنامج الخماسي السابق الذي بلغ في المجموع 150 مليار دولار. وإذا تم احترام نفس النسبة في البرنامج القادم، فإن الجزائر تستعد اليوم لاستيراد 200 مليار دولار من التجهيزات، وهو ما يمثل 70 بالمئة من مجموع 286 مليار دولار التي سيشملها البرنامج القادم. وستبلغ الواردات المخصصة للتجهيزات وحدها مرتين ونصف المرة قيمة الإنتاج الوطني الخام لسنة 2009. وسنستورد كل سنة من التجهيزات نصف الدخل الوطني السنوي... ولا حاجة لأي مواطن أن يكون خبيرا ليعرف أن هذا مجرد كلام... وما يثير القلق في هذه الأرقام يتعلق بثلاث نقاط أساسية، أولها عدم نجاعة الاستثمار في الجزائر. وإذا عدنا إلى البرنامج السابق، فإننا نلاحظ أنه لم يؤثر بصفة ملحوظة على الاقتصاد الوطني، حيث بقيت نسبة النمو تتراوح بين ثلاثة وخمسة بالمئة، وهو رقم ضعيف جدا مقارنة بالمجهود المالي الذي تم تحقيقه. ولا نعرف بلدا في العالم يصل إلى نتيجة ضئيلة مثل هذه مع هذا المستوى من الاستثمار. ولا تكفي الاستراتيجيات الاقتصادية للسيد عبد الحميد تمار لتغيير هذا الواقع، كما أن الإبداع البيروقراطي للسيد أحمد أويحيى لم ينفع في الماضي ولن ينفع في المستقبل لاحتواء الكارثة. وتتعلق النقطة الثانية التي تثير القلق بالتبذير العظيم الذي يرافق مثل هذه العمليات. والكل يعرف مثلا أن تكلفة المشاريع لن تكون أبدا مناسبة، بل أن المشروع الذي يكلف مليون دولار سيتم تقييمه بمليونين أو ثلاثة ملايين أو أكثر. إضافة إلى ذلك، فإن البيروقراطية التي ستتكلف بتسيير أو مراقبة المشاريع ستأخذ قسطها على شكل رشاوى، مما سيساهم في تحطيم المؤسسات وضرب مصداقيتها. أما النقطة الثالثة، فإنها تتعلق ببقاء الصادرات من غير المحروقات في مستوى ضعيف جدا رغم ضخامة الأموال التي تم استهلاكها. وتشير آخر الإحصاءات إلى أن حجم الصادرات من غير المحروقات قد تراجع، بينما كان منتظرا من استثمار 150 مليار دولار أن يرفع مستواها إلى حد مقبول. ولا شيء يضمن أن الصادرات من غير المحروقات سترتفع خلال المخطط القادم، مع العلم أن مستوى الواردات سيرتفع بالضرورة. والنقطة الرابعة، وهي الأهم، تتمثل في طبيعة الإعلان عن المخطط الجديد وما يعنيه بالنسبة للمتعاملين الأجانب. ومن هذه الزاوية، فإن المخطط الخماسي القادم يشكل بالنسبة للمتعاملين الأجانب فرصة كبرى لبيع سلعهم في الجزائر. وتخاطب الجزائر هؤلاء المتعاملين بالكلام الآتي: إننا نريد أن نشتري أشياء كثيرة، وسنخصص مبالغ ضخمة لذلك، وعلى مؤسساتكم الاقتصادية أن تفهم ما ننتظر منها، وسنكافئ البلدان والمؤسسات التي ستحسن التعامل معنا، وعليكم ببيع سلعتكم وكفى، ودعونا ننظم بيتنا مثلما نريد، وسيحصل كل منكم على حصته حسب تفهمه لأهدافنا... أما في الداخل، فإن الخطاب أوضح كذلك، حيث أن الحكومة تعلن لكل المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين الحجم العظيم للأموال التي سيتم اقتسامها، وتدعوهم للمشاركة في اقتسام الغنيمة، وتقول لهم: كل وبلع فمك...