أحرز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أغلبية نيابية ساحقة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت، الأحد، وشهدت نسبة امتناع قياسية عن التصويت، ليكتسح بذلك سائر الأحزاب ويحصل على تفويض يطلق يده في تنفيذ إصلاحاته الموعودة. وأحرز حزب الرئيس "الجمهورية إلى الأمام" وحليفه "الحركة الديمقراطية" 341 مقعداً من أصل 566، حسب أرقام وزارة الداخلية، ويُضاف إليها 11 مقعداً مخصصة للفرنسيين في الخارج لم تصدر نتائجها بعد. وقال المتحدث باسم الحكومة كريستوف كاستانير: "إننا نحرز أكثرية بارزة لكن في الوقت نفسه لم يرغب الفرنسيون في توقيع شيك على بياض". بعد انتخاب ماكرون في 7 ماي، في سن 39 عاماً، متغلباً على شخصيات سياسية بارزة علماً إنه كان مجهولاً تماماً من الرأي العام قبل ثلاث سنوات، كسب أصغر رؤساء فرنسا سناً رهانه الأخير وهو الحصول على غالبية واسعة في الجمعية الوطنية (مجلس النواب في البرلمان الفرنسي) تمكنه من الشروع في إصلاحاته الليبرالية الاجتماعية. لكن هذا النصر تخللته نسبة امتناع قياسية عن التصويت تجاوزت 56 في المائة، حسب عدد من معاهد استطلاعات الرأي، الأمر الذي برره خبراء السياسة بملل الفرنسيين بعد سلسلة طويلة من عمليات الاقتراع، بدأت في نوفمبر مع الانتخابات التمهيدية لليمين. وقال زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون الذي انتخب في مرسيليا (جنوب شرق)، الأحد، إن "شعبنا دخل في ما يشبه إضراباً عاماً عن المواطنة". هزيمة "لا عودة عنها" واكتسح حزب "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية التي هيمنت على الحياة السياسية الفرنسية منذ عقود، ولكن من دون إحراز "الفيضان الجارف" الذي توقعه عدد من استطلاعات الرأي قبل الانتخابات التشريعية. وتلاه بفارق كبير حزب "الجمهوريون" اليميني وحلفاؤه الوسطيون الذين حصلوا على 135 مقعداً وفق وزارة الداخلية. وعلقت الوزيرة اليمينية السابقة فاليري بيكريس: "إنها أكثر من هزيمة. إنها نهاية مرحلة". غير أن رئيس "الجمهوريون" فرنسوا باروان رحب بإحراز عدد نواب "كاف لإبراز قناعات" اليمين. إلى اليسار، لم يحرز الحزب الاشتراكي الذي كان يشغل نصف مقاعد الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها في عهد فرنسوا هولاند، سوى 43 نائباً، متقدماً على اليسار المتشدد والشيوعيين (27 مقعداً). وأعلن رئيس الحزب جان كمباديليس، مساء الأحد، استقالته، مقراً بأن "هزيمة اليسار لا يمكن تفاديها، واندحار الحزب الاشتراكي لا عودة عنه". كذلك فازت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان بمقعد، إلا أن حزب "الجبهة الوطنية" الذي تتزعمه واجه خيبة أمل بعد فوزه بسبعة مقاعد أخرى، حسب أرقام وزارة الداخلية. وهذا المقعد النيابي هو الأول لمارين لوبان في الجمعية الوطنية الفرنسية بعد محاولة فاشلة في 2012. وقالت لوبان، الأحد: "أمام تكتل النظام العملاق هذا، نحن القوة الوحيدة التي تقاوم إضعاف فرنسا". لكن ضآلة نواب حزب الجبهة الوطنية تقضي على آماله المنبثقة من صعود موجة القومية في أوروبا ومن النتيجة التاريخية التي حققها في الدورة الثانية للاستحقاق الرئاسي". وجوه جديدة وستنبثق عن هذه الانتخابات جمعية وطنية تم تجديدها بعمق وتتسم بمشاركة نسائية قياسية مع انتخاب 223 امرأة مقابل 155 في 2012 والذي كان في حينه رقماً قياسياً. ويبدي البعض استياءه من هذا التغيير الكبير الذي يتجلى في وجود عدد كبير من النواب الجدد، إذ إن نصف نواب "الجمهورية إلى الأمام" ينتمون إلى المجتمع المدني ولم يسبق لهم أن شغلوا مناصب بالانتخاب من قبل. وقال الخبير في الدستور ديدييه موس: "قضينا على كل ما يمثل أي نظام سابق وإننا نختبر شيئاً مغايراً"، متوقعاً أن تؤدي الانتخابات إلى "أكبر عملية تجديد للطاقم السياسي منذ 1958 وربما منذ 1945". * * * * * * * * * *