نجح مرشح حركة إلى الأمام إيمانويل ماكرون في تصدر انتخابات الرئاسة في دورتها الأولى وبات قاب قوسين أو أدنى من قصر الايليزيه. لكن المعركة الانتخابية لم تنته بعد، فزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي تأهلت بدورها للجولة الثانية ترغب بتكذيب كل التكهنات واستطلاعات الرأي، وكسر التحالف «الجمهوري» لعدد من الأحزاب السياسية التي دعت للتصويت بكثافة لصالح ماكرون. وعرف الدور الأول منافسة شديدة بين أبرز أربعة مرشحين، وكان الفارق بينهم ضئيلا. وأعلنت وزارة الداخلية يوم الاثنين عن النتائج النهائية، بعد فرز كل الأصوات، وحصل إيمانويل ماكرون، على 23.90 في المئة من الأصوات، مقابل 21.40 لمارين لوبان. بينما احتل زعيم حزب اليمين المحافظ المرتبة الثالثة، بنسبة19.90، في المئة واحتل جان لوك ميلونشون، المرتبة الرابعة بنسبة19.60 في المئة، وهي نسبة جد مرتفعة وكانت مفاجأة هذه الدورة. أما الحزب الاشتراكي، فمني بهزيمة مدوية، ولم يحصل بونوا آمون إلا على 6.30 في المئة من نسبة الأصوات. وعمت فرحة عارمة مقر حملة إيمانويل ماكرون، بعيد إعلان النتائج، واحتشد آلاف الأنصار للاحتفال بالفوز، بينما خيم الحزن والأسى على معسكري اليمين المحافظ والحزب الاشتراكي. كما أن احتجاجات تخللتها أعمال عنف، اندلعت في ساحة الجمهورية من طرف عدد من أنصار حزب اليسار الراديكالي، الذين رفضوا وصول مارين لوبان وإيمانويل ماكرون للجولة الثانية. كما قامت قوات الأمن باعتقال نحو ثلاثين ناشطا في باريس، بتهمة ارتكاب أعمال تخريب للمتلكات. وشكر ماكرون الفرنسيين الذي صوتوا لصالحه وقال:» لقد غيّرنا في سنة واحدة وجه السياسة الفرنسية». وشدد زعيم حركة «إلى الأمام» على أنه سيعمل مع كل القوى الحية في البلاد من «اليمين ومن اليسار من أجل فرنسا جديدة، تقطع مع سياسيات غير مجدية دامت 30 سنة». وشن ماكرون هجوما لاذعا على غريمته مارين لوبان واتهمها بالسعي ل»تقسيم المجتمع الفرنسي عبر اللعب على وتر الهوية والقومية». ودعت كل الأوساط السياسية وكل المرشحين للانتخابات الرئاسية يسارا ويمينا إلى تشكيل «جبهة جمهورية موحدة» من أجل قطع الطريق أمام اليمين المتطرف. باستثناء، زعيم الحزب الراديكالي جان لوك ميلونشون، الذي امتنع عن إعطاء أية تعليمات للتصويت لصالح ماكرون.المرشحان الخاسران، عن اليمين المحافظ فرنسوا فيون والاشتراكي بونوا آمون حثا بدورهما أنصارهما،،على التصويت بكثافة لصالح ماكرون، وتجنيب البلاد «الإفلاس والفوضى» على يد مارين لوبان. أولاند يصف فوز اليمين المتطرف بالخطر الكبير واتصل الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته فرنسوا أولاند بماكرون لتهنئته مساء يوم الأحد. وحذر فرانسوا أولاند يوم الاثنين من تداعيات وصول مارين لوبان للحكم: « اليمين المتطرف، يمثل خطرا حقيقيا على بلادنا في حال فوزه، لهذا لا يمكنني السكوت حول الوضع، وقررت التصويت لماكرون الذي يمثل قيم ومبادئ الجمهورية «، وأضاف أولاند «البرنامج الانتخابي لليمين المتطرف ستكون له نتائج وخيمة على مستقبل بلادنا في حال وصوله للحكم». واستطرد قائلا « كما أن اليمين المتطرف، يمثلا تهديدا حقيقيا لمبادئ العيش المشترك لأنه يسعى لتقسيم المجتمع، عبر استعداء عدد من مواطنينا بسبب أصولهم أو دينهم وهذا أمر غير مقبول. لهذا أدعو إلى التعبئة الشاملة من أجل فوز القيم الفرنسية المبنية على الحرية و المساواة والأخوة». وخرج مسجد باريس بدوره عن صمته، ودعا المسلمين إلى التوصيت «بكثافة لصالح إيمانويل ماكرون، الذي يمثل القيم الجمهورية» وطالب مسجد باريس في بيانه، الجالية الإسلامية والعربية «بالوقوف في وجه اليمين المتطرف العنصري، الذي يمثل خطرا كبيرا، ويهدد العيش المشترك» حسب تعبيره. في المقابل استهجنت مارين لوبان يوم الاثنين ما أسمته «التحالف الجمهوري القديم والبغيض « ضدها في الجولة الثانية. وقالت زعيمة اليمين المتطرف، «بعدما أقصى الفرنسيون جل المرشحين، يريد بعضهم الان الالتفاف حول ماكرون». كما هاجمت لوبان ماركون واتهمته» بعدم توفره على برنامج انتخابي ولا يعرف كيف يحمي الفرنسيين من الإرهاب الإسلامي». ودعت المواطنين الفرنسيين إلى «تكذيب كل السيناريوهات وعدم الانسياق وراء استطلاعات الرأي» كما حثتهم على التصويت لصالحها من أجل «وضع حد للهجرة ولطرد كل المتشددين الإسلاميين من بلادنا». وتعكس نتائج الدورة الأولى، هزيمة ثقيلة للأحزاب السياسية التقليدية التي سيطرت على المشهد السياسي منذ نصف قرن. قيادات في اليمين واليسار تحمل مسؤولية الخسارة لمرشحيها وتعد تلك هي المرة الأولى التي لا يعبر فيها مرشحا أكبر حزبين هيمنا على الانتخابات الرئاسية منذ مرور فرنسا للجمهورية الخامسة عام 1958، إلى الدورة الثانية الحاسمة، بعدما لفظ الناخبون مرشح حزب الجمهوريين المحسوب على اليمين المحافظ فرنسوا فيون، ومرشح الحزب الاشتراكي بونوا آمون. وتقاسم إيمانويل ماكرون ومارين لوبان أغلب المناطق الفرنسية، التي عادة ما تصوت إما لليسار أو اليمين المحافظ. وصوت الفرنسيون بكثافة لزعيمة اليمين المتطرف في شمال وجنوب فرنسا، خصوصا في مناطق «الباكا» بينما كانت صوتت هذه المنطقة بكثافة لصالح نيكولا ساركوزي عام 2012. كما احتلت مارين لوبان المرتبة الأولى في كل من مناطق «لابروتاي» و»البورغوني» و»غران ايست» و»النورماندي». أما إيمانويل ماكرون فقد حصد مناطق وسط شرق وغرب فرنسا في كل من «باييه دولاوار» و«نوفال أكيتان» و«أوفيرني» إضافة إلى منطقة «باريس ايل دو فرانس». ويرى مراقبون أن حزبي اليمين المحافظ والاشتراكي سيشهدان تحولات عميقة، قد تنتهي بموتهما وولادة أحزاب أخرى بمسميات جديدة، وبقيادات جديدة، لأنهما سيشهدان صراعات داخلية في مقبل الأيام. ولم يتأخر الأمر بالنسبة لبعض قيادات حزب اليمين المحافظ، التي حملت فرانسوا فيون، مسؤولية الفشل في الوصول لأول مرة للدور الثاني. واتهم نائب رئيس حزب الجمهوريين، والوزير السابق، فيون بالمسؤولية في خسارة الانتخابات، قائلا « هذه الخسارة هي خسارة رجل ولا علاقة لها بالحزب. يجب أن نتعلم الدرس من هذه الهزيمة». بدوره أوضح ألان جوبيه، رئيس الحكومة الفرنسي الأسبق والخاسر في الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين، أن هناك «سببان للخسارة : الأول يتمثل في المرشح نفسه، والثاني في الخط السياسي الذي انتهجه الحزب، بعدما ابتعد عن القيم الانسانية والاجتماعية، وتبنى خطا أمنيا وهوياتيا». الشيء نفسه، بالنسبة للحزب الاشتراكي، فقد وصف جان كريستوف كامبديلييس الأمين العام للحزب، الهزيمة التي مني بها بونوا آمون ب«التاريخية». ودعا إلى «الاستعداد للانتخابات التشريعية من أجل حفظ ماء الوجه، ومنع سقوط مزيد من المناطق الفرنسية في يد اليمين المتطرف». أما رئيس الحكومة الأسبق إيمانويل فالس، فقد اتهم صراحة بونوا آمون بالمسؤولية وراء «الهزيمة النكراء والثقيلة» على حد وصفه. وقال «إنه أمر محزن جدا، لقد اتبع آمون في برنامجه الانتخابي سياسة أقصى اليسار، وحصد ثمار هذه السياسة». وأضاف مانويل فالس «كل واحد منا يجب أن يتحمل مسؤولياته، لذلك يجب إعادة بناء الحزب الاشتراكي من جديد» كما دعا رئيس الحكومة الأسبق إلى التصويت صالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية ووصف برنامج مارين لوبان ب«الخطير». وأوضح استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «هاريس إنترأكتيف»، نشرت نتائجه ، أن 64 في المواطنين سيصوتون لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية بينما سيصوت 36 في المئة لصالح مارين لوبان. كما توقع مراقبون، أن يكون فوز زعيم حركة إلى الأمام عريضا وكبيرا على حساب زعيمة حزب الجبهة الوطنية بعد الدعوات المتوصلة لتشكيل حلف من كل التيارات السياسية، من أجل قطع الطريق أمام مارين لوبان. كما توقع استطلاع ثان للرأي، أجرته مؤسسة «إبسوس سوبرا ستيريا» أن ماكرون سيفوز بفارق 62 في المئة من الأصوات مقابل 32 في المئة لمارين لوبان. وتبقى أهم التحديات التي سيواجهها زعيم حركة إلى الأمام في حال فوزه في الجولة الثانية المرتقبة في السابع من أيار/ مايو المقبل، تأمين أغلبية برلمانية، في حزيران/ يونيو المقبل، ونجاحه في تشكيل حكومة متناغمة بمشاركة قيادات من اليسار واليمين.