أخي المؤمن.. يا من عُدت إلى النّوم عن صلاة الفجر بعد رحيل رمضان.. ربّما لن تكون في حاجة إلى مقدّمات طويلة أستفتح بها حديثي معك في هذا الموضوع المهمّ، لذلك أردت أن أبدأ حديثي الأخويّ معك بأسئلة أتمنّى أن تبحث لها عن إجابات في حالك وواقعك وفي يومياتك: في كلّ ليلة تقبض روحك وتعاد إليك بعد طلوع الشمس سالمة مسلّمة، فتفتح عينيك على ضوء الصّباح وضيائه، أما تخشى –سلّمك الله وأطال في عمرك بكلّ خير- أن تفتح عينيك في يوم من الأيام ولأوّل مرّة على ظلام حالك ليس ظلام الدّنيا ولكنّه ظلام حفرة القبر، فهل ترى ينفعك النّوم حينها؟. أخي المؤمن.. هل تأمّلت حالك، كم مرّة قمت باكرا لموعد بينك وبين بشر مثلك؟ أ نسيت موعدك كلّ صباح مع ربّ الأرباب؟ كم مرّة قمت قبل الفجر لسفر من الأسفار؟ كلّما كان سفرك أطول كان زهدك في النّوم أكثر؛ فهلاّ قمت –أخي- لتتزوّد لسفر طويل لا رجوع بعده. هل سمعت أُخيّ قول نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام: "أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوا"؟ أترضى لنفسك أن تحشر يوم القيامة مع المنافقين؟ ربّما تصلّي الظّهر والعصر والمغرب والعشاء لوقتها، وتصوم وتتصدّق، وتحشر مع المنافقين لأنّك لا تصلّي الفجر لوقتها، وتتهاون في أحبّ صلاة إلى عباد الله المؤمنين وأبغضها إلى المنافقين. أخي المؤمن.. لا شكّ في أنّك سمعت وقرأت مرارا وتكرارا قول ربّك جلّ وعلا: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))، أ تدري ما المقصود بقرآن الفجر؟ إنّها صلاة الفجر، وهل تدري معنى قوله تعالى ((إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا))؟ معناه أنّ ملائكة الليل وملائكة النّهار تجتمع لصلاة الفجر. إنّه سرّ تلك الرّوحانيّة وذلك الأنس والانشراح والطّمأنينة التي تجدها تلك القلّة المؤمنة التي تصلّي الفجر في بيوت الله، إنّها أسعد ساعة في اليوم كلّه، كيف لا والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يقول: (ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها)، وهو ما يعني أنّ السّعادة التي يجدها من يصلّي الفجر لوقتها أعظم من سعادة من اجتمعت أمامه نعم الدّنيا بأسرها. ألا تحبّ -أخي المؤمن- أن تكون أسعد من الملوك ومن أثرياء هذا العالم؟ صلّ الفجر لوقتها مخلصا لله راغبا في الثّواب، تكن كذلك، وتحْظَ بمعية الله وحفظه ورعايته، يقول عليه الصّلاة والسّلام: (من صلّى الفجر فهو في ذمّة الله)، أي أنّه في حفظ الله ورعايته سبحانه، ومَن حفظه الله فمن ذا الذي يضرّه؟ ((فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)). هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة، فتأمّل معي قول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)، أي أنّك إذا صلّيت الفجر والعصر لوقتيهما كُتبت لك براءة ونجاة من النّار. فيا لها من غنيمة ثمنها يسير ويسير جدّا!.. ليس هذا فقط وإنّما هناك المزيد، اقرأ معي هذا الحديث: (من صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه)، إذا صلّيت الصّبح في جماعة كُتب لك أجر قيام ليلة بأكملها. ثواب جزيل لقاء عمل يسير لمن استعان بالله وطلب هداه.. ربّما لا زلت تريد المزيد، وفعلا هناك المزيد، يقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة)؛ في عرصات يوم القيامة، يوم يحشر العصاة والمذنبون والكفرة والمنافقون سود الوجوه، تكون أنت ممّن يحظى ويسعد بذلك النّور التّامّ في وجهك وعلى الصّراط مع عباد الله المشّائين في ظلمات اللّيالي إلى بيوت الله عزّ وجلّ.. ثمّ في النّهاية يكون مستقرّك في الجنّة التي وعد الله عبادَه المحافظين على صلاة الفجر، يقول عليه الصّلاة والسّلام: (من صلّى البردين دخل الجنّة)، والبردان هما الصّبح والعصر، فإذا داومت على صلاة الفجر والعصر لوقتيهما ولقيت الله على ذلك كنت من أهل الجنّة بإذن الله. وبعدُ أخي المسلم.. يا من عدت إلى النّوم عن صلاة الفجر بعد رمضان. يا من تصلّي الفجر في بيتك. أرأيت كم ضيّعت على نفسك من الخيرات والبركات والحسنات؟ سعادة ما بعدها سعادة، حِفظ من كلّ مكروه، حسنات تصبّ عليك صبّا، نور يوم القيامة، ونجاة من النّار وفوز بدار الأبرار.. ألا فتب إلى الله من النّوم عن صلاة الصّبح، واعقد العزم على أن تبدأ من الغد بحول الله، وتسعى جاهدا لتكون من أهل الفجر الذين يحبّهم الله ويحبّونه؛ إنّك لن تفشل أبدا إذا توكّلت على الله وسألته بإلحاح أن يعينك على نفسك.. ربّما تنام حين تنام وأنت لم تفكّر في القيام للصّلاة، ربّما تنام وأنت تتمنّى ألاّ تستيقظ حتّى تجد لنفسك الأعذار والمبرّرات، ربّما تنام وأنت جازم وموقن أنّك ستفتح عينيك من الغد على الدّنيا، ربّما تنام على غير طهارة، ربّما تنام وأنت تفكّر في هموم الدّنيا بل ربّما تغمض عينيك على مشاهد وصورٍ لا يرضاها الله على شاشة التّلفاز أو الحاسوب أو الهاتف!.. إذا أردت طاعة الله في أوّل النّهار فلا تعصه في أوّل اللّيل، إذا أردت الاستيقاظ باكرا فنم باكرا ودع عنك السّهر في القيل والقال.. نَمْ أخي باكرا، ولا تنم إلاّ على طهارة.. اقرأ أذكار النّوم، اقرأ آية الكرسيّ والمعوّذتين، ادع الله أن يبعثك إذا نادى مناديه للصّلاة، استعن بمنبّه واجعله بعيدا عنك حتّى لا توقف رنينه وأنت لا تشعر، أوص من يوقظك ولو عن طريق الهاتف، حاول أن تستحضر أنّ نومتك ربّما تكون آخر نومة لك في هذه الحياة.