يُنتظر أن ينصرف الوزير الأول عبد المجيد تبون، إلى العطلة، قريبا، للاستفادة من "استراحة قصيرة" ليشرع بعد العودة في التحضير لملفات الدخول الاجتماعي المقبل، من بينها اجتماع الثلاثية، وذلك بعد نحو شهرين من صيف كان برأي متابعين ساخنا وعاصفا، تبعا لسلسلة القرارات والتصريحات المثيرة التي أثارت انتباه الرأي العام والطبقة السياسية، عقب أسابيع قليلة فقط من إجراء التعديل الحكومي، واستخلاف سلال بتبون. ويرتقب أن يكون وزيرا التجارة أحمد عبد الحفيظ ساسي، والصناعة محجوب بدة، ضمن الفريق الوزاري الذي سيضمن النشاط الحكومي، والشروع في تحضير الملفات المعنية بالدخول الاجتماعي الجديد، الذي بدأ عدّه التنازلي، بعد أيام كانت ساخنة سياسيا واقتصاديا وفتحت الباب للكثير من التفسيرات والتأويلات والتخمينات وحتى الإشاعات. وفيما ستشرع الحكومة بطريقة "عاجلة" في وضع آخر الروتوشات على الورشات المفتوحة والملفات التي تراهن عليها، يسجّل مراقبون أن حكومة تبون "تسرّعت كثيرا في التصعيد"، ولم يسلم من "الحملة" حتى شركاؤها الاجتماعيون والاقتصاديون، ونتيجة ذلك فقدت توازنها، خاصة إثر تنامي الشكّ بين شركائها ووقوع الطرفين في الارتباك و"اللاثقة". ويعتقد متابعون لتطور الأحداث، منذ التعديل الحكومي الأخير الذي أعقب تشريعيات الرابع ماي، أن الحكومة الجديدة لم تحترم في ما يبدو "الرزنامة" المحددة والضابطة لعقارب ساعة "الفصل بين المال والسياسة"، مثلما أعلنه الوزير الأول، أمام البرلمان عند عرضه لخطة عمل الحكومة خلال رمضان الماضي. ويرسم محللون علامات استفهام وتعجّب أمام "الإجراءات الصادمة" التي اتخذها تبون وأدهشت حتى بعض أعضاء طاقمه الحكومي، بما أوعز للبعض أن تبون لعب دورا غير مطلوب منه، بخصوص مسعى السلطات العمومية في "فصل المال عن السياسة" واسترجاع الأموال المنهوبة. وينبّه ملاحظون إلى أن ما حدث مؤخرا من "تشابك وتوتر" بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين، يقرأ الانتقال غير السلس من مرحلة "تراخي وتسيّب" حكومة سلال، إلى مرحلة "تهوّر واندفاع" حكومة تبون، في تطبيق الخطوط العريضة لمحاربة المال المشبوه واستعادة "المسروقات" التي ضاعت من الخزينة العمومية كقروض بنكية أو مشاريع تنموية ممولة من الدولة. ويرى مراقبون أن خطوات تبون كانت "أسرع من الجوق الموسيقي"، فبدى مسار تنفيذ الخطة غير منسجم ومتناقض مع بعضها البعض، خاصة وأن تبون لم يضع في حسبانه "مجموعة التوازنات" التي تحرص عليها السلطة دائما في تعاملاتها الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار مع شركائها والتعاطي معهم كتنظيمات فاعلة بعيدا عن الحسابات الشخصية والانفرادية. وحول "تقدّم" الوزير الأول في فصل المال عن السياسة، يؤكد ملاحظون أن هذه الحرب المشروعة على المفسدين ومعاقلهم، ليست في الأصل من بنات أفكار حكومة تبون، ولا غيره، وإنّما هي مخطط مدروس ومرسوم على طاولة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ عدّة سنوات، وكان من المفروض أن ينفذه الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، إلاّ أن سياسته المتساهلة - برأي متابعين - مكّنت من تغوّل بعض رجال الأعمال وفرشت البساط الأحمر لهم، وهي التي سرّعت بالإطاحة به، والبحث عن بديل جاهز له. وجاء، حسب استنتاجات ملاحظين، تعيين وزير السكن سابقا، عبد المجيد تبون، في منصب الوزير الأول، خلفا لسلال، في سياق تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية وخطته الرامية إلى قطع دابر الفساد وتنقية الاقتصاد الوطني من المستثمرين المزيفين والشركات الوهمية، واسترجاع الأموال المنهوبة كحل من حلول مواجهة أزمة البترول وتعويض خسائر تراجع المداخيل. ويرى مراقبون أن "الخطأ التكتيكي" الذي وقعت فيه حكومة تبون، هو أنها لم تستفد من الأخطاء التي ارتكبتها حكومة سلال، ومن قبله بسنوات، ما سمي ب "حملة الأيادي البيضاء" في عهد رئيس الحكومة سابقا، أحمد أويحيى. والأكيد حسب متابعين، أن مسعى مكافحة الفساد واسترجاع مال الشعب والدولة المنهوب، هو من أولويات برنامج الرئيس بوتفليقة، الذي يعمل على إنجاحها خلال عهدته الحالية، ولذلك، جاء تعيين تبون، ليكون حسب ملاحظين، "المنفّذ" لهذه الإستراتيجية الحاسمة والمحسومة، وليس ليكون "عصاه الضاربة" التي تشوّش على برنامج الرئيس وتشوّهه وتُخرجه عن نسقه العام وأهدافه المسطرة والمنتظرة من طرف الجزائريين. ويربط متابعون بين هذا المقصد الذي يقوده رئيس الجمهورية شخصيا، وبين ظهور مستشاره وشقيقه الأصغر، في مراسيم تشييع جنازة رئيس الحكومة الاسبق رضا مالك بمقبرة العالية، كرسالة تعكس نفس الرؤية، وتفصل بين "تطمين" شركاء الحكومة ومواصلة دعم الاستقرار الاجتماعي والبحث عن البدائل التوافقية لتجاوز الأزمة المالية، وبين محاربة المفسدين والمستفيدين خارج القانون. ويبقى دون شك، من مهام الحكومة وواجبها متابعة المشاريع التنموية ومراقبة صرف المال العام والتسهيلات الموجهة للمستثمرين في إطار الضوابط القانونية، لكن "الحملة" التي أطلقتها حكومة تبون و"سقطاتها"، نقلت برأي متابعين "الرعب" إلى كلّ رجال الأعمال وشركاء "العقد الاجتماعي والاقتصادي"، في وقت كان يُفترض عليها أن تدعمهم وتطمئنهم وتستفيد منهم لخلق بدائل الثروة ومواجهة الأزمة المالية، عوض كسب "عداوتهم" بالجملة والتجزئة ودفعهم إلى الانسحاب من شراكة مفيدة للطرفين وأيضا لآلاف العمال الذين يسترزقون خارج الوظائف العمومية.