أكد واسيني الأعرج أن جل أعماله الروائية التي اشتغل فيها على التاريخ الجزائري أو العربي هي وليدة عمل بحثي طويل يجاوز ثلاث سنوات في العادة، وأن ما توصل إليه من حقائق حول علاقة مي زيادة وجبران الأسطورية أو مذكراتها التي كتبتها في مستشفى الأمراض العقلية هي نتيجة لهذه البحوث وليست خيالا. وأشار إلى أنه لم يتأثر بالجدل الذي أثاره كتاب الأمير الذي سلم بفكرة استسلام الأمير عبد القادر، لأنه استند إلى بحوث ووثائق تاريخية، وعليه كان قادرا وقتها على مواجهة أي رواية أخرى، أنفي هذه الحقيقة التاريخية– حسبه- بما في ذلك ردود حفيدته الأميرة بديعة الحسني. وجاء هذا التصريح في سياق حديثه بجناح المملكة العربية السعودية بمعرض الشارقة عن أهمية البحث قبل كتابة أي عمل يتكئ على التاريخ. وهي المنهجية التي اتبعها في كتابة روايته الأخيرة "ليالي ازيس كوبيا" التي تستدعي حياة الكاتبة الكبيرة مي زيادة أو "ازيس كوبيا" اسمها الأدبي الذي توقع به كتاباتها وبخاصة مرحلة مرضها النفسي بسبب الظلم العائلي والاجتماعي ودخولها مستشفى الأمراض العقلية والنفسية ببيروت "العصفورية". سافر واسيني بالحضور إلى بدايات القرن الماضي إلى تحديات مي زيادة للمجتمع الذكوري واجتهادها في أن يتحول صالونها الأدبي إلى قبلة أبرز المبدعين آنذاك. فاستحضر جبران والرافعي وطه حسين والريحاني وغيرهم من الأسماء التي كان لها حضور مهم في الساحة الثقافية بمصر. ويقول صاحب "أنثى السراب" إن مي زيادة كتبت مذكراتها وتعرضت فيها لتفاصيل معاناتها وخذلانها من أقرب المقربين إليها ومن المجتمع أيضا لأن هاجس الحداثة الذي سكنها وأبناء جيلها كان محصورا في طبقة النخبة وظل المجتمع يمارس عقليته الكلاسيكية الانغلاقية على المرأة حتى نهاية خمسينيات القرن الماضي. ويضيف واسيني موضحا في نفس السياق: "بدأت الاشتغال منذ سنتين ونصف.. أنا أرحل عبر الأمكنة وأبحث كثيرا قبل الكتابة. فأنا لا أكتب للأجيال القادمة كما يقول صديقنا أدونيس، أنا أكتب لجيلي، ومن حق الروائي مساءلة التاريخ. حياة مي زيادة العاطفية كانت معقدة. فالجميع أحبها ولكنها عندما احتاجت إليهم لم تجدهم". كما تطرق إلى الكثير من الجوانب الخفية في حياة مي زيادة ولعل أشهرها علاقتها بجبران التي ظلت غامضة لأنها استندت إلى رسائل لم تحسم في نوعية العلاقة بينهما. فكل ما كتبته لم يخرج –حسب واسيني– عن المألوف في علاقات الصداقة "لم يكن ما جمع مي زيادة وجبران خليل جبران حبا رومانسيا بقدر ما كان صداقة. هذا الثنائي المعروف بتنقلاته وأسفاره، لم يحدث أن برمج لقاء في بلد ما رغم تقارب تواريخ تنقلاتهما، وصادف أن كانا في بلد واحد دون لقاء". يقول واسيني إن هذا الأمر يبدو غريبا لأن المتعارف عليه هو حرص أي متحابين على اللقاء. ويوضح: "جبران معروف بعلاقاته الكثيرة ومي زيادة كانت تحب العقاد والريحاني وأكبر حب في حياتها كان لابن عمها جوزيف زيادة". ثم يعود إلى السؤال الأهم وهو سبب اختفاء مذكرات مي زيادة "ليالي العصفورية" التي كتبتها في أقسى مرحلة من مراحل حياتها بعد أن تم الاستيلاء على ميراثها وإدخالها مستشفى الأمراض العقلية. وكان واسيني الأعرج قد استهل حديثه في ندوة الجناح السعودي التي أدارها الدكتور نبيل المحينش بالتطرق إلى ظروف تعلمه اللغة العربية خلال فترة الاستعمار الفرنسي وتحديه الظروف إرضاء لجدته التي تمنت أن يحسن لغة وطنه كما يحسن لغة المستعمر التي فرضها بالقوة لأزيد من قرن ونصف "خلال فترة الاستعمار الفرنسي لم نكن مخيرين كجزائريين، فإما أن تدرس اللغة الفرنسية أو تبقى أميا. جدتي كانت مرتبطة كثيرا بالتاريخ الأندلسي فكانت تحرص على إقناعي بالذهاب إلى الكتاب لدراسة اللغة العربية. استجبت لطلبها وبدأت رحلتي الشاقة حيث كنت أدرس ابتداء من الساعة الخامسة فجرا اللغة العربية ثم أتوجه بسرعة للحاق بالدراسة في المدرسة الفرنسية ابتداء من الساعة الثامنة. ولذلك، فأنا أكتب باللغة العربية بحب. فهي مع مرور الوقت أصبحت رهانا داخل منظومة فرونكوفونية. ولكن هذا لا يعني أن لدي عداوة مع اللغة الفرنسية أو أي لغة أخرى".