الحكومة المصرية تستنجد بديبلوماسية الجنائز للخروج من عنق الزجاجة هرع الرئيس حسنى مبارك لنجدة العشرات من المؤسسات المصرية العمومية والخاصة التي تلقت ضربة موجعة بعد الأحداث المأساوية التي رافقت الأدوار النهائية من مرحلة التصفيات لكأسي الأمم الإفريقية والعالم، مستغلا مناسبة زيارته الخاطفة لتعزية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في فقدانه لشقيقه الدكتور مصطفى بوتفليقة، حيث رافقه وفد رفيع للغاية ذهب مباشرة للهدف المتمثل في وضع حد لتدهور العلاقات السياسية والاقتصادية بين القاهرةوالجزائر فيما يشبه الاعتذار شبه الرسمي عما بدر من بعض أجهزة الإعلام وبعض الرسميين المصريين من سباب وشتائم ضد رموز الجزائر ومؤسساتها. * وإن كان غطاء الزيارة وظاهرها التعزية، وهذا أمر لا خلاف عليه، بحكم البعد التاريخي والديني للعلاقات التي تجمع البلدين، إلا أن باطن الزيارة لا يختلف عليه عاقلان أنه لإصلاح ما أفسدته الحسابات غير المضبوطة والطائشة لبعض شذاذ الأفاق في العاصمة القاهرة، وهو ما تسبب في خسارة المؤسسات والشركات المصرية لحصص هامة في السوق الجزائرية، وخاصة في مجال البناء والأشغال العامة والبتروكمياء والمحروقات والكهرباء وتحلية المياه والاتصالات. * وزادت حدة مخاوف القاهرة، بعد ما تم استثناء الشركات المصرية من البرنامج الخماسي القادم للاستثمارات العامة بقيمة 286 مليار دولار، حيث لم تتوان الحكومة الجزائرية في توجيه الدعوة الرسمية إلى الشركات الأوروبية والأمريكية والخليجية والصينية وحتى الروسية قبل أسبوع خلال اجتماع اللجنة الجزائرية الروسية بالعاصمة الجزائر، فيما تراجع الاهتمام الجزائري الرسمي والشعبي بالمؤسسات المصرية المملوكة في الغالب لعائلة ساويرس وبعض العائلات المقربة من عائلة مبارك، وخاصة في قطاعات الاتصالات والإسمنت وتحلية المياه والبتروكيمياء، بسبب الأحداث المأساوية التي تزامنت مع التصفيات المؤهلة لكأسي العالم وإفريقيا بالقاهرة والخرطوم، وقبلها بسبب لجوء عائلة ساويرس للتنازل عن الشركة الجزائرية للإسمنت لصالح مجموعة "لافارج" الفرنسية مقابل حصول عائلة ساويرس على مقعد في مجلس إدارة الشركة الفرنسية، وهو ما اعتبرته الحكومة الجزائرية بمثابة إهانة لها من طرف ساويرس الذي بنى إمبراطوريته ومجده على المساعدات والتسهيلات الجبائية والضريبية التي منحتها له الحكومة الجزائرية، قبل أن يوجه لها طعنات في الظهر بشروعه في بيع استثماراته في الجزائر إلى شركات ثالثة بدون استشارة الجزائر، التي واجهت التشدد بالتشدد وقررت تعديل الإجراءات الخاصة بالتنازل عن الاستثمارات الأجنبية، وأقرت حق الشفعة على كل استثمار أجنبي مع ضرورة الحصول على 24 بالمائة من قيمة العملية، وهو ما أفشل صفقة تنازل أوراسكوم عن فرعها "جازي" لصالح شركة "أم تي أن" الجنوب افريقية بنفس الصيغة التي تمت مع "لافارج"، حيث حاول ساويرس التنازل عن "جازي" للشركة الجنوب افريقية مقابل مقعد في مجلس إدارة الشركة الجنوب افريقية على حساب الجزائر. * واشتدت الضغوط على المؤسسات المصرية خلال الأشهر الأخيرة وخاصة من طرف المديرية العامة للضرائب التي باشرت سلسلة من عمليات المراقبة الدقيقة للمؤسسات المصرية خلصت إلى توجيه عمليات تصحيح لبعض المؤسسات المصرية وعلى رأسها "جازي" بمبلغ 560 مليون دولار، وشركة "رينغ الجزائر" بمبلغ 8 ملايين دولار، كما تم التريث في منح صفقات لشركة أوراسكوم للإنشاء وخاصة مشاريع مصانع الأسمدة بوهران مع سوناطراك التي كانت تلقى الدعم المباشر من وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، الذي كانت تربط عائلته علاقات أعمال مع عائلات مصرية وفلسطينية معروفة عن طريق زوجته الأمريكية الفلسطينية الأصل، حيث لم تتوان تلك الشركات في التعبير عن مخاوف من تعطيل عملياتها في الجزائر بعد تنحية شكيب خليل من منصبه، وخاصة الشركات التي توظف مسؤولين وعمالا مصريين بحاسي مسعود أو وهران وحتى كودية الدراوش بالطارف وعين تمنوشنت، وحتى بالجلفة بالنسبة لمصنع الإسمنت الجديد الذي ينجز من قبل مجموعة القلعة، فضلا عن الخسائر التي تكبدتها مصر بسبب القائمة السلبية للمنتجات الممنوعة من الدخول إلى الجزائر في إطار المنطقة العربية للتبادل الحر. * ولم تخف القاهرة هلعها الشديد من التحرك الجدي للدبلوماسية الجزائرية التي تمكنت من محاصرة وإحراج نظيرتها المصرية على أكثر من صعيد، وخاصة على مستوى الجامعة العربية بالنسبة لمسألة التدوير أو حتى على المستوى العربي بالنسبة لمسألة التنظيمات المهنية والهيئات المختلفة التابعة للجامعة العربية والشروع في تداول فكرة توزيع تلك الهيئات على مختلف العواصم العربية حتى لا تصبح تلك الهيئات رهينة للمواقف السياسة للقاهرة التي تتضارب في الغالب مع المصالح العربية بحكم اتفاقية كامب ديفيد التي أبطلت مفعول مواقف القاهرة التاريخية.