زطلة ممزوجة بالحناء و"السيراج" والأسبرين بدل الكوكايين كولومبيا، دالاس ولاسفيكاس هي بعض المناطق التي زرناها دون إقتطاع التأشيرة ولاركوب الزودياك وامتطاء قوارب الموت، لحظات مثيرة قضيناها رفقة أصحاب البذلة الزرقاء، وتحديدا الفرقة المتنقلة لمكافحة الجريمة بالشرطة القضائية بكامل النقاط السوداء، بقطاع أمن دائرة الحراش، والتي قادتنا إلى أحياء..أعطتنا صورة واضحة عن مهنة المتاعب، وأزالت النقاب عن العديد من الحقائق الخفية، والتي جعلت من طبيعة عمل مصالح الأمن بهذه المقاطعة مميزا حقا عن بقية المقاطعات الأخرى. * عقارب الساعة كانت تشير إلى حدود الثامنة مساء عندما وصلنا إلى مقر الدائرة الأمنية بالحراش شرق العاصمة، وهناك استقبلنا الضابط اسبايعي عبد الحق نائب رئيس الشرطة القضائية ورئيس الفرقة المتنقلة لمكافحة الجريمة بأمن دائرة الحراش الذي أعطى لنا حوصلة شاملة عن أهم نشاطات مصالح الأمن عبر إقليم الدائرة التي تضم أربع بلديات ذات كثافة سكانية عالية وهي الحراش، باش جراح، بوروبة، واد السمار...قبل أن نخرج إلى ساحة أمن الدائرة رفقة الضابط المعروف في المنطقة ب"عمي بلقاسم" الذي رافقنا في خرجتنا الميدانية والذي قال لنا أن طبيعة الأحياء التي تقع بإقليم أمن دائرة الحراش والعقليات السائدة تفرض على مختلف فرق ومصالح الأمن إتباع طريقة عمل معينة وأسلوب تعامل خاص وحتى لغة التخاطب فهي مميزة جدا، كل ذلك من أجل الحفاظ على الأمن العمومي وضمان سلامة المواطنين وتوفير الأمن والحد من انتشار الآفات الاجتماعية ومختلف أشكال الجريمة. * * الزطلة والأسبرين و"بلاك من الدولة" * انطلقنا رفقة أفراد من الفرقة المتنقلة لمكافحة الجريمة، عددهم 6 وعلى رأسهم عمي بلقاسم الذي شرح تفاصيل العمل بمختلف الأحياء الموزعة على أربع بلديات هي الحراش، باش جراح، واد اوشايح وواد السمار وهي مناطق تتميز بكثافة سكانية عالية وبوجود عدد كبير من الأحياء القصديرية، وبها أيضا أكثر الأسواق شعبية في العاصمة، منها اليومية والأسبوعية، والتي يتوافد عليها المئات من المتسوقين القادمين من كل شبر من العاصمة وضواحيها على غرار سوق بومعطي ودي 15، وسوق باش جراح، بالإضافة إلى الدلالة وأسواق أخرى لبيع المواشي والخردة وقطع الغيار، الشيء الذي يجعل من هذه الأحياء المعروفة أصلا بالكثافة السكانية العالية، تتحول إلى أوكار للجريمة. * * أهلا وسهلا بكم في "كولومبيا" و"مادام كوراج" و"الروش" * محطتنا الأولى كانت حظيرة السيارات بشارع "ربيع بوشامة" ببومعطي الذي ينافس شهرته "كولومبيا" معقل تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، حيث يعرف المكان بتجارة الكيف المعالج والحبوب المخدرة على أنواعها مثل "الروش"، "مادام كوراج" و"الحمراء"، وكما يقال ربّ صدفة خير من ألف ميعاد، فبمجرد وصولنا إلى عين المكان حاصر عناصر الفرقة الحظيرة أين تم إلقاء القبض على شخصين أحدهم قام برمي قطعة من المخدرات ملفوفة في كيس بلاستيكي، فيما قام الآخر ببلع سيجارة محشوة بهذه السموم، لكن أصحاب المهنة يعرفون جيدا من أين تأكل الكتف حيث تمكنوا من العثور على القطعة المرمية واسترجاع خمسة سجائر محشوة بعد تفتيش المكان جيدا. * وعلى بُعد أمتار من "كولومبيا" تقع المنطقة المسماة "كاركاس" الواقعة في شارع "مصطفى شرقو" بالحراش والذي تعيدنا تسميتها إلى أجواء "الفانتازيا" وقتال الكواسر والجوارح، لأن لأبناء الحي باع طويل في حمل الأسلحة البيضاء على اختلاف أنواعها، في مواجهاتهم مع أبناء الأحياء المجاورة، الشيء الذي يدفع مصالح الأمن إلى التدخل في كل مرة، كما يعرف المكان بالجرائم الأخرى مثل بيع الوثائق المزروة كالبطاقات الرمادية. * الولوج إلى المكان المحاط بسور عالي ليس سهلا كونه محروسا من طرف أشخاص يكلفون بمراقبة المكان جيدا، وذلك عن طريق الهواتف التي أصبحت بمثابة الإنذارات التي تمرر منها رسالة "بلاك الدولة"، لكن مصالح الفرقة المتنقلة لمكافحة الجريمة بالحراش يخترقونه في الوقت الذي يحددونه، حيث شاركناهم في عمليتهم الأخيرة أين تم تفتيش المكان وإلقاء القبض على مجموعة من الشبان تتراوح أعمارهم مابين 22 و28 سنة أحدهم معروف بترويج المخدرات المغشوشة، حيث أن الزطلة ممزوجة بنسبة 60 بالمائة بالحناء و"السيراج" أو مسحوق الأسبرين على أساس أنه كوكايين ليقوم ببيعه بأثمان تتراوح مابين 2000 و3000دج لكمية لا تتعدى 10 غرام. * * أدغال باش جراح للكومندوس فقط * ثم عرجنا بعدها نحو باش جراح، أين وقفنا على مختلف الأحياء القصديرية بكل من مزرعة بن بولعيد، حي بومعزة، وحي الخروبن، "لاقلاسيار" وحي النخيل أين لاحظنا وجود أمام كل حي قصديري مقر أمن جواري، حيث كشف لنا الضابط عمي بلقاسم عن انتشار مختلف الجرائم كالدعارة والمخدرات والسرقات في أوساط الشباب وذلك بسبب مشكل السكن والتسرب المدرسي المبكر، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية أخرى تجعل من هذه الفئة فريسة سهلة للوقوع في براثن المافيا والبارونات التي تستغلهم في تنفيذ جرائهم الشنيعة ولم يخف أعضاء الفرقة صعوبة مهمة أعوان الأمن بهذه الأحياء، خاصة بالزي المدني ولا مجال للمغامرة بالدخول إلى هذه الأماكن خاصة أثناء جوف الليل بدون القوة اللازمة على شاكلة "الكومندوس"، حيث كثيرا ما تواجه مصالح الأمن صعوبات كثيرة غالبا مانتفاجأ بخروج أشخاص ويوجد من بينهم حتى نساء مسلحين بالأسلحة البيضاء من سكاكين وسيوف وحتى الشواقير ولهم طقوسهم وقاموسهم الذي يثير جدلا متصاعدا، وكل شيء يدفعهم إلى تجاهل ما يحدث ويدفعهم إلى الارتماء في اليأس، ففي أكواخ الصفيح مزيج خطير للغاية، يعيشون في الفقر وسط تنامي الجريمة وغزو الآفات الاجتماعية والبطالة الخانقة .