تمنيت من كل قلبي أن يكون رد سي سليمان بخليلي على الدكتور الزاوي، في الأسابيع الماضية بجريدة الشروق، حول مقاليه عن المتنبي وابن خلدون، بداية لمعركة أدبية حامية الوطيس، تحرك ساحتنا الثقافية الراكدة، وتزعزع هذا الثابت المزعج الذي تبناه كتابنا منذ عقود، ولكن الدكتور الزاوي مع الأسف أغلق الباب على مخالفه ومخالفيه أيضا، وكأنه في "لعبة دومينو" أراد بها ان يقتل "دوبل سيس" في يد صاحبه..، على غرار ما كان يفعل مسؤولونا أيام الحزب الواحد.. في معركة "بوجدرة غايت" التي أثارها أدباء "الجمهورية"، حيث تدخل وزير الثقافة يومها لمنع المعركة الأدبية التي كانت بين بوجدرة وخصومه في الأدب والثقافة. * لقد أغلق الزاوي "الدومينو" باستهلاله موضوعه الأسبوع الماضي "نصر حامد أبو زيد: غريب زمانه.. ما بين الاجتهادية والجهادية"، بقوله: "الكتابة المحرضة على القتل والمبشرة بالكراهية تعود هذه الأيام بأقلام بعض الذين يعتقدون أنفسهم بأنهم يدافعون عن التراث وعن الدين الحنيف، وهي "كتابات" وجدت في تاريخنا القديم والمعاصر، وهي لا تستحق ولا ترقى إلى مستوى الرد ولا النقاش لأنها خارجة عن أخلاق الكتابة وعن أخلاق الكاتب ومتنكرة لتقاليد الحوار الجاد والمؤسس". لما هذا الإرهاب او الترهيب؟، لشخص حمل قلما، ليسفه زميلا له في الساحة الفكرية والأدبية. ولما هذا التعميم الممل الذي لا هم له غير تعويم الحقيقة وسط معلومات تاريخية مكثفة؟ ولما هذا التجني "الزاويّ" على رجل ذنبه الوحيد انه خالف الزاوي في وجهة نظره حول رجال لنا من التاريخ؟ ألأنه قال عنك يا زاوي أنك يساري؟ أم لأنه وصف مدرستك الثقافية والفكرية بما لا تحب؟ ما عهدته عن الزاوي انه كاتب محترف.. والشهادة لله أنه صاحب قلم وأفكار ومنهجية راقية في كتابة المقالة، وله أفكاره التي قد أوافقه عليها، أو أخالفه فيها لا يهم، والذي أقدره فيه أنه صاحب مشروع ثقافي وله مرجعياته الفكرية؛ بل أزعم أن المكتبة الوطنية لم تقم بدورها التثقيفي المطلوب إلا في الفترة التي أدارها فيها الزاوي، مع التحفظ على نوعية الأنشطة التي أقامها فيها، ولكنه في هذا المقال الذي بدأه بوصف مخالفه ب"الكاتب المحرض على القتل والمبشر بالكراهية"، ليس هو الزاوي الذي أقرأ له كل أسبوع، يعرض للفكرة يسوق لها من النماذج والنصوص ما يدعمها أو يفندها، لينتهي إلى نتيجة قد نتفق معه أو نخالفه، ولكن نقدر فيه الجهد المبذول ونحيي فيه روح المثقف الحريص على الدفاع عن أفكاره.. الزاوي هذه المرة غير الذي أعرفه مع الأسف.. لقد انطلق من حكم على شريحة معينة من الكتاب، ومن هؤلاء الكتاب بلا شك سليمان بخليلي الذي رد عليه فيما كتب عن المتنبي وابن خلدون.. ثم ذهب يستدعي من التاريخ الشواهد على هذا الحكم المسبق..، ولإضفاء الشرعية على ما يقول، ذكر لنا نماذج لمفكرين كانوا ضحايا تلك الشريحة من الكتاب التي أصدر عليها حكمه.. وهؤلاء المفكرين هم: محمد عابد الجابري المغربي وحسين فضل الله اللبناني ونصر أبو زيد المصري. وللمزيد من التعمية والتعويم، سرد علينا قائمة أخرى من الضحايا: محمد أبو زيد وطه حسين وعلي عبد الرازق ونازك الملائكة ونجيب محفوظ، والسهروردي والحلاج وابن رشد وابن عربي وابن تيمية وابن حزم وغيرهم وعاشها مثقفون وفلاسفة في ثقافات وديانات أخرى...، رغم أن بعضهم لو درسه في مناسبة أخرى لما تمنى أن يكون معه ولو في الجنة، وكأن الرجل يريد أن يقول لنا قد استقرأ التاريخ الثقافي للأمة فأوصله استقراؤه إلى هذه النتيجة، وهي أن هناك كتابا تنويريين وهو منهم بطبيعة الحال، يعانون دائما من إرهاب خصوم لهم أمثال سليمان بخليلي.. بينما الحقيقة أن ما ذكره الدكتور الزاوي من نماذج، ووقائع تاريخية وقعت حقيقة، ولكن لكل حقيقة من هذه الحقائق ظروفها التي تحتاج إلى الدراسة والتحليل.. والزاوي يعلم هذا ولو طبق ما يعرفه عنه الناس من منهجية في الدراسة والتحليل لخجل من نفسه مما ذكره في مقاله.. ولكن الزاوي مع الأسف لم يضبط نفسه أمام ما قرأ من كلام سليمان بخليلي فذهب "يطرّش" يمنة ويسرة وكأنه ليس ذلك الدكتور الهادئ الذي يفهم ما يكتب ويكتب ما يفهم.. وراح يصنف الناس على الطريقة الماركسية ومن شايعها من المذاهب المتطرفة إلى "أبيض وأسود" ولا ثالث لهما. إن الزاوي أول من يعرف، أن لكل حالة من الحالات التي ذكرها لها ملابساتها وليست بالبساطة التي ذكر أو بالتعميم الذي أراد.. وهذه الملابسات ليست كلها لها علاقة بالفكر والثقافة، وإنما دخلت فيها على الخط الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية.. ولعب اللوبيات في أنظمتنا العربية البالية يعرفه الزاوي جيدا.. لقد قتل حسين مروة وصبحي الصالح في بيروت، لكن هل الذي قتل صبحي الصالح هو نفسه الذي قتل مروة؟ وهل قتلهما كان لنفس الغاية ولذات الأسباب؟ بل أقول هل صدق الزاوي حقيقة أنه أزيح من على رأس المكتبة الوطنية بسبب محاضرة أدونيس؟ أو بسبب تطرف الشيخ عبد الرحمن شيبان؟ لا يا "الزاوي" إن كنت أمينا فاذكر الحقيقة كلها، ولا تحش أدمغة قراءك بكثرة المعلومات التاريخية وضحالة التحليل، للتعمية على حقيقة قد تكون لصالحك أو لصالح خصمك الذي رد عليك.، وفي ذلك تنتصر الحقيقة التي هي حق الجميع على الكاتب. و"خلينا" مع المتنبي وابن خلدون اللذين لا تحبهما، ويوجد في العالم من يحبهما، ابتعادا عن كيل التهم الفارغة من محتويات صحيحة.