منع الصلاة في الساحات المحيطة بالمساجد يزيد الضغط على المساجد ويعرّض حياة المصلين للخطر بدأ العد التنازلي لشهر شعبان ولم يعد يفصلنا عن أسخن رمضان في الجزائر منذ حوالي ربع قرن إلا بضعة أيام، حيث تقام سنة التراويح التي دخلت الآن ضمن ضروريات المجتمع الجزائري وتحوّلت إلى سنّة يمارسها الجزائريون أحيانا أكثر من الصلوات المفروضة ويرفضون التفريط فيها، خاصة أنها تمكنهم من تحقيق الجماعة واصطحاب الأهل من زوجة وأبناء إلى المصليات في قوافل لا نراها حتى في صلاة الجمعة. * ولأن رمضان 2010 هو الأسخن على الإطلاق في الجزائر منذ ربع قرن، حيث يكون ثلثيه في شهر أوت والثلث الأخير مع بدايات شهر سبتمبر الساخن أيضا، فإن درجة الحرارة مرشحة لأن تفوق الأربعين درجة في كل المدن الجزائرية على مدار الشهر الفضيل، وبدأت بعض المساجد منذ أشهر في التفكير في كيفية تجاوز مخاطر جمع المصلين بالآلاف في مكان غير مكيّف، حيث يصبح بلوغ الحرارة مقياسا يقارب الخمسين وارد جدا .. وللأسف فإن موضة المكيفات غزت في السنوات الأخيرة كل المكاتب والمحلات التجارية والمساكن وقاعات الحفلات وحتى الملاهي، ولكنها بقيت بعيدة عن المساجد، إذ القليل منها من فكّ هذه المعضلة، وقامت مساجد أخرى بمنع عملية التكييف بحجة أن المشردين والمسافرين صاروا يستعمرون المساجد ليس للعبادة وإنما لأجل طلب الهواء المنعش. * يوجد في الجزائر حاليا أزيد عن 15 ألف مسجد، وهو عدد قليل في بلد كل تعداد سكانه الذي يفوق 35 مليونا من المسلمين، إذا قارناه مع دول أخرى إسلامية كبيرة مثل تركيا، حيث يفوق عدد المساجد السبعين ألف، وبإمكان هذه المساجد احتواء حوالي عشرة ملايين مصل، وكانت هذه المساجد قد أعلنت العام الماضي خلال رمضان 2009 اكتظاظها ولجأت غالبيتها إلى استغلال الساحات المحيطة لأجل فك الازدحام وأيضا طلبا للتهوية بعيدا عن حرارة القاعات، كما كان الشأن لجامع الأمير عبد القادر بقسنطينة، أحد أكبر مساجد الجزائر، حيث يتسع لعشرين ألف مصل، ولكنه منذ سنتين لجأ لاستغلال ساحته الكبرى لأداء التراويح، وصرف لأجل تجهيز الساحة حوالي 50 مليون سنتيم في الأفرشة والأجهزة الكهربائية، رغم أن هذا الإجراء لم يمسّ النساء اللائي يتوافدن، ومن كل جهات الشرق الجزائري بقوة على هذا المسجد الكبير.. وحتى عملية جلب المكيفات لاقت انتقدا كبيرا لأن المسجد تحفة فنية ومنقوش بطريقة نادرة، شارك فيه كبار الخطاطين المسلمين من المشرق والمغرب العربي، ووضع المكيفات بطريقة عشوائية يفسد ديكور هذا الجامع التحفة الذي يعتبر من روائع العمارة الإسلامية في العالم، وليس في الجزائر فقط .. وبينما وعدت وزارة الشؤون الدينية بتوفير طاقم طبي، ومساعدة مساجد كثيرة على التغطية الحية خلال شهر الصيام فإن الوعود تبقى غير مضمونة لأن صلاة التراويح خلال العام الماضي كان لها ضحاياها بين مصاب ومتوفي بسبب الحرارة .. واتضح أن الحديث عن التغطية الصحية كان كلاما فقط أو على الأقل لم يكن يعني كل مساجد الجزائر العميقة. * خروج العائلات بكل أفرادها إلى المساجد ليلا يتطلب أيضا تغطية أمنية قوية وعدت المصالح المختصة كما جرت العادة بتوفيرها، لكن ما يؤرق المصلين هو غياب مواقف السيارات، إذ لا يوجد في الجزائر مسجد واحد يمكنه منح الطمأنينة للمصلي الذي ركن سيارته، وهو يؤدي صلاة التراويح، حيث يبقى تحت سلطة أطفال الباركينغ الذين يقيمون دولتهم ويحدّدون أسعارهم التي تجعل الصلاة عندنا بثمن.. كل المساجد دخلت الآن في عملية التنظيف والتهيئة لاستقبال ضيوف الرحمان عشاق كتاب الله في انتظار تحقيق وعود وزارة الشؤون الدينية بتوفير شروط راحة الملايين من المصلين. * *