تاشريفت: حماية الذاكرة الوطنية واجب أخلاقي والتزام قانوني    واضح: مؤتمر إفريقيا للمؤسسات الناشئة أصبح موعداً قارياً لا غنى عنه للابتكار    بوعمامة: الإعلام شريك أساسي في إبراز المقومات السياحية للجنوب الجزائري    وزارة الشؤون الدينية تشدّد الرقابة على الفتوى وتحمي المرجعية الدينية الوطنية    الحماية المدنية تتدخل عبر عدة ولايات بسبب التقلبات الجوية وتدعو لليقظة والحذر    وزيرة التضامن تطلق من باتنة الحملة الوطنية لتوزيع التجهيزات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة    معسكر تحتضن الطبعة الأولى من ملتقى "الأمير عبد القادر" لعمداء ورواد الكشافة الإسلامية الجزائرية    وزير الداخلية يقدم مشروع القانون المتعلق بالتنظيم الإقليمي الجديد للبلاد أمام مجلس الأمة    الرئيس تبّون: لا سِلم إلا بعودة حقّ شعب فلسطين    توقيع عدّة اتفاقيات للتعاون بين الجزائر وبيلاروسيا    بوالزرد: قانون المالية 2026 يرسخ توجّه الدولة    زيادة كبيرة في أرباح سوناطراك    ختام زيارة لوكاشينكو إلى الجزائر بتوقيع اتفاقيات تعزز التعاون الثنائي    المدرسة العليا للتسيير والاقتصاد الرقمي تنظم الطبعة الرابعة لصالون الشغل "جينبرو"    هذه مكافأة الفائز بكأس العرب..    الفيفا يؤجل تسريح اللاعبين لمنتخبات إفريقيا    سايحي يستقبل فيراسامي    الضفّة تشتعل بنيران بني صهيون    1515 مكالمة    دربال يشرف على إطلاق مشاريع مائية كبرى بورقلة    هذه مخاطر منح الهواتف الذكية للأطفال في سن مبكرة    بداية متعثّرة للخضر في كأس العرب    برايك يثمّن قرار الرئيس    عشرات آلاف المرضى بحاجة للإجلاء الطبي العاجل    التتويج بالجائزة الرابعة لحقوق الإنسان في أستورياس    استراتيجية وطنية لتطوير التجارة الإلكترونية    10 اتفاقات ترفع مستوى التعاون الجزائري البيلاروسي    مدرب ليفركوزن يحدّد وصفة نجاح إبراهيم مازة    غيتان يحلم بالمشاركة في كأس العالم ويؤكد تعلّقه بالجزائر    بن رحمة ينفي تمرّده على المنتخب المحلي وكأس العرب    الإطاحة بسارق أغراض الطالبات والشيوخ    المرأة في قلب "شتاء بلا حوادث"بمعسكر    تحضيرات مسبقة لاستقبال شهر رمضان بتيارت    رسو أول باخرة ضمن الخط التجاري الجديد سكيكدة فالنسيا    مهرجان البحر الأحمر يُكرم رشيد بوشارب    "المفتاح" لشريف عياد في دورة القاهرة    غوصٌ في التجربة الإنسانية للكاتبة مريم أكرون    تقييم المخلفات وفحص المياه وبنك للصحة العمومية أولوية    استجابة كبيرة لحملة تلقيح الأطفال ضد الشلل بقسنطينة    انشقاقات واسعة في صفوف الماك    هذه خطّة الاحتلال للقضاء على المُقاوِمين في رفح    مبدأ الحلول الإفريقية خيار استراتيجي    الرئيس تبون يخصّص 2000 دفتر حجّ إضافي للمسنّين    تحذيرات أممية من تدهور الأوضاع إلى مستوى كارثي    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    جلسة حوارية : الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية    مستغل من طرف دوائر معادية لضرب الجزائر : انشقاقات واسعة في تنظيم "ماك" الإرهابي    رئيس الجمهورية يخصص 2000 دفتر حج إضافي لمن تجاوزوا 70 سنة ولم يسعفهم الحظ في القرعة    أكاديميون يشيدون بمآثر الأمير عبد القادر    انطلاق حملة التلقيح ضد شلل الأطفال    الرئيس تبون يعزي عائلة العلامة طاهر عثمان باوتشي    الخطوط الجوية الجزائرية تصبح الناقل الرسمي للمنتخب الوطني في جميع الاستحقاقات الكروية    قسنطينة تهيمن على نتائج مسابقة "الريشة البرية" الوطنية لاختيار أحسن طائر حسون    فتاوى    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحاب الأغواط

* فجأة وجدت نفسي في الطريق إلى الأغواط في طائرة تقودها سيدة، ومعظم الذين كانوا على متنها من الشيوخ . والطائرة من كثرتنا وقلة الآخرين فيها كأنها طائرة خاصة . ولم تستغرق الرحلة أكثر من ساعة .
*
* من خبر إلى سفر
* قبل موعد السفر بثلاثة أيام حضر الدكتور عبد الرزاق قسوم لمحاضرة ألقيتها على طلبة وأساتذة جامعة بوزريعة، وأثناء الاستراحة ذكّرني قسوم بموعد الأغواط، فقلت له أي موعد؟ فقال موعد ملتقى العلوم الإسلامية والتحديات، وقد راسلوك بشأنه من قبل. فقلت لقد نسيت الموضوع تماما، ثم قلت ولكن ليس لي تذكرة، فقال إنها عندي، فقلت إن لدي موعدا قريبا مع جامعة غرداية، فقال الأمر سهل يمكنك التوجه إليها من الأغواط. يكفي أن تحضر رمزيا، فقلت لابد من زيارة لبعض المعالم. فقال إنهم مستعدون لتلبية كل طلباتك. فقلت: ليس لي سيارة للمطار فقال ستحملك سيارتي . وهكذا قطع عليّ الأستاذ قسوم كل المنافذ . وماذا أفعل وقد تذكرت قول الشاعر :
* أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه
* وقد حيل بين العير والنزوان
* عندما وصلت إلى المطار وجدت كوكبة من الوجوه التي أعرف أن أصحابها ينشطون في المجال الإسلامي، ولكن قلّما يجمعنا ملتقى لاختلاف المنطلقات والمقاصد، منهم الأساتذة: عمار طالبي ومحفوظ السماتي وأبو عبد السلام وعبد القادر فضيل وموسى بابا عمي والهادي الحسني وأحمد بن نعمان والشريفي بالحاج ...
* في المطار وجدنا في الانتظار رئيس الجامعة الدكتور جمال بن برطال وطاقمه الذين منهم الدكتور مبروك زيد الخير محرك الملتقى. مطار الأغواط يحمل اسم أحمد مدغري، ويبدو لي أن إطلاق أسماء بعض القادة على المؤسسات العلمية لا ينسجم مع البيئة البشرية أحيانا، خصوصا في الجنوب. فقد أطلق اسم المرحوم قاصدي مرباح على جامعة ورقلة، واسم علي ملاح على إحدى الثانويات بها أيضا، واسم أحمد درايا على جامعة أدرار. وإنه لجميل وضروري أن تتبادل جهات الوطن أسماء المواطنين الذين خدموا البلاد، ولكن بمراعاة التبادل وليس من جهة واحدة، حتى يحصل الاندماج في الهوية الوطنية .
* قادتنا السيارة إلى فندق (السيشل الصحراء)، وقد علق بعضهم بأن هذا اسم غريب على المنطقة، وأخبرونا أن المبنى الضخم الذي يبنيه الصينيون بالقرب من المطار هو سجن بل ربما هو أكبر سجن في البلاد، ولعله هو السجن الثاني في نفس المنطقة. فقلت لمن كان جالسا إلى جانبي: هذا قلة ذوق. كيف لم يفكروا في وقع أول نظرة على المنطقة من مسافر قادم إليها على أكبر سجن في الولاية عند خروجه من المطار، إنه المبنى الرئيسي الذي تمر به قوافل المسافرين من مواطنين وغير مواطنين، قادمين أو مغادرين. ولا يستطيع أحد أن يقول إن الأمر راجع إلى قلة الأراضي . كيف يحل إنسان بولاية استشهد دفاعا عنها الآلاف من أبنائها سنة 1852، بلاد ناصر بن شهرة الذي لم يترك ثورة ضد الاستعمار في وقته إلا واشترك فيها، تستقبله بأكبر سجن . إن هذا لشيئ عجاب !
*
* زيارة عين ماضي
* مادمت لا أنوي إطالة الإقامة في الأغواط لارتباطي بالتزامات أخرى، فقد بدأت بطلباتي للمسؤولين ومنها زيارة مدينة عين ماضي منذ الساعات الأولى من وصولنا. ورغم انشغالهم بالضيوف والتحضير للملتقى فقد وفروا لي سيارة وسائقا ودليلا إعلاميا هو مسؤول الشؤون الثقافية والإعلام بالولاية وهو الطاهر ديدي، ومدير متحف المجاهد: السيد عطاء الله طالبي، وكلاهما قال لي إنه تتلمذ عليّ بالفعل وبقراءة كتبي. وكانت رفقتهما خيرا على اهتمامي بالبحث في المنطقة. فأما السيد ديدي فأصله من وادي سوف، حل والده بالأغواط وبقيت أسرتهم في سوف، وقد طلب مني إجراء مقابلة فوافقت ولكننا لم نجد وقتا للتسجيل . وأما السيد مدير متحف المجاهد بالولاية فقد كان متواضعا واعيا بأداء مهمته ولم يبخل عليّ بالشرح والتوضيح .
* عين ماضي تبعد سبعين كلم عن الأغواط. ومن شروطي أن أزور معها قصر كردان (أو كوردام؟) الذي يبعد عنها عشرة كلم. كان الطريق جيدا ولكنه ضيق بعض الشيء وقد مشيناه نهارا في الذهاب وليلا في الإياب. قبل الوصول إلى عين ماضي مررنا ببلدة (تجموت) وهي بلدة تبدو صغيرة ولكن اسمها كان كبيرا في التاريخ، ولضيق الوقت لم نتوقف فيها. أما عين ماضي فقد وصفتها الكتب والوثائق ودخلت التاريخ لأنها مسقط رأس مؤسس الطريقة التجانية (الشيخ أحمد التجاني) ولأن ابنه محمد الصغير هو الذي لم يدخل في طاعة الأمير عبد القادر فاضطر هذا لنصب حصار على البلدة دام بضعة شهور، سنة 1838 . ولكنني الآن أريد أن أطلع على المدينة معاينة لأن الحكمة العربية تقول : " فما راء كمن سمع " .
* عين ماضي اليوم شطران قديمة وحديثة، وفي الأحياء القديمة مساجد عديدة عتيقة وهي جميعا مبنية بالطوب الأحمر والحجر، وجدرانها عالية ولكنها لم تبلغ ارتفاع جدران بلدة تمنطيط بأدرار. هناك أولا مسجد الزاوية التجانية القديم حيث ما تزال تقام صلاة الجمعة. وقد دخلناه فوجدته واسعا، وفيه بعض قبور العائلة التجانية، منها ضريح الشيخ محمد الحبيب (الصغير) الذي عاصر الأمير وكان بينهما ما كان والذي ليته ما كان. ثم مررنا بمنزل صغير متواضع، فقيل لنا إنه هو مسقط رأس الشيخ أحمد التجاني. ويبدو الحي القديم مهجورا من سكانه، لذلك بدأت بعض المنازل في التساقط وقد أصبحت أطلالا . ولا تكاد ترى الناس في الشوارع إلا بعض الشبان جالسين قرب الجامع - الزاوية .
* وليس بعيدا عن المسجد التجاني يوجد مسجد تيجيني (نسبة إلى بني توجين)، وهو مسجد صغير وعتيق، ومع ذلك فإن الجمعة ماتزال تُصلّى فيه، وقد وجدنا فيه شيخا في حدود الخمسين سنة عرفت أنه يتردد على العاصمة ويدعى الشيخ الشنقيطي وقال إنه يعرفني، ويبدو أنه تيجيني الأصل كما فهمت من كلامه، وله أخ يعمل في المجلس الإسلامي الأعلى بالعاصمة . وهذا الجامع مرمّم حديثا ومع ذلك يبدو عليه القدم وصغر الحجم .
* وبعد جولة سمح بها الوقت القصير في الشوارع الضيقة القديمة، انتقلنا إلى القسم الحديث من عين ماضي، وهو قسم يتميز مثل معظم المدن الجزائرية باتساع الشوارع وحداثة البنيان وتنوعه. وتوقفنا قرابة المغرب عند أملاك الزاوية التجانية، وهي محاطة بسور متوسط الطول، وفيها جامع كبير حديث مزخرف البناء أدينا فيه صلاة المغرب، ويسمى جامع الشيخ عبد الجبار، مقدم الطريقة المتوفي حديثا. ومن حول الجامع بيوت كثيرة للضيوف، إضافة إلى مركب كامل للأفارقة القادمين للزاوية، وإلى ساحة لوقف السيارات، ثم مباني للحريم وأخرى للخدم، وحديقة وبساتين تظهر ممتدة لا ترى نهايتها .
* وقيل إن الشيخ عبد الجبار ترك بعد وفاته شؤون الزاوية لابنه، ولكن هذا لم يعش طويلا بعده ولم يكن من المتعلمين، حسب الرواة، ولم يكن في صحة جيدة، وقد توفي أخيرا. فتولى شؤون الزاوية الشيخ محمد الذي لم يكن موجودا وقت زيارتنا، وقيل إنه كان معلما في إحدى الإكماليات قبل توليه مسؤوليته الجديدة .
* في قصر أوريلي ( كردان )
* قبل أن نعود إلى الفندق طلبت من رفقائي أن نتوقف عند قصر أوريلي تجاني أو قصر كردان. فهو لا يبعد أكثر من عشرة كلم. عن عين ماضي، وهو واقع في أرض مرتفعة مشجرة مخضرة في سفح سلسلة من الجبال المتوسطة الارتفاع. وكان القصر محروسا والوقت ليلا، وقد قيل لنا بأن القصر كان مهملا فاستغله "الإرهابيون" وعاثوا فيه فسادا. لذلك نصبوا فيه حراسة دائمة. يتكون القصر من عدة طوابق ذات طراز عصري، ومادمنا لم ندخله فإني لم أعرف طرازه وهندسته ومكوناته الداخلية. وهناك مبانٍ كثيرة منفصلة عنه ولكنها تتبعه منها مبنى الخدم ومبنى الحيوانات ... ولا أذكر إن كان فيه مبنى خاص بالضيوف . أما الهدوء والسكينة والبعد عن مشاكل الحياة فهو مبتدؤها وخبرها.
* تجولنا هنا وهناك بعض الوقت وعلقنا على ما رأينا وتاريخ ما رأينا واستعدنا ذكريات ما قرأنا. فكانت هناك حصيلة أفكار متناقضة وتصورات من حقائق وأوهام. إن الجزائر في القرن التاسع عشر كانت حقلا للتجارب في النباتات والحيوانات والبشر. وأعتبر أن زيارتي للقصر ناقصة لأن الليل منعنا من النظر الدقيق والتأمل العميق، كما أن الوقت كان غير مناسب لأن نطلب من الحراس السماح لنا بالدخول ومعرفة ما في القصر من أسرار وآثار وحياة من عمره ثم أخلاه .
*
* ملتقى العلوم الإسلامية والتحديات
* انعقد الملتقى في جامعة الأغواط المسماة على اسم الشهيد عمار ثليجي. لقد تمكن هذا الشهيد، مع المجاهد عبد الحفيظ بوصوف، من إنشاء أجهزة مخابرات الثورة (المالق). ولعب ثليجي دورا بارزا في توفير وتدريب شباب آخرين على استعمال اللاسلكي وغيره كالشفرة مما كان جهازا حيويا للثورة . وكان الملتقى تحت إشراف وحدة البحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي، والعنوان الذي اختارته الجامعة لملتقاها هو : ( دور العلوم الإسلامية في إرساء الهوية ومواجهة التحديات المعاصرة ).
* ويظهر أن الجامعة متحمّسة للمشروع معتبرة له ميزة ستميّزها عن جامعات القطر، لأنها ستكون به مقصد الباحثين في الدراسات الإسلامية غير المعنية بالتدريس لكن بالبحث فيما ينفع الناس والدولة في استراتيجيتها في التوجه نحو العالم الإسلامي، أو هكذا فهم الناس من المشروع الجديد. وقد طلب مني المسؤولون إلقاء كلمة الضيوف في افتتاح الملتقى. وقد تمنعت لأنني أفضل أن أتحدث باسمي لا باسم الآخرين الذين أخشى أن أقول عنهم ما لا يريدون. ومع ذلك شددوا عليّ في الإلحاح، فكتبت كلمة سأذكرها بعد قليل. وقد كانت أقصر مما توقعوا، فاستزادوني فقلت ذلك كل ما في الجعبة . والعرب تقول : الكلام ما قل ودل، وهم يكتفون بالموجز عن المطول .
* وقبل الافتتاح أخذني الأستاذ عامر مسعود إلى مسافة خارج مدينة الأغواط لمشاهدة النصب التذكاري المقام لشهداء مقاومة 1852 ضد الاحتلال، وهو نصب يتوسط الجبل الصخري المطل على الشطر الشمالي من المدينة بحيث يشرف على بسيط من الأرض كالسهل العريض الذي يجمع بين ملتقى تدفق مياه الوديان عند هطول الأمطار والفيضانات وغابات النخيل المنتشرة، وهو منظر يذكرنا بغوطة دمشق قبل أن يأتي عليها البناء. ولعل في اسمي الغوطة والأغواط بعض التشابه والأصالة المشتركة. ويشير النصب إلى أن عدد شهداء المقاومة في تلك السنة قد بلغ ثلاثة آلاف شهيد .
* افتتح الملتقى السيد رئيس الجامعة الدكتور جمال بن برطال موضحا رسالة الجامعة ومرحبا بالضيوف. ثم ألقى الدكتور مبروك زيد الخير قصيدة مؤثرة عبّر فيها عن مكانة الأغواط في نفسه، واشتكى من الوضع العربي وقضاياه. وبعده تحدث الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية حول مساهمة العلماء العرب والمسلمين في العلوم والحضارة .
* ثم بدأت الجلسات العلمية وتوالت حتى استغرقت ساعات بل أياما حضرنا بعضها وبقي بعضها لليوم التالي، أي بعد مغادرتي إلى العاصمة للضرورة. وأثناء الغداء أخبرني الشيخ مأمون القاسمي شيخ زاوية الهامل أنهم قد طبعوا دليل(كاتلوغ) مكتبة الزاوية في بيروت، ووعدني بنسخة منه .
* من الكتب والمجلات التي وصلت إلى يدي في جامعة الأغواط: مجلة (الباحث) التي وصلني منها العدد الثالث، وهي من إصدارات مخبر اللغة العربية وآدابها. ثم كتاب الحركة الإصلاحية في الأغواط تأليف علالي محمود، وكتاب قبسات من شخصية الإمام محمد البشير الإبراهيمي تأليف توفيق جمعات، كما أهدى إلي أحدهم ( لعله المؤلف نفسه ) كتاب : الأمثال الشعبية - منطقة الجلفة، تأليف علي عدلاوي .
* ومباشرة بعد الغداء ركبت سيارة وفّرتها الجامعة لتعيدني إلى العاصمة عن طريق الجلفة والمدية. وقبل الانطلاق فتح الدكتور زيد الخير صندوق السيارة ووضع فيه علبة ملفوفة قائلا إنها لكم تقديرا من الجامعة. ولم أسأله عنها وإنما شكرته بحرارة على اهتمامهم بي، ولم أعرف حقيقتها إلا بعد وصولي .
* كان رفيقاي في السيارة الأستاذان عمار طالبي ومحفوظ السماتي. أما الشيوخ والأساتذة الآخرون فقد بقوا في الأغواط لاستكمال برنامج الملتقى. كان الطقس في الأغواط معتدلا جميلا بينما في الجلفة كان باردا منعشا بنسمات الربيع الأخضر. ولم نكد نصل إلى البرواقية حتى جنّ الليل، ولم نصل إلى ابن شيكاو ووزرة إلا في الظلام بينما رذاذ المطر ينزل بإلحاح وطوابير الشاحنات تملأ المنحدرات المخيفة. ولم نصل إلى الحمدانية ونهاية مضيق الشفة حتى كادت الروح تبلغ الحناجر، ولم ندخل إلى بيوتنا إلا حوالي العاشرة ليلا وقد رددنا الشهادة عدة مرات وحمدنا السرى.
*
* كلمة الضيوف
*
* أيها السيدات والسادة
* إنه لشرف عظيم لي أن أكون بينكم اليوم، في قلب الأغواط بوابة الجزائر إلى جنوبها وفاتحة الخير والسلام إلى العالم الإفريقي .
* إن الأغواط عندي هي مركز مهم لنخبة من المثقفين وموطن متقدم للحركة الإصلاحية التي بدأها الشيخ مبارك الميلي وواصلها رعيل كامل من العلماء العاملين، في مقدمتهم أبو بكر الأغواطي وأحمد بوزيد قصيبة هؤلاء الذين أخرجوا جيلا من المثقفين هم اليوم عدة الجزائر في ميادين التعليم والفنون والآداب والتاريخ والعلوم كالإخوة يعقوبي والمرحوم محمد السويدي وأمثالهم كثيرون . وفي التاريخ أنجبت الأغواط الحاج ابن الدين وعطاء الله دهينة وعمر دهينة .
* وفي نطاق الحركة الوطنية برز من الأغواط عدد من المناضلين أمثال رمز المقاومة الشعبية المسلحة ابن ناصر بن شهرة فارس الميدان الذي لم يترجل منذ اعتلى صهوة جواده فكان للمحتلين كالرعب يخافونه حيث توجهوا لأنه كان لهم بالمرصاد في كل مكان أكثر من ربع قرن.
* كما أنجبت الأغواط المهاجر التهامي بن شطة الذي أخاف العدو حتى وهو في بلاد الشام، وابن شطه هو الصحفي اللامع الذي أدار جريدة (المهاجر) الناطقة باسم المهاجرين الجزائريين والمغاربة، وكان مرجعا لهم في بلاد الشام متضامنا مع عائلة الأمير عبد القادر هناك.
* ومن الجيل الحاضر نذكر بكل إجلال الضابط عمار ثليجي الذي تحمل الجامعة اسمه والذي كان من أوائل المساهمين في إنشاء مخابرات الثورة، وهي المخابرات التي حمت الثورة من عبث العابثين وعززت قدرتها على محاربة العدو بكل الوسائل، بما في ذلك وسائل الإعلام.
* إنني أقف اليوم بكل تواضع واحترام لهذه المدينة العريقة التي تصدت للاحتلال منذ منتصف القرن التاسع عشر وساندت الثوار أمثال شريف ورقلة (محمد بن عبد الله ) وأمثاله .
* لذلك فإنه يطيب لي أن أحيّي باسم زملائي الضيوف - وما نحس بأننا ضيوف - أهل الأغواط ومسؤولي الجامعة على كرمهم وحسن استقبالهم لنا كضيوف عليهم في الملتقى العلمي (دور العلوم الإسلامية...) الذي نتمنى له الاستمرار والنجاح، وليس الكرم غريبا عن أهل الأغواط، فهم أهله أباً عن جد . فلهم ولكم الشكر الجزيل والمدح الجميل.
*
* ملاحظات على عنوان الملتقى
* لقد تأملت في عنوان الملتقى وهو: (دور العلوم الإسلامية في إرساء الهوية ومواجهة التحديات المعاصرة)، فوجدته يحمل دلالات عديدة - منها عبارة العلوم الإسلامية، وعبارة الهوية، وعبارة تحديات العصر.
* العبارة الأولى بدت لي غامضة لأن العلوم الإسلامية لها مفهوم قديم وحديث، فمفهومها القديم يعني كل العلوم التي استوعبتها الحضارة العربية الإسلامية بما في ذلك ما كان يسمى علوم اليونان وعلوم الهند، كالفلسفة والمنطق والطب.
* أما في عصرنا فعبارة العلوم الإسلامية تقابلها العلوم الحديثة أو العلوم الدقيقة أو حتى العلوم الأوروبية. فمنذ عصر التخلف انحصرت العلوم الإسلامية في علوم الحديث الشريف كالتفسير والفقه والأصول... وأصبح متعاطي الصيدلة والطب والفلسفة والفيزياء... إلخ يطلبها من الأوروبيين . وقد لاحظ ذلك عدد من المستشرقين منذ القرن 18م . فماذا يريد واضعو برنامج الملتقى من عبارة العلوم الإسلامية؟
* ثم إن علاقة الهوية بالعلوم الإسلامية مفهوم آخر يثيره برنامج الملتقى... فالهوية قد يفهم منها أنها تعنى الهوية الوطنية. وقد كانت الهوية الوطنية في عهد المستعمرين هي الهوية الإسلامية ، لأن الجزائري كان عندهم يسمى (أهلي مسلم) indigène musulman قبل أن يكون ( فرنسيا مسلما ) .
* وهكذا كانت الهوية الإسلامية هي الوطنية التي تميّز كل جزائري عن الآخر، وهو الفرنسي. وقد بقي الشعب الجزائري راضيا بحالته هذه متيقنا أنه غير فرنسي بحكم هويته الإسلامية، أما المواطنة فقد كانت بعيدة كل البعد عن الإنسان الجزائري تحت الاحتلال.
* ويحتمل عنوان الملتقى أيضا الهوية الإسلامية - هوية الأمة، هوية الحضارة العربية الإسلامية. والهوية الإسلامية (وهي غير الوطنية) تعبّر عن الوحدة والأخوة الإسلامية، كما أطلق عليها عدد من زعماء العالم الإسلامي، ومنهم أحد الجزائريين أصلا وهو المكي بن عزوز الذي أسس جمعية أو رابطة باسم الأخوة الإسلامية في الحجاز .
* أما التحديات المعاصرة، فهي كثيرة : تحديات مادية وتحديات عقائدية وتحديات علمية تكنولوجية، ومنها العولمة، والحداثة، والغزو الثقافي، والمعاصرة، والاستعمار الجديد .
* في هذا النطاق يمكن أن نلاحظ أن بعض المداخلات المسجلة في البرنامج قد كتبت بوحي من هذه المفاهيم غير المحددة. فجاء بعضها متحدثا عن دور العلوم الإسلامية في عنوانها وبعضها عن دورها في فترات الضعف والانحسار، أي العلوم الشرعية حصرا.
* ونفس الشيء، يقال عن المداخلات التي لامست موضوع الهوية، سواء في مفهومها الوطني ( القطري ) أو في مفهومها الأخوي الإسلامي، أو في تناولها موضوع التحديات .
* لذلك يبقى السؤال : ماذا يقصد البرنامج بدور العلوم الإسلامية، والهوية، وتحديات العصر، كل على حدة؟
* نرجو أن تكون الأوراق المقدمة مستعدة لتحديد هذه المفاهيم من أجل الخروج من الملتقى بنتائج طيبة .
*
*
*
* * هذه الكلمة لم تُلقَ ولم تُوزَّع، كتبتها لأقرأها على المؤتمرين في الجلسة التي ترأستها ولكني عدلت عن ذلك لأني وجدت المداخلات قد كتبت والبنامج مكثفا، وقد فات وقت التدارك، فاحتفظت بها عندي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.