وصلنا إلى مطار هواري بومدين الدولي قبل ساعتين من انطلاق الطائرة نحو القاهرة على متن رحلة الخطوط الجوية الجزائرية رقم 4038AH، بعد الإجراءات الجمركية جلسنا في أحد المقاهي لتضيع الوقت فجلب انتباهنا عدد من الشباب الذين يتجولون في أرجاء المطار والراية الوطنية على أعناقهم، فعرفنا أنهم من مناصري "الخضر" الذين قرروا المغامرة والسفر إلى القاهرة للوقوف إلى جانب الشيخ سعدان وليهزوا مدرجات استاد القاهرة، فقررننا التقرب منهم ومعايشة الرحلة معهم. رحلة "الفيزا" صعبة والتضحية بالعيد في سبيل "الخضر" كشف العديد من الأنصار الذين التقيناهم على متن الرحلة أن رحلة الحصول على "الفيزا" كانت صعبة جدا حيث طال انتظارهم أمام مكتب السفارة، خاصة وأن معظمهم من خارج العاصمة حيث أجبروا على قضاء ليالٍ طويلة خارج ديارهم بالجزائر للظفر بمكان أول في الطابور الطويل الذي لا ينتهي، حيث قال لنا أحدهم أنه قدم إلى السفارة على الساعة السادسة صباحا ولم يتلق التأشيرة سوى على الساعة الرابعة والنصف وقال "المهم كي مدوهالي يا خو راني مريض بالخضرة"، أما بعض الشباب الطلبة بالمعهد العربي للدراسات كما هو حال كل من خالد من بلعباس، وأسامة من العاصمة، فقد أكدوا أنهم فضلوا العودة إلى القاهرة لمشاهدة المباراة التي ستجمع "الخضر" بالفراعنة والتضحية بقضاء العيد رفقة الأهل والأحباب في الجزائر، فكما قال خالد "سمحت في العيد والكبش والدار وجيت نشوف الماتش والمهم النتيجة تكون 0-2"، وهو نفس انطباع زميله أسامة الذي قال أن الخوف الوحيد من ضغط الجمهور قبل أن يردف "لكن عندنا مفاجأة اسمها "مغني"، فالمصريون لا يعرفونه جيدا ولا يملكون معلومات حول قدراته"، وهو ما أكده رابح شايري تاجر من بابا حسن بالعاصمة والأستاذ الجامعي زعيم سليمان الذي تخلى عن قبعة الباحث في جامعة باتنة وانضم إلى الشباب المناصرين للمنتخب الوطني. نجوم، إطارات مناصرون وقائد الطائرة يموت على "الخضرة" ونحن ننتظر موعد الركوب بالطائرة لاحظنا عددا من رجال السينما الجزائرية وموسيقيين إلى جانب السياسيين والمسؤولين، حيث كان على متن الرحلة كل من السيدة وردة الجزائرية ووزير السياحة والبيئة شريف رحماني ومديرة ديوان وزيرة الثقافة السيدة ياحي إلى جانب مشاهير السينما على غرار "أسماء أيتيم" والمخرج الكبير بلقاسم حجاج الذين حجزوا على نفس رحلتنا للمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الذي أكد لنا أنه عضو في لجنة التحكيم بالمهرجان وقال أنه متشوق للقاء الكروي الذي سيجمعنا بالفراعنة وعلى أرضهم وبصفته كفنان متشوق لموعد المباراة، أما وزير البيئة فرفض الحديث عن الموضوع بل وحتى ارتداء "شال" للعلم الوطني لتصوريه به مكتفيا بالقول أننا سنفوز "إن شاء الله" في حين كانت سيدة الطرب العربي وردة الجزائرية تغص في نوم عميق بسبب تعبها وإرهاقها جراء نشاطاتها الأخيرة بالجزائر. أقلعت الطائرة بعد تأخر طفيف عهدناه من شركتنا الوطنية وبعد استقرارها في السماء والسماح للركاب بالمشي والتجول في أرجائها غادرت مقعدي متوجها إلى خلف الطائرة حيث كان يتعسكر فيلق من الشباب المناصر، فكانت بداية عرس لم يسبق وأن شهدته طائرات الجوية الجزائرية بل وحتى طائرات العالم حيث وبعد الكشف عن هويتنا ومحاولتنا التقاط بعض الصور حتى التف حولنا المناصرون بالأعلام الوطنية وهم يغنون ويرقصون على أنغام "معاك يا الخضرة ديري حالة" و"إنشاء الله يا ريبي لالجيري كاليفي" حيث غادر الشباب مقاعدهم للانضمام إلينا والرقص أمام عدسة المصور جعفر سعادة الذي وجد نفسه أمام مادة فوتوغرافية دسمة لا أظن أن مصورا صحفيا سبق وأن أخذ مثل هذه الصور، والجميل في هذا العرس المرتجل أن أبطاله لم يكونوا من الشباب العاشق للكرة المستديرة فحسب حيث شارك فيه حتى الشيوخ المسنون والعجائر مثلما هو حال مع السيد "تويزة محمد" 73 سنة من سيق بولاية معسكر، الذي أبى إلا أن يتنقل إلى القاهرة لمشاهدة المباراة التاريخية حيث يقول أنه "حصل على رخصة السفر من زوجته الحاجة التي اشترطت عليه اصطحاب ابنه "بومدين 23 سنة"، وأكد المحكوم عليه بالإعدام خلال ثورة التحرير أنه يريد أن يشجع الخضر وأن يحتفل بالتأهل بأرض الكنانة مصر، أما المفاجأة فكانت السيدة زينب زهار ذات 51 عاما التي كانت ترافق ابنتها العروس التي تزف لعريسها المصري، حيث رفعت الحاجة الراية الجزائرية وراحت ترقص وتزغرد للخضر قبل أن ترفع يديها للسماء وهي فوق السحاب للدعاء لأشبال سعدان الذين تعرفهم كلهم، حيث راحت تعدهم علينا واحدا بواحد وأكدت أنها تفضل أداء بوقرة وكريم زياني، فيما كانت تجلس إلى جانب ابنتها والدتها ذات 79 خريفا والتي اكتفت بالدعاء والتأمين على أدعية ابنتها زينب، التي حولت الطائرة ببشاشتها إلى فضاء لمناصرة فرقينا الوطني. المصريين أذهلوا بما يحدث بالطائرة فيما كان الشباب والشيوح الجزائريين يحتفلون ويناصرون منتخبنا الوطني مكسرين بذلك الهدوء المعهود في الطائرات، راح الركاب المصريون ومعظمهم من المقيمين بالجزائر والعاملين في الشركات المصرية عندنا، يحملون آلات التصوير لتأريخ ما حدث في هذة الرحلة "المجنونة" كما وصفها أحد الأشقاء المصرين مازحا والذي انظم إلى هذا العرس وراح يخرج من حقيبته قبعة بالألوان الجزائرية ويلتقط صورا مع ركاب جزائريين حاملين العلم الوطني، وقال أن مثل هذه الصور هي حقا نادرة في الطائرات وهي تمثل مدى حب الجمهور الجزائري لمنتخبه الوطني وهو معجب بهؤلاء الشباب الذي قدموا من البعيد لمناصرة إخوانهم، أما السيد مصطفى البداري الذي كان عائدا بعد مشاركته في معرض الكتاب فقال أن العرس جميل وأن الشعب لمصري يحب جدا إخوانه الجزائريين ولا يجب الاستماع لما يبثه بعض الإعلاميين المنحرفين. قيادة الطائرة بنكهة المونديال بعدما استقرت الطائرة في السماء وبعد أكثر من ساعتين من التحليق قبل قائد الطائرة السيد "خيذر عبد الوهاب" ومساعده السيد "رشاد لاست" استقبالنا في مقصورة القيادة والأكيد أن الحديث لن يكون سوى عن المونديال واللقاء الحاسم الذي سيجمعنا بالفراعنة في استاد القاهرة، حيث أكد السيد خيذر أن المباراة ستدور في جو من الضغط على اللاعبين وعلى الأنصار الجزائريين، قائلا أن التحكم في الأعصاب وحده سيؤهلنا إلى مونديال مونديلا لأن النرفزة والتهور لن يجلبا لنا شيئا، وهو تكهن من القبطان حول محاولة المصريين استفزاز لاعبينا فوق أرضية الميدان، ورغم التحذير إلا أن القائد كان متفائلا بالفوز بثلاثة أهداف نظيفة لتكون صفعة للمصريين وردا للاعتبار لمنتخبنا الشاب، أما مساعده رشاد فرأى أن لدينا فريق شاب ورائع ويستحق المونديال خاصة وأن زياني استعاد لياقته وأصبح جاهزا للموعد الذي سيكون فيه الفوز محتوما بإذن العلي القدير. مضيفو الطائرة أنصار بالدرجة الأولى لم يكن طاقم مضيفي الطائرة في مهمة رسمية فحسب في رحلتم إلى القاهرة فكانوا في مهمة وطنية لا تقل أهمية حسب ما صرح به كبير المضيفين السيد ساحلي أحمد الذي قال أن أنصار "الخضر" على الرأس والعين، مؤكدا أن طاقمه يسهر على راحة وسلامة كل المسافرين وخاصة مناصري "الخضر" لأنهم في رحلة مصيرية تتطلب الكثير من العناية، حيث عرف الطاقم كيف يتعامل مع المناصرين المحتفلين في الطائرة بكل احترافية، حيث لم يمنعوا عنهم الترفيه عن أنسفهم ما دام ذلك لا يؤثر على سلامة وراحة الركاب، أما عن المباراة فالأمر محسوم بالنسبة لكل المضيفين "بربي إنشاء الله رابحين لأن الجزائري الشبح الأسود للمصريين". أعلام الجزائر تملأ حقائب المسافرين ما وقفنا عليه في رحلتنا الجوية، أن الراية الجزائرية كانت حاضرة وبقوة في أمتعة الجزائرية، فالعلم الواحد لا يكفي فالكل اجتهد ليكون ولو علمين اثنين في الحقيبة، وهو ما أسرته لنا الحاجة زينب التي قالت أنها أحضرت الراية الجزائرية خفية من بنتها العروس حتى لا تغضب زوجها وقالت أنها يوم المقابلة سترفع الراية الجزائرية وتصلي ليفوز المنتخب الجزائري، في حين سيرفع زوج ابنتها رايته المصرية، وقالت أن العلم الجزائري يرافقها في كل رحلاتها لأنه "ريحة البلاد" الوطن ومؤنسها في الغربة. الغندور وعبده أخذا جزاءهما في الطائرة في الوقت الذي كانت تشهد طائرة "البوينغ" عرسا احتفاليا، نتمنى أن يكون فأل خير على صايفي ورفاقه، كان بعض المثقفين المصريين المقيمين بالجزائر منذ سنوات "يحاكمون" رؤوس الفتنة الإعلامية المصرية وعلى رأسهم خالد الغندور معد برنامج "الرياضة اليوم" على قناة دريم المصرية، والصحفي مصطفى عبده صاحب برنامج "الكرة في دريم"، حيث أجمع المصريون على أن هؤلاء دخلاء على الإعلام المصري النزيه، موجهين لهم أصابع الاتهام في العديد من التجاوزات التي سجلت في كل من الجزائر ومصر، وأكدوا على أن أمثال هؤلاء يسعون لكسب المجد والشهرة والربح السريع من خلال الكذب وتسويق "الزفت الإعلامي" كما وصفه الأستاذ أحمد محمد من جامعة القاهرة. الطائرة تحط والراية الجزائرية ترفرف في مطار القاهرة وصلنا مصر في حدود الساعة الثالثة زوالا بتوقيت القاهرة، وما إن نزلت الطائرة وركنت في مكانها حتى فتح القائد عبد الوهاب نافذة المقصورة ليخرج الراية الجزائرية، وهي الصورة التي فاجأت عمال المطار الذين اندشهوا أمام مبادرة هذا الربان الذي أراد رد الاعتبار لعلم الشهداء بعدما تعرض للتدنيس والحرق من قبل عصبة من منحرفي أم الدنيا وصعاليكها، أما المسافرين الجزائريين فقد اقشعرت أبدانهم وهم يشاهدون العلم الجزائري يرفرف في مطار القاهرة وهم ينزلون في سلالم الطائرة. مصر تستقبل الجزائريين بحافلات مزينة بالورد أمر آخر لم يكن في الحسبان، حيث قامت إدارة مطار القاهرة بتزيين الحافلة المخصصة لنقل لمسافرين من الطائرة إلى المطار بالورود، وهي المبادرة التي استحسنها الجزائريون وغيرهم من ركاب الطائرة حيث أجمعوا على أن مثل هذه المبادرات من شأنها إصلاح ما أفسده أشباه الإعلاميين وأبطال الكرطون الذين شحنوا الجماهير بطاقات سلبية قد تعصف بالموعد الرياضي الأخوي.