عندما يسمع أي واحد منا اسم "المحكمة" أو "دار الشرع" مثلما يسميها الجزائريون يبادر للتعوذ والدعاء ليجنبه الله دخول ذلك المكان، لأن من يدخله لامحالة إنسان شقي كتبت له المعاناة في أروقة المحاكم سواء كان متهما ينتظر حكما، أو ضحية ضاع حقه أو أهلا حضروا لمحاكمة قريبهم، لكن ما لا يخطر على بال أحد منا هو وجود أشخاص يمكن تسميتهم "الفضوليون" ممن يرتادون المحاكم بصفة دائمة دون كلل أو ملل من أجل متابعة المحاكمات والاستماع لمشاكل الناس وأسرارهم. * الشروق ومن خلال تواجدها اليومي بالمحكمة على مدار السنة اكتشفت بأن هناك بعض الأشخاص ممن يترددون على قاعة الجلسات الخاصة بالجنح - أين تتم معالجة قضايا السرقة والاختلاس والتزوير والضرب والجرح وغيرها من المشاكل التي تسود المجتمع الجزائري -... دون أن تكون لهم أي صلة لا من بعيد أو من قريب بأطراف القضية المطروحة على العدالة، بل إن هؤلاء الأشخاص يمضون كل النهار في الاستماع للمحاكمات واحدة تلو الأخرى وبطريقة ملفتة للانتباه لدرجة يخيل لك أن هذا الشخص صحفي يحاول سماع القضايا لأجل كتابتها، لكن الحقيقة التي وقفنا عليها هي أنهم مجرد فضوليين وجدوا في أروقة المحاكم فضاء خاصا لهم، وبالرغم من قلة عددهم إلا أنهم لامحالة يمثلون استثناء غريبا في مجتمعنا الجزائري، ففي الوقت الذي ينفر فيه الناس من المحكمة ويتشاءمون لدخولها إلا أن هناك من وجد فيها متنفسا ومهربا من واقعه. * * تحضر للمحكمة لتسمع القصص وترويها لجاراتها في المساء؟ * ففي محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة لفتت انتباهنا سيدة في العقد الرابع من العمر تحضر باكرا لتحجز مكانا لها بالمقاعد الأمامية وتصغي بانتباه لكل قضية من البداية إلى النهاية، وفي إحدى المرات وبينما كان بعض المحامين والصحفيين واقفين في الأمام بالقرب منها لعدم وجود أماكن شاغرة، طلبت منهم هاته السيدة الابتعاد من وجهها حتى تتمكن من رؤية أطوار المحاكمة. وبعد الاستفسار من أعوان الشرطة المتواجدين بالقاعة تبين لنا أن السيدة المعنية مجرد فضولية شغلها الشاغل الاستماع لقضايا الآخرين لدرجة أنك لو سألتها عن أي قضية ستجدها ملمة بها وسترويها لك بالتفصيل، بعد رفع الجلسة حاولنا التقرب منها للتعرف على السبب الذي يجعلها مهتمة بمشاكل وقضايا الآخرين، فأخبرتنا بأنها اكتشفت عالما آخر في المحكمة بعد ما دخلتها لأول مرة شهر رمضان الفارط في قضية جارة لها وبعدها أصبحت مداومة عليها، خاصة أنها تسكن بالقرب من قصر العدالة "عبان رمضان". وتضيف محدثتنا بأنها تجد متعة كبيرة وهي تحكي لجاراتها ما يجري في المجتمع وما يحدث بعد سماعها للمحاكمات لتعلق بالقول: تعجبني كثيرا طريقة تسيير القاضي الذي يعمل يوم الثلاثاء للجلسات وكثيرا ما أحضر خصيصا لمشاهدته"، استفسرناها عن عائلتها ومنزلها وإن كان لديها وقت لتضيعه هكذا، فردت بالقول "أنا امرأة مطلقة أعيش لوحدي رفقة ابنتي وأمي، ولا أجد أي مشكل في الحضور للمحكمة، كما أنني استفدت كثيرا مما أسمعه هنا". * في الأخير يمكن القول أن هاته السيدة مجرد عينة بسيطة لأناس فضوليين وجدوا في المحكمة فضاء للترفيه والتسلية، ورغم أننا لانقصد بهذا الموضوع التعميم، لكن يوجد ما لا يقل عن أربعة أو خمسة أشخاص التقيناهم بمختلف المحاكم هذه السنة وشغلهم الشاغل حضور الجلسات ومنهم حتى المتقاعدين والشبان، خاصة إذا ما تعلق الأمر بقضايا الجنايات وحوادث الجرائم البشعة