لم تعرف الجزائر عطلة على جبهة الفضائح. ولم لم تسجل أية مهلة في شهر رمضان، وكأن الجزائر تريد أن تحافظ على وتيرة عالية في تفجير قضايا الفساد، لتتحول البلاد إلى فضاء من "العالم الرابع"، فضاء يسيطر فيه العنف والرشوة وسوء التسيير. وفي ميدان الفضائح، تم الأسبوع الماضي الإعلان عن آخر قضية دارت حلقاتها في قطاع الطاقة. وحسب معلومات صحفية، فإن الجزائر باعت حصصا كانت تكسبها في شركات بترولية كبرى مثل "أناداركو" الأمريكية. ولا تقتصر العملية على تعاملات تجارية، لأن بيع تلك الحصص تم بواسطة شركة يكسبها ابن أحد بارونات النظام، وهو السيد محمد بجاوي الذي شغل منصب وزير الخارجية ورئيس المجلس الدستوري ورئيس اللجنة "المستقلة" لمراقبة الانتخابات التي قدمت شهادة الزور يوم أعيد انتخاب السيد عبد العزيز بوتفليقة. ولا نعرف لماذا اختارت الجزائر أن تبيع تلك الحصص. هل تمت اجتماعات بين خبراء لتطبيق سياسة سطرتها جهات مكلفة بالقضية؟ هل اعتبرت الجزائر أنها تحتاج إلى أموال؟ أم أنها كانت تريد استثمار تلك الأموال بطريقة تضمن لها تحقيق أرباح أكبر؟ كل هذه الاحتمالات واردة، لكنها مرفوضة جملة وتفصيلا عند الشارع الجزائري، لأن الثقة ضاعت بينه وبين حكامه. وفي الظروف الحالية، لا يمكن لأحد أن يصدق التفسيرات التي تقدمها الحكومة لأن الشارع يعتبر أن الهدف الوحيد من هذه العملية التجارية هو تحويل أموال لصالح ابن الوزير الأسبق. ومن جهة أخرى، فإن هذه الفضيحة الجديدة ظهرت أسابيع قليلة بعد قضية أخرى تم من خلالها توجيه الاتهام لابن وزير آخر قالت عنه الصحافة إنه متورط في قضية تجارة المخدرات. وقالت تقارير صحفية إن الأمر يتعلق بابن وزير العدل الذي كان يتعامل مع شبكات لتهريب المخدرات. وجاء تكذيب من العدالة لكنه لم يرفع الشكوك إطلاقا. ويبدو أن الجزائر تعيش موضة جديدة حيث أن أبناء المسؤولين الكبار أصبحوا هم المتورطين في قضايا الفساد. وقبل أبناء وزير العدل ووزير الخارجية السابق، كان ابن المدير العام لشركة سوناطراك قد وقع في فخ العدالة بعد عمليات تجارية غير شرعية يكون قد تورط فيها بفضل نفوذ والده. ونشير كذلك إلى أشهر قضية فساد عرفتها الجزائر، وهي قضية "الخليفة" التي كان بطلها عبد المؤمن خليفة، وهو كذلك ابن أحد البارونات السابقة في النظام. وتبقى قضية الخليفة أكبر قضية فساد لحد الساعة، في انتظار ما ستسفر عنه قضية الطريق السيار شرق -غرب التي قد تفوق قضية "الخليفة". وحتى تكون الأمور واضحة، نقول إن التذكير بكل هذه الفضائح لا يشكل خطابا من حزب معارض يريد أن يضع السلطة في حرج، كما أنه لا يشكل محاولة لضرب صورة البلاد، بل إنه لا يشكل حتى انتقادا للوضع القائم. إنه مجرد عرض لوضعية البلاد في سنة 2010. إنه سرد لحقائق، وإشارة لوضع المجتمع الجزائري وللمؤسسات، وعرض لتصرفات المسؤولين السياسيين والإداريين في البلاد. هذا الوضع يشير إلى أن الفضائح الكبرى، سواء من ناحية حجم الأموال المتداولة أو من ناحية الانهيار الأخلاقي الذي يرافقها، أقول إن الفضائح الكبرى أصبحت اليوم من صنع أناس في أعلى هرم السلطة. وأصبح أشهر المتورطين في تلك الفضائح أناس من حاشية السلطان ومن بارونات النظام ومن أهاليهم من الجيل الجديد. والجزائر ليست أول بلد في العالم يعيش مثل هذا الوضع. إنه وضع معروف، عاشته بلدان كثيرة. ولا يشكل هذا الوضع إلا مرحلة تاريخية غالبا ما تمر بها الأنظمة المتسلطة، لما تنسى السلطة دورها في تسيير شؤون البلاد والحفاظ على القيم السياسية والأخلاقية. ويشكل هذا الوضع منعرجا خطيرا جدا، حيث أن هناك بلدانا تفطنت له واستطاعت أن تضحي وتعود إلى الطريق الصحيح، وتدخل التاريخ من جديد، وبينما فشلت بلدان أخرى، وجرها سيل الرشوة والفساد، وهرب قادتها إلى الخارج بعد أن غرقت في الفوضى والعنف.