يفاجئك مظهر شاب لطالما ألفت إدمانه على الجينز، وهو يرتدي قميصا فضفاضا في شهر رمضان، وتكاد لا تميزه عن شخص آخر بسبب مظهره وهو يطلق لحيته وطالما كان في عداء معها.. تحتار وأنت تحاول تمييز أختك من بنات جنسها بسبب ارتدائها حجابا وهي من استبدلته في يومياتها بالسروال، وقد تستغرب وأنت تحاول إيجاد مكان لك في أحد المساجد بالرغم من أنك قصدته قبل دخول وقت الصلاة، وأنت الذي ضمنت فيه مكانا سابقا وراء الإمام بالرغم من وصولك آخر الناس.. لكنك لا تستغرب إن تذكرت، لأنها مظاهر تتكرر كل سنة خلال الشهر الفضيل. أسرع فقد لا تجد مكانا لك في ساحة المسجد! هي نصيحة قد يسديها لك الجميع ممن سمع أنك ذاهب للمسجد من أجل تأدية إحدى الصلوات الخمس بسبب ما يشاهدونه من كثرة المصلين الذين يقصدون المساجد في شهر رمضان المعظم، بداية من صلاة الفجر وانتهاء عند صلاة العشاء، أما عن صلاة التراويح فالأمر لا يختلف كثيرا إلا في العدد الكبير للمقبلين عليها، حيث أصبحت المساجد لا تتسع لهذه الجماهير الغفيرة مما يجعل الكثير منهم يستعين بساحات المساجد وحتى غلق الشوارع المحاذية لها وجعلها أماكن لأداء صلواتهم، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مسجد معين، بل تكاد تشمل كل مساجد الوطن إن لم نقل تشترك فيها كل مساجدنا، وهي ظاهرة يستبشر بها الأئمة خيرا ويوصون المصلين بالاستمرارية فيها، غير أنها تختفي بمجرد حلول عيد الفطر السعيد، حيث تعلن هذه الجموع انسحابها تدريجيا من الصلوات والبدء يكون بصلاة الفجر، ثم باقي الصلوات حتى يكاد الإمام يعد من يؤمهم على رؤوس أصابعه، ويعود للنصح والإرشاد من جديد ودعوة الناس للصلاة في المساجد، وهي الأدعية والنصائح التي استبدلها طيلة شهر رمضان المبارك بعبارة "تزاحموا ترحموا".. إطالة اللحية قبل رمضان وطوابير بسبب القميص مظهر آخر غريب لا تشهده عائلاتنا إلا في شهر الصيام، وهو إطلاق اللحية وارتداء قميص بالنسبة لشباننا، ولا تكاد ترى شخصا لا يلبس قميصا وكأنه فرض مع الصلاة، وإن كانت الغرابة فيما تعلق بشأن اللحية التي تخفيها مناسبة عيد الفطر مما يجعلها تختفي في أول أيامه أمرا سهلا وفي متناول الجميع، حتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يحببون إطلاقها في حياتهم اليومية، بل يرفضون ذلك، فيما يجهدون على إطلاقها والاهتمام بها طيلة شهر رمضان، فإن الأمر يختلف تماما عن قضية القميص الذي يحضر له مسبقا، حيث يتم اقتناؤه أو شراء قماش وأخذه للخياط لإخاطته حسب الطلب وحسب الذوق، حيث أكد لنا أحد الخياطين أن محله يعرف عجزا كبيرا في تلبية كل الطلبات التي تصله في الأيام القليلة التي تسبق رمضان، مضيفا أن السبب في كثرة الطلب لديه ولدى نظرائه هو البحث عن القميص حسب المقاس واللون، وهذا ما لم يتوفر بالتحديد عند البائع.. هذا الأمر أكده أيضا سليم بائع أقمصة ببراقي والذي قال إن الشباب يقصدونه في شهر رمضان بكثرة ويسجلون عنده طلبات أقمصة قبل حلول الشهر، والملفت للانتباه أن من يرتدون الأقمصة في رمضان يحتفظون بها بعده لصلاة الجمعة فقط، وقد يتخلون عنها نهائيا. الحجاب والجلباب ولو في التراويح فقط! مظهر آخر لا يختلف عن سابقيه إلا في طبيعة أصحابه، وهو ارتداء النساء خاصة الفتيات اللواتي يحرصن على توفير ألبسة "مستورة" لغرض استخدامها في الصلاة، وأخريات يلجأن لاقتناء أو استعارة حجابات من قريباتهم يرتدينه في شهر الصيام، خاصة أثناء الخروج لتأدية صلاة الجمعة وصلاة التراويح، وإن كان لبس حجاب أو حتى جلباب خلال فترة الذهاب للمسجد فإن الغريب في الأمر أن هناك فتيات لا يلبسن الحجاب في أوقات الصلوات فقط، بل حتى في يومياتهم خلال الشهر الفضيل، وحجة بعضهم في ذلك أنهن يرفضن الخروج بلباس غير محتشم في شهر العبادة، فهل تسقط عبادة المولى عز وجل عقب انتهاء شهر رمضان.. التدين الرمضاني دلالة على عدم فهم النصوص الشرعية قال الشيخ عبد القادر حموية، وهو إمام بأحد مساجد العاصمة، إن تصرفات بعض المواطنين فيما يخص ظاهرة التدين خلال شهر رمضان فقط، تعكس ضعف الإيمان لدى معظمهم وعدم فهم النصوص الشرعية. وأضاف أن ارتداء الحجاب أو الإقبال على المساجد بكثرة، وكذا إطلاق اللحية في شهر رمضان وفي غيره هو مطلوب شرعا، "لكن التعامل مع النصوص الشرعية بانتقائية ومزاجية يجب إعادة النظر فيه، فالتعامل معها يعني التعامل مع المولى عز وجل" يقول الشيخ حمويا، متسائلا: هل هذه الأحكام أحكام اختيارية، أم إجبارية، فإن كانت اختيارية يقول المتحدث هاتوا برهانكم وأدلتكم. وأوضح الشيخ أن التعامل مع النصوص الشرعية بهذا الشكل أمر غير مقبول ف"الأيام كلها لله سبحانه وتعالى وليس فقط شهر الصيام، وهي تصرفات ليست من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم".