مشروع دستور الأفالان الذي أطلقته جبهة التحرير في البداية ك"بالون" اختبار لجس النبض العام وتهيئة الأذهان والنفوس، أصبح حقيقة وواقعا، وقد يكون ابتداء من اليوم الخميس على طاولة مكتب رئيس الجمهورية في انتظار إعداد المشروع النهائي الذي سيطرح للاستفتاء الشعبي قبل نهاية الخريف القادم. سالم زواوي ومع ذلك مايزال هذا المشروع يثير بعض الشكوك حتى ولو كانت محتشمة في أوساط الطبقة السياسية، المحتشمة بدورها وخاصة في أوساط بعض أجنحة الجبهة ذاتها التي لا تزال كالأطرش في الزفة أو المتعمدة أن تكون كذلك، وهي مكلفة بالنفخ على البارد حينما يشتد نفخ الأوساط الأخرى على الساخن، فالتسريبات الإعلامية التي حدثت منذ أسبوعين حول هذا المشروع لا تزال مثار سخط واستنكار "شديد" من طرف شريحة من "مناضلي" الأفالان الذين يركزون على أن العملية هي مجرد زوبعة ولا يراد بها إلا تشويه سمعة الحزب وتشتيت صفوفه مع أن هذه الصفوف ملتفة سواء ضمنيا أو ظاهريا، حول هذا المشروع والعودة في نفس الوقت إلى العادة القديمة في اتهام الأطراف الخارجية بالتآمر والتشويش ومحاولة النيل من سمعة الحزب. يحدث هذا في الوقت الذي أصبح فيه مشروع الدستور الجديد أمرا مقضيا وحسب الرغبات المعبر عنها من طرف رئيس الجمهورية في عدم صلاحية الدستور الحالي وضرورة وضع دستور جديد تكفل الأفلانيون فيه بصب الرغبات غير المعلنة وهي إلغاء تحديد العهدات الرئاسية وتمديدها إلى أكثر من اثنتين وربما إلى مدى الحياة كما يعتقد البعض، وقبل يومين فقط كان المسؤول الأول عن الجبهة السيد عبد العزيز بلخادم يجتمع بالهيئة التنفيذية لحزبه ويطرح مسودة الدستور الجديد في شكل تقرير حول مقترحات التعديل الذي أعدته لجنة عملت لعدة أسابيع لهذا الغرض، مقرا بالهدف الأساسي من هذا المشروع وهو تمديد الترشح للرئيس الواحد أو المرشح الواحد إلى أكثر من عهدتين تحت غطاء عدد من التبريرات ومنها توفير الاستقرار السياسي للبلاد، وكون أن الدستور الحالي دستور أزمة أعد خصيصا لمعالجة الأوضاع الخصوصية التي مرت بها البلاد، وقد تم تجاوز هذه الأزمة ووجب الانتقال إلى مرحلة جديدة تطبعها مشاكل التنمية كما قال، ولم يتردد في تأكيد أن التعديل المقترح - الأحادي الجانب- قد طال كل مواد الدستور الحالي. ومن التبريرات التي أوردها بلخادم كذلك أن الجزائر اعتادت على تعديل دستورها كل 10 سنوات وإن كانت هذه عادة سيئة تدل على مدى عدم جدية النظام الجزائري والمسؤولين الجزائريين في التعامل مع وثيقة وطنية حيوية مثل الدستور أو القانون الاساسي فإن الأفلان يريد أن يكرسها ويجعلها سنة من سنن الجزائر دون باقي الأمم، ويضرب مثلا على هذه السنة بكون دستور 1996 جاء في ظروف الأزمة لمعالجة الأزمة، وإذاكان الأمر كذلك بالنسبة للدستور الحالي فإنه يمكن أن يكون تعديلا لدستور 1989 الذي جاء متسرعا في إقرار التعددية وإلغاء الاشتراكية ونظام الحزب الواحد وبإمكان واضعيه أن يقولوا إنه تعويض لدستور 1976 الذي أصبح لاغيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبداية النظام الدولي الجديد. وهكذا يصبح الدستور في الجزائر أكثر عرضة للتعديل والتغيير والتبديل من القوانين والقرارات السياسية والاقتصادية، أي خاضعا أكثر من أي شىء آخر في البلاد للأهواء الشخصية، وبصيغة الحسابات بين التكتلات والمجموعات المختلفة والمتنوعة، لا يكون السيد عبد العزيز بلخادم بإعلانه عن الانتهاء من إعداد مشروع التعديل وتقديمه إلى رئيس الجمهورية، ليقرر ما يراه، قد أكد ماذهب إليه المراقبون وتخوفوا منه وهو ذهاب الجزائر إلى نظام رئاسي مطلق على الطريقة البورڤيبية أي الرئيس مدى الحياة، مع كل ما يحمله ذلك من تأخر وتقهقر إلى الوراء في مختلف المجالات خاصة منها مجال الحريات العامة والديمقراطية على اعتبار أن ذلك يسيء إلى مبدإ التداول على السلطة وإلى الاختيار الحر للشعب، حتى وان حاول بلخادم التطمين بأن وثيقة التعديل تشمل كل مواد الدستور الحالي تقريبا وبما يضمن ممارسة الحريات الاساسية وحرية الصحافة والحفاظ على مبدأ التداول. غير أن تكريس النظام الرئاسي وبالعهدات المفتوحة مع استحداث منصب الوزير الأول بدل رئيس الحكومة وتقليص صلاحيات البرلمان من خلال "إعفائه" من ممارسة الرقابة على الجهاز التنفيذي لا يمكن أن يكون بحال من الاحوال، عاملا من عوامل ازدهار الحريات وضمان الحقوق والمساواة وحرية الصحافة كما يدعي السيد بلخادم لأن مثل هذه الامور الحيوية لتطور الانسان وازدهاره لا يمكن أن تتم بالأوامر والقرارات السياسية خاصة في الظروف الوطنية والدولية الجديدة التي تدعي جبهة التحرير انها تعمل من أجل مسايرتها والتأقلم معها. غير أن ذلك لا يتناقض في شيء مع الأهداف الجديدة القديمة للأفلان الناتجة عما يسمى بالانقلاب العلمي على الأمين العام السابق السيد عبد الحميد مهري، وهي العودة بأي ثمن إلى أحضان النظام وحواشيه ولو باستعمال المناورات والدسائس الداخلية والخارجية التي ما فتئت تغذي حياته وسيره، ولذلك فإنه لا حاجة إلى التساؤل عما يفعله اليوم بالوطن وبتضحيات المجتمع من أجل الحد الأدنى من الديمقراطية والحرية واحترام اختيار الشعب عن طريق الانتخابات التي كانت الجبهة هي المستفيد الأول منها، إذ أنقذتها أصوات الناخبين من الغرق والزوال من الساحة السياسية، وكل ما في الأمر هو أنها (الجبهة) تريد العودة إلى الشمولية وإعادة ترميم القلعة التي احتمت بها بعد أن تأكد فشلها في أن تكون حزبا حقيقيا في ظروف سياسية جديدة يفرضها الواقع الجزائري والمحيط الدولي. ثم في نهاية المطاف، ما الجدوى من تغيير الدستور أو تعديله أو إلغائه كليا في ظل ممارسة السياسة والسلطة والحكم خارج إطار هذا الدستور أو على هامشه مهما كان صالحا أو غير صالح، وفي ظل انغلاق سياسي مطلق لا يعير أدنى اهتمام لبنود هذا الدستور في مجال الممارسة السياسية؟! والكل يدرك أن النظام الحالي، وهو النظام السابق نفسه، لا يسمح بالتداول على السلطة إلا بتغيير الرؤساء التابعين له أو مرشحيه والدليل أنه منذ الاستقلال إلى اليوم لم ينتخب رئيس واحد للجمهورية من غير الذين يأتي بهم النظام على الرغم من أن الدستور خاصة منذ 1989 ينص على التعددية وحرية الترشح من خارج النظام، أما بالنسبة لبقية الأمور من مساواة وحقوق وحريات.. فحدث ولا حرج!