زيارتى للمعلم الشاهد على عظمة الإسلام.. كان في مدينة أكرة الهندية، وقبل زيارتي له كانت قد احتشدت داخلى العديد من الأحكام المسبقة دون دراية أو تمحص، ولكن بمجرد زيارتى لهذا الصرح، وما شاهدته من معالم أخرى في نيودلهي، جعلتني أعيد العديد من حساباتي تجاه المغول، فالأمبراطور المغولي شاه جهان هو الذي بنى تلك التحفة المعمارية والهندسية - والتي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع تخليداً لزوجته ممتاز محل، فالضريح هو خليط للعديد من المدارس المعمارية الفارسية والعثمانية والهندية والإسلامية.. * ومن أحدى المغالطات والأحكام التي كانت لدي من قبل الإطلاع والمعرفة، أن تاج محل هو القبة الرخامية، أي مكان الضريح نفسه، ولكن أتضح لي بعد ذلك، أن تاج محل هو مجموعة من البنايات المتكاملة والمتباعدة، بالإضافة إلى مساحات واسعة من الحدائق والتي توحي للزائر بطبيعة الحياة الراقية التي كانت في ذلك المكان يوماً ما، كما توحي أيضاً بقمة الحضارة الإسلامية، في زمن أنعدمت فيه حتى رائحة التمدن، ويمكنك ان تلاحظ في البناية أثناء تجولك، العديد من الأيات القرآنية والتي تشير جميعها إلى يوم الحساب. كما يمكنك ملاحظة الدهشة والإعجاب والتأثر فوق ملامح السياح من الأجانب وحتى الهندوس، وكذلك فضولهم لمعرفة المزيد عن الإسلام والمسلمين، ذلك الدين الذي إن لم يكن قد صنع شخصية صاحب هذا الصرح الكبير، فعلى الأقل قد أثر فيها. يحكي لنا المكان قصة إمبراطور ورجل مخلص، أصيب بالحزن الشديد بعد وفاة زوجته الثالثة "ممتاز محل" في أثناء ولادتها لابنها الرابع عشر "جوهرة بيجام"، وقبل أن تلفظ الزوجة آخر أنفاسها، أوصت زوجها أن يبني لها ضريحا لا يماثله أي ضريح آخر على وجه الخليقة، وقد التزم الزوج بتنفيذ تلك الوصية، وكان أجمل أضرحة العالم " تاج محل " هو رمز للوفاء والحب والتقدير . لذلك، ستلاحظ أثناء تجوالك داخل المكان، العديد من الأبيات الشعرية المخلدة لهذه الذكرى. كما قد تعجبك تلك الحديقة المغولية حول الضريح والتي تقوم في الأساس على ممرات ورياض منخفضة، وأحواض وبرك ماء، والتي تشعرك بأنك في قصر الحمراء بغرناطة، وقد يتشابة ايضاً "ديكور" وترتيب الحديقة، بذلك الذي عرفه أجدادنا كذلك في قرطبة، كما يختلط في المكان شبح الحدائق الفرنسية، وبذلك كان الصرح محل استقطاب متزايد للسياح من جميع أنحاء العالم، فالعديد يحاول إلتقاط الصور التي تخلد تلك الذكرى المعنوية ممتزجة مع روعة التصاميم التي تتحدى الزمن بجمالها . ويجذب الضريح ما يترواح بين 2 إلى 4 ملايين زائر سنوياً، وعادة ما يكون التجوال على الأقدام، كما يمكنك التجول حول المكان بين العديد من المحلات والبازارات والأسواق . وقد كان "تاج محل" منبعا للعديد من الأساطير والحكايات، أو الروايات الموثقة، وغير الموثقة أحيانا، والتي قام المرشد السياحي بسرد البعض منها على مسامعنا، ولكن الرواية التي لا خلاف حولها ويمكن أن تشهدها أعين كل الزائرين بوضوح، هي أن المكان يخلد عظمة الإسلام والمسلمين، وما يجهله الكثيرون منا، أن هذا الصرح العظيم يمثل دخلا ثابتا للعديد من الأسر والعائلات، كما يخصص جزء من الدخل لتمويل السياحة في الهند .