انها القدس.. تقف اللغة بكل ما فيها من قدرة وسحر خاشعة وهي تحاول أن تصف مشاعر من يقف عند بوابة بيت المقدس من أي جهاته وقلبه معلق بالمسجد الاقصى.. هنا تصبح الروح شفافة ومتحررة ويغيب عن البال إلا لقاء الله الكريم ورضاه.. حقا انه أنس يلف الروح ويطامن الروع ويجعل الدقائق كما كل شيء مبارك هنا .. * هنا فقط ندرك سر أن تكون القدس محطة راحة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام وسليته بعد عنائه من قريش وندرك أي سر جعلها نقطة ارتقائه الى السماء .. رمضان في القدس له مناخ مختلف عن كثير من بلاد الله وأنه وإن تشابه مع نفسه في المدينةالمنورة ومكة المكرمة إلا أنه هنا يبدو حانيا صامدا متطاولا على الجراح.. هنا يبدو رمضان بلباس أبيض طاهر يجوب الأزقة والبيوت المصادرة وأضرحة الأولياء والأئمة والصحابة والشهداء يهدئ روعهم ألا تقلقوا ولا تهنوا فإن العاقبة للمتقين .. العاقبة للقابعين على الجمر ويدهم مشرعة ضد قانون المرحلة . القدس مدينة السلام والتسامح ومدينة جعلت لكي تكون مهوى أفئدة البشر لتمنحهم من الحب واليقين مايكفي لمواصلة عناء الحياة وتحدياتها ولهذا كانت للحجاج مزارا لابد منه بعد الحج، تخفف عنهم تعب الحج وتفرح قلوبهم بالوقوف، حيث توقف نبيهم يهمّ بالصعود نحو ربه الكريم.. هذه هي القدس التي أرادها الله . الا إن المشروع الغربي الاستعماري الصليبي تحالف مع الصهيونية الجشعة العنصرية وأنشأ كيانا شريرا على أرض فلسطين ليمزّق السلام والاستقرار والأمن ويدمي الروح ويجعل من أرض السلام أرضا للحرب والنزاع والدماء والمظالم.. واستمر الدفع الغربي جاعلا من عواصم الغرب محطات تزويد لا تنضب للجريمة الصهيونية على أرض فلسطين وفي المنطقة كلها.. وبعد أن كانت فلسطين الأرض المباركة والتي تشيع السلام في المنطقة والعالم، أصبحت هذه الأرض تشهد على جلدها صناعة الجرائم والمؤامرات الشريرة التي تستهدف العرب والمسلمين بل والإنسانية. لقد نهض أهل فلسطين منذ قرن من الزمان يدافعون عن شرف القدس وانساحت دماؤهم على ترابه المبارك وتصدوا لمحاولات الصهاينة لتدنيس ساحات القدس بالمهاجرين اليهود بحماية الجيش البريطاني.. وحينها نهضت الأمة في كل مكان تستنكر ما حل بأهل القدس من بطش المجرمين الانجليز.. واستمرت المؤامرة التي رعتها بريطانيا والدول الغربية حتى تمكنت الحركة الصهيونية من احتلال معظم أرض فلسطين من خلال سياسة تهجير وطرد بالسلاح والجريمة وكان عجز العرب والمسلمين وتخاذلهم الحليف الطبيعي للهجوم الصهيوني على فلسطين. واكتملت المؤامرة الغربية واحتلت إسرائيل بقية أرض فلسطين التاريخية ورفع العلم الأسرائيلي على بيت المقدس بل وعلى المسجد الأقصى.. وهنا المقارنة مهمة وضرورية.. فلقد سقط من المسلمين شهداء اكثر من سبعين ألفا في ساحات القدس قبل أن يستطيع الصليبيون اقتحام المدينة المباركة .. ولكنهم في حرب 1967 لم يبذلوا سوى سبعين شهيدا في الدفاع عن الاقصى .. أي نكبة بلغتها الأمة .. إنها نكبة العقل والضمير . حرق الصهاينة المنبر.. منبر صلاح الدين الذي حمله في معيته وهو يشن هجومه الكبير لتحرير القدس.. حرق الصهاينة المنبر فبكت قولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل وقالت: (اليوم وهي اسرائيل لن يسكت العرب ولن يسكت المسلمون).. ولكن مع نهاية اليوم ضحكت قولدا مئير: وقالت هذا أسعد يوم يمر في حياتي . القدس يتعرّض لحملات تهويد رهيبة والموضوع سهل.. الناس يواجهون مضايقات شديدة في الرزق والحياة في القدس وهناك مؤامرات تتم حول تفريغ القدس والقضية كلها تتعلق بإمكانيات مادية.. فأين مليارات التجار المسلمين يستثمرون في القدس؟ أو أن يتبرعوا للقدس أو أن يدعموا أهل القدس؟ أين الفلسطينيون الاثرياء أين قادة التنظيمات الذين اتخمت حسابتهم وأدراجهم بملايين الدولارات؟ أين المال الفلسطيني والعربي والإسلامي من القدس؟ أين القدس يتآكل اليوم فاليهود أكثر من المسلمين؟ والصهاينة اقتحموا بيت المقدس وأقاموا كنسا ومعابد لهم على بعد أمتار من المسجد الأقصى الذي نخر الصهايته أرضه حفريات . إننا في محنة أخلاقية كبرى؟ أين الفلسطينيون؟ أين العرب؟ أين المسلمون؟ أين الأحرار في العالم؟ شعب تتم إبادته وحضارة يتم درس معالمها والجريمة متواصلة .. يأتي رمضان ومعظم الفلسطينيين لايستطيع شد الرحال إليه وكل العرب والمسلمين حرموا من بركة الصلاة فيه فإلى متى .. إلى متى .. إلى متى !!