القاعدة الإعلامية تقول إن وسيلة الإعلام تساير الحدث حتى ولو كان في غير اختصاصها، وقد تابعنا في مونديال ألمانيا كيف تم إقحام كرة القدم في القنوات الفنية وحتى الدينية والسياسية والاقتصادية فاصطبغت وسيلة الإعلام بألوان المونديال فجاءت مسايرة للحدث... وهذا ما تفعله الآن وسائل الإعلام العالمية التي دخلت معركة بيروت وما عادت تقدم قذفات زيدان ولا عزف سيلين ديون وإنما قصف بيروت وما جاورها من مدن وقرى لبنانية. ناصر في سهرة الجمعة، حيث بلغت الأحداث الحناجر ما بين عدوان إسرائيلي وبطولات من حزب الله، قدمت قناة (صلاح الدين) العراقية سهرة ضاحكة عبر مسرحية بفصولها الثلاث تحت عنوان (شاهد ماشافش حاجة) من بطولة عادل إمام، وجاءت هذه السهرة الضاحكة في الوقت الذي كان العالم يبث صورا من خراب البارجة الحربية الإسرائيلية في الساحل البيروتي، أما روتانا زمان فنافست قناة (صلاح الدين) بمسرحية (الصعايدة وصلوا) من بطولة أحمد بدير. وإذا كانت قناة (صلاح الدين) المنتمية بالاسم للفاتح السلطان عظيم الإسلام صلاح الدين الأيوبي قد قدمت مسرحية (شاهد ماشافش حاجة) لتبعث برسالة عن حالتها وحالة العرب الذين كانوا شهودا لم يشاهدوا حاجة أو لم يريدوا المشاهدة، فإن قناة (روتانا زمان) بمسرحية (الصعايدة وصلوا) كان من المفروض أن تقدم (الصهاينة وصلوا) حتى وإن كان الصهيانة قد وصلوا منذ حوالي ستين سنة. روتانا الغارقة حتى الثمالة في الخلاعة، واصلت في (روتانا سينما) تقديم حصة (هالة شو) التي تنشطها هالة سرحان بكسرها لكل الطابوهات، حيث قدمت حصة عن عشق الفتيات للرجال المتزوجين، وهي حصة تتلاءم فعلا مع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يعشق (العرب) أمريكا المتزوجة من إسرائيل. وفي قناتها الطربية (روتانا طرب) كانت سهرة الجمعة مع أم كلثوم التي أمتعت محبي (حزب الله) في يوم إيمان بأغنية (لسه فاكر) التي لحنها رياض السنباطي. أم الدنيا... وأم المعارك لم يخطئ الإعلامي المصري الكبير حمدي قنديل عندما غادر الفضائية المصرية الأولى ومن بعدها قناة دريم وهرب إلى دبي، فالقناة المصرية الأولى قدمت سهرة الجمعة حصة سباق الزمن الجميل (أتحفت) فيه متفرجيها بعدد من الأغاني مثل (حاجة غريبة) وهي أغنية ثنائية مصورة من فيلم معبودة الجماهير من بطولة عبد الحليم حافظ وشادية. كما أن قناة دريم الأولى قدمت فيلما أمريكيا خادشا للحياء بعنوان The clain ودريم 2 قدمت حصة "يامسهرني" نزل فيها اللبناني يوري مرقدي وأدى أغنية (عربي أنا)... ولكنه عربي بالرقص. قناة المحور المصرية أكملت سهرة أول أمس بالبكاء على الفنان الكوميدي الراحل عبد المنعم مدبولي في رسالة مفادها أنه رحل في زمن الضحك، وكان بإمكانه تسليتنا في هذه الأجواء البيروتية. وللأسف، خرجت الفضائيات الإماراتية عن الصف المأمول، حيث سهر مشاهدو دبي مع فيلم مطول من بطولة نور الشريف كان معظمه عن العشق ومشتقاته. وقدمت قناة أبو ظبي، وربما لأول مرة، فيلما شبه خليع فيه الكثير من قبلات العشاق وعري وإباحية لا نشاهدها إلا في قنوات الجنس، ونكاد نجزم أن قناة أبو ظبي عبر هذا الفيلم سجلت سبقا إباحيا لم تسجله إلا بعض القنوات اللبنانية الوحيدة تقريبا التي كانت منشغلة بالحرب (من المنار إلى المستقبل إلى LBC) إذ فتحت استديوهاتها ونزلت تشريحا للوضع المأسوي وطبعا لكل رأيها واتجاهها العام. أما قنوات التسلية فلم تحرك أحداث لبنان شعرة من اتجاهها حيث بثت (ميلودي أفلام) فيلم أنت حبيبي، وقناة (هي) قناة المرأة العربية سهرة مطولة مع الفنانة الاستعراضية اللبنانية مادونا التي قالت إنها أول فنانة عربية لبست الفستان المشقوق إلى قمة فخذها، وتساءلت لماذا تظهر ملكات أوربا بالمايوه وتخجل ملكات جمال العرب عن التعري، كما ختمت اللقاء بالقول بأنها ملكة جمال الفنانات منذ 14 سنة... المشكلة أن (مادونا اللبنانية) قالت هذا والمنشطة سكتت، والسكوت أحيانا علامة رضا!! المقدمة تدعى (سوسن) والحصة بعنوان غريب (ملكة جوكس). الكارثة... في القنوات الدينية تأكد مشاهدو القنوات الدينية بما لا يدع مجالا للشك أن ما يتعاطونه هو عسل خليط بالعلقم وربما بالسم، حيث ناءت هذه القنوات بجانبها عن (كارثة لبنان)، فكانت "إقرأ" مشغولة بمجلة المرأة لصاحبتها عبلة كحلاوي والتي تناولت تساؤلات النساء حول (الخلع)، بينما قدمت (الرسالة) درسا عن غزوة بدر الكبرى وكان واضحا منه أنه (رسالة) لحزب الله بضبط النفس وعدم (المغامرة) كنصيحة سعودية خالصة، أما قناة "الحقيقة" فلم تكن حقيقة أصلا، حيث أكلمت مسلسل تقديم طرق الرقية الشرعية من المس، بالرغم من أن العرب مسّهم جن واحد اسمه إسرائيل!.. (المجد) أيضا كانت بعيدة عن اسمها فكانت منشغلة بقضية الصراعات ما بين الأزواج، وسهر مشاهدو فضائيات الموسيقى والكليبات كالعادة مع إليسا ونانسي وفنانات جديدات تنافسن بقوة على العري والإثارة فقط... وبقي السؤال عن اختفاء رواد القنوات الدينية المشهورين مثل عمرو خالد وحبيب الجيفري وطارق السويدان الذين أتقنوا السفر إلى كوبنهاجن، وصمتوا أمام ما يتعرض له حزب الله والإسلام عموما، وبقيت القنوات الدينية الشيعية مثل الأنوار تبث كلمة حسن نصر الله ورسائل المسلمين التي تدعو الله بأن يحفظه من المكروه الصهيوني. وحدها القنوات السورية والجزيرة والمنار وكل القنوات اللبنانية... وحدها أخذت المشاهد العربي وغسلت عاره من حوالي خمسمائة قناة عربية كانت فعلا منشغلة بالرقص وبالضحك... وهو ضحك كالبكاء كما قال شاعر العرب المتنبي.