بقلم محمد عباس هل المقاومة ممكنة؟ أم أن الاستسلام هو الاختيار الممكن الوحيد؟! مثل هذه الأسئلة المصيرية تفرض نفسها علينا جميعا حكاما ومحكومين وربما كان لصمت الحكام وتقاعسهم ما يبرره، بالنظر إلى موازين القوى الراهنة، والتفوق الساحق للأعداء الذي يفسر إرهاب الدولة الصهيونية التي تعبث بالديار وبالرقاب دونما حسيب ولا رقيب. لكن جماهير المحكومين ترى غير ذلك: أن المقاومة ممكنة دائمة مهما اختلت موازين القوى، كما تدل على ذلك تجارب الشعوب العربية ذاتها في فلسطين والعراق وأخيرا في لبنان. وهذا المنطق طبيعي وسليم إلى حد بعيد لعدة عوامل أهمها: 1- أن ظاهرة الاستعمار تعرف اليوم إعادة انتشار واسع بمختلف الأشكال والألوان، من أبسط المعاملات إلى أسمى العلاقات الدولية، ومازالت هذه الظاهرة تتحايل لتبرير استمرارها وتمويه أهدافها، بالأمس مثلا كانت تتستر تحت شعار "التمدين"، بينا تتبرقع اليوم بوشاح "الديمقراطية" الزائفة ! و"التمدين" بالأمس و"الديمقراطية" اليوم وجهان لعملة واحدة: عملة القوة المادية الهوجاء التي تحاول تدجين العالم كرها أو طواعية. 2-أن ما يجري في فلسطين، العراق وأخيرا في لبنان يؤكد أن اختيار القوة الذي يتعمده العدو لا يتيح من مخرج غير المقاومة بجميع الوسائل المتاحة، أو الاستشهاد بشرف إذا اقتضى الأمر. 3-أن التجارب الجارية في فلسطين والعراق ثم لبنان، تؤكد مر ة أخرى أن المقاومة ممكنة دائما، ويكفي فقط أن يتوفر لها قدر كاف من الإرادة المشتركة بين الحكام والمحكومين. والإشكال القائم في الساحة العربية اليوم، أن مساهمة الحكام في هذه الإرادة المشتركة الضرورية تكاد تنعدم تماما! ومن شأن هذا الخلل الجسيم أن يؤدي إلى أحد الاحتمالين: * أن يتعاظم تيار المقاومة الشعبية، ويخرج عن طوق الحكام إلى درجة أنه قد يجرفهم في طريقه. ويعني هذا الاحتمال قادة "دول الجوار" قبل غيرهم: مصر، الأردن، سوريا. * أن يجاري الحكام التيار بنية ترشيده عن طريق التوظيف الوجيه لعنوانه على الصعيدين السياسي والعسكري. وفي كلا الاحتمالين لا يمكن لموازين القوى إلا أن تتغير لصالح المقاومة مهما طال الزمن، أما إذا لم يحدث التجاوب المنشود بين تيار المقاومة والحكام، فإن الكلفة ستكون باهظة على الجميع، نظرا للطابع المزمن لمثل هذا الشكل من المقاومة، وتأثيره المحدود عموما على موازين القوى بصفة عامة. ومن البديهي أن الحل الأنسب لمعادلة المقاومة -الناجعة- يكمن في التجاوب الضروري بين الحكام والمحكومين.. وتدعونا بعض تجارب أمريكا اللاتينية إلى التأمل الجدي في هذا المجال، فبلدان هذه الرقعة من العالم تعاني من الجبروت الأمريكي على أراضيها، وقد أدرك بعضها أن المواجهة الناجعة لهذا الجبروت، تمر بالتعاون بين الحكومة وتيار المقاومة، لتجاوز وضعية استعمارية خانقة رغم أنها غير معلنة. ولعل هذا ما نشاهده في فنزويلا وبوليفيا على وجه التحديد، أما البلدان الأخرى على غرار كولومبيا حيث نلمس مثل هذا التعاون فيغلب على المقاومة فيها طابع الكفاح المزمن الذي يجنح أحيانا إلى الفوضى التي لا تعود بفائدة على أحد ونقصد بالإشارة إلى أمريكا اللاتينية بعض الحقائق مثل: 1-أن التصدي لقوة عظمى طاغية -بحجم أمريكا- ممكن جدا في إطار ثورة عالمية شروطها اليوم متوفرة أكثر من أي وقت مضى. 2-أن تعاون المستضعفين في الأرض يمكن أن يطيح بأعتى الامبراطوريات بدءا بإمبراطورية الولايات المتحدة التي تبدو أن نهايتها قد اقتربت، إستناد إلى مؤشر مظالمها التي تكاثرت بشكل محسوس في الأعوام الأخيرة. 3- إن العرب باعتبارهم في طليعة المستضعفين في الأرض بحكم العدوان المزمن المسلط عليهم في فلسطين والعراق ثم لبنان يمكن أن يتصدروا المقاومة العالمية، شريطة اجتماع الشعوب والحكام على كلمة المقاومة، ويبرهنوا بوضوح على إرادة حقيقية لذلك. وفي تقديرنا لو أن العدو لمس هذه الإرادة وجديتها، لتغيرت أشياء كثيرة في الشرق الأوسط، لأن قدرات المقاومة ووسائلها ورصيد شعوبنا منها معين لا ينضب، وبإمكانه أن يغرق الطاغوت الأمريكي الصهيوني عاجلا أو آجلا. ونعود إلى الجزائر لندعو مع المناضل عبد الحميد مهري إلى توظيف رصيدها الثوري، لتنشيط حركة عالمية جديدة باسم "حركة عدم الانصياع للاستعمار الجديد"! (*)وخلاصة القول أن قدراتنا على المقاومة، هي أحسن بكثير مما كنا عليه قبل 50 سنة. وإذا كنا قد استطعنا بإرادة جزائرنا أن نلحق الهزيمة بالاحتلال الفرنسي آنذاك، فبوسع الإرادة العربية أن تلحق الهزيمة بالاستعمار الأمريكي الصهيوني اليوم كذلك. * تدخله في الملتقى الأخير لوزارة المجاهدين حول "الإستعمار بين الحقيقة التاريخية والجدل السياسي".