"عقدة" الصهاينة.. أنهم لا يقبلون بشريك لهم في الحياة على الأرض.. وإن قبلوا يحرصون على أن يكون مسخّرا لنزواتهم.. "عقدة" صارت تتضخم وهي تتدحرج في كوامنهم عبر حركة التاريخ، جامعة كل أمراضهم وأدرانهم النفسية. بقلم: شعبان عبد الرحمن لسنا في حاجة لنذكّر بقراءة التاريخ للوصول إلى تلك الحقيقة.. ولكننا نذكر بأنهم إن كانوا هكذا ينظرون إلى البشر.. أي بشر غيرهم.. فإن نظرتهم أشد رفضا لكي يبقى عربي مسلم على ظهر الأرض.. ولئن كانت هناك دماء تجري في عروقهم فإنها مشبّعة بسموم قاتلة حارقة لذلك العربي، خاصة ذلك الذي ينغص عليهم حياتهم، وهو يدافع عن أرضه وعرضه ووجوده الذي التهموه كما تلتهم الأفعى ضحاياها. تواردت تلك الأفكار في رأسي وأنا أشاهد كغيري عملية إبادة الحياة في لبنان بكل ما تعني.. إنها ليست حربا.. فللحرب أخلاق وقيم يراعيها المتحاربون، لكن هؤلاء أدخلوا إلى القاموس لغة ومبادئ جديدة، تخجل الخسة والدناءة أمامها، وتتضاءل كلمات.. الوحشية.. والدموية.. والبربرية.. أمام أفاعيلها. في المشهد اللبناني الملتهب توقفت طويلا أمام ما جرى لأولئك الأبرياء من النسوة والأطفال في قرية "مروحين" الذين امتثلوا للإنذار الصهيوني بإخلاء القرية خلال ساعتين، فلجأوا سريعا إلى مقر الأممالمتحدة الذي أمهلهم ساعتين هي نفس مدة الإنذار ثم اعتذر عن استقبالهم ليهيموا على وجوههم.. في الطرقات هربا، وهنا تتجلى "العقدة" الصهيونية، فتنهمر عليهم الصواريخ من كل مكان لتشبعهم قتلا.. وفي نفس الوقت تشبع شربا من دمائهم البريئة! و"العقدة" دائما تتجلى وتبرز كالأفعى الجموح لحظة ضعف الضحية.. وهي تتحين الفرصة لمجيء تلك اللحظة. ومن يراجع سجل المذابح الصهيونية ضد العرب يكتشف بسهولة الأجواء التي ترتكب فيها الجريمة.. مذبحة "دير ياسين"، دارت وقائعها في الساعات الأولى من صباح يوم العاشر من أفريل 1948م، بينما كان الضحايا نائمين، حيث داهمتهم فرق الموت الصهيونية من منظمة "الهاجانا" وأعملت فيهم آلة القتل حتى أشبعت عقدتها قتلا وارتواء من دماء أكثر من 250 من الأطفال والمدنيين الأبرياء الذين تحولت جثثهم إلى قطع وأشلاء. ثم راح المجرمون يدفنون ضحاياهم ليسجلوا الفصل الأخير من "احتفاليتهم" الدموية التي امتلأوا فيها نشوة وطربا.. حتى قال قائدهم ينشورين شيف بعد المذبحة معبرا عن حالة "الشبع الكبير" لكل عقَدِه: "كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع.. وكانت أشجار اللوز قد اكتمل تفتح زهرها، ولكن رائحة الموت الكريهة كانت تأتي من كل ناحية في القرية". نفس السيناريو جرى مع مذبحة كفر قاسم.. وغيرها وغيرها في فلسطين، ثم مذبحة صابرا وشاتيلا، وقانا، ومروحين وصور، والبقية تأتي في لبنان. أسلوب التنفيذ واحد.. وهو أخذ الضحية على حين غرة وهي مجردة من أي سلاح للدفاع عن نفسها، ثم إعمال القتل فيها بلا رحمة وفق أبشع أساليب التشفي؛ استجابة لكل "عقد" الحقد وإطفاء للظى ناره المستعرة في قلوب الصهاينة. يتساءل المرء: القتل في الحروب وارد.. لكن في كل المذابح التي مرت بفلسطين ولبنان، القتل فيها يتم وفق كل طقوس النذالة والخسة والغدر.. في أجواء وبطريقة مشبعة بالتشفي من قبل نفسية مسكونة ببراكين الغضب ضد أناس أبرياء. ليس هناك لغز في الأمر، فكل ما سبق الكلام عنه هو التفسير الموضوعي لحقيقة النفس الصهيونية ودواخلها المليئة بالعقد نحو كل ما هو عربي، وهو في الوقت نفسه شرح لتلك "العقيدة" الفاسدة التي تشكل تلك النفسية.. عقيدة قائمة على حشد هائل من نصوص التلمود والتوراة المحرَّفة، التي يرضعها اليهودي صغيرا في "الجيتو" مع صدر أمه، وينفث سمومها على خلق الله خاصة العرب عندما يشب عن الطوق. وفي التلمود المحرف: "إن اليهودي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، وإن اليهودي جزء من الله! فإذا ضرب أممي إسرائيليا فكأنه ضرب العزة الإلهية! والفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق بين اليهود وغير اليهود". "لتنزل وراء الفلسطينيين ليلا وتنهبهم إلى ضوء الصباح ولا تبق منهم أحدا" (سفر صموئيل: الإصحاح 14). "الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها" (سفر العدد: الإصحاح 31). ويقول جابوتنسكي مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية، مخاطبا كل يهودي: "كل إنسان على خطأ، وأنت وحدك على صواب.. لا تحاول أن تجد أعذارا من أجل ذلك، فهي غير ضرورية وغير صحيحة.. لا توجد في العالم إلا حقيقة واحدة وهي بكاملها ملكك أنت". وأخيرا: "إن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين يستبقون أشواكا في أعينكم، ومناخس في جوانبكم" (سفر العدد: الإصحاح 33). هل مازلنا في حاجة إلى مزيد من التفصيل ؟!