كشف صندوق النقد الدولي في تقرير حول الاقتصاد الجزائري، أن تسيير المنظومة المصرفية الجزائرية يتم بطريقة غير عقلانية، مضيفا أن الطريقة المنتهجة تهدد بكارثة اقتصادية واجتماعية، في حال عدم إعادة النظر السريع في آليات تسييرها، مضيفا أن بنك الجزائر فشل في تحمّل مسؤولية تسيير التضخم الذي يعتبر سرطان الاقتصاد، ولا يتحمل مسؤولية كبح جماحه سوى البنك المركزي المخولة له صلاحية تحديد السياسة النقدية والتحكم في التسيير الجيد لمعدلات التضخم. وكشف التقرير الموجه لبنك الجزائر، أن معدلات التضخم الحقيقية في الجزائر تتجه نحو مستويات خطيرة يصعب التحكم في عواقبها الاقتصادية والاجتماعية في حال عدم إسراع القائمين على السياسة النقدية (البنك المركزي) إلى فرض سياسة حكيمة، بعدما قفزت معدلات التضخم من 1.38 % سنة 2005 إلى 2.31 سنة 2006 ثم 3.86 سنة 2007 و5.74 % السنة الماضية، وهو ما اعتبر بمثابة قفزة خطيرة جدا على الاقتصاد الوطني بالنظر إلى معدلات الفائدة الاسمية التي تطبقها البنوك التجارية على زبائنها والتي نزلت من حوالي 7 % سنة 2004 إلى حوالي 4.5 % سنة 2009، وهذا يعني خسارة كبيرة في التعاملات المصرفية، مما أدى إلى دفع الاقتصاد الوطني إلى أن يصبح اقتصادا وهميا مبتعدا شيئا فشيئا عن الاقتصاد الحقيقي، نتيجة الزيادة غير الطبيعية في معدلات التضخم بدون زيادة مماثلة في معدلات الفائدة الاسمية، وهو ما كان وراء انخفاض معدل الفائدة الحقيقي، ومن تم انخفاض في القيمة الحقيقية للتعاملات الاقتصادية الوطنية لأن معدل الفائدة الاسمي المطبق في الجزائر حاليا يوجد في مستوى أقل من مجموع معدل التضخم والفائدة الحقيقية. ويبلغ عدد الحسابات البنكية 20 مليونا بين البريد والبنوك، بالإضافة إلى 4 ملايين حساب بالعملة الصعبة، تشمل الادخار المؤسساتي والادخار الفردي. وانتقد الصندوق لجوء البنوك العمومية إلى تطبيق معدلات فائدة أقل في بعض المرات من معدل التضخم، وهذا يعني أن البنوك العمومية في الجزائر تحقق خسائر بدل الربح الذي تعتقد أنها تحققه ظاهريا، فإذا كان المتوسط الإجمالي لمعدلات الفائدة مساويا ل5.5 % ومعدل التضخم 5.7 بالمائة، فهذا يعني أن معدل الفائدة الحقيقي يوجد في مستوى سلبي عند ( - 02 % )، وهو واقع أغلب البنوك العمومية، خاصة مع السيولة العالية لدى البنوك التجارية، ويعني عدم استغلالها اقتصاديا، أنها تفقد قيمتها الحقيقية وتنجر عنها خسائر كبيرة لا تقل عن 220 مليار دج في السنة على أساس معدلات السيولة الحالية بدون حساب الأرباح المحتملة في حال التوظيف الجيد للسيولة، بالإضافة إلى أن تلك السيولة الفائضة لم تستخدم في التمويل الأمثل للاقتصاد الذي يعتبر الأضعف بالمقارنة مع تونس والمغرب، حيث بلغ معدل الادخار بالجزائر بالنسبة للناتج الداخلي الخام 57.8 % سنة 2008 ثم 49.9 % السنة الفارطة، ولم يتم توظيف سنة 2008 سوى 19.8 بالمائة، و28 % سنة 2009، في حين بلغت نفس النسب بالمغرب على التوالي31 % ثم 29.9 % على التوالي، وتم استخدام 36.3 % لتمويل الاستثمار في نفس السنة ثم 34.3 % السنة الماضية، بمعنى أن المغرب يوظف أفضل الادخار الوطني، وهو ما دفع الناتج الداخلي الخام ينمو بنسب أقل بالمقارنة مع تونس والمغرب رغم وفرة الموارد المالية بالنسبة للحالة الجزائرية، نتيجة نقص الفعالية لدى المنظومة المصرفية الجزائرية، ومع ذلك يبقى بنك الجزائر يتفرج على الوضع، عوض لجوئه إلى تطبيق إستراتيجية نقدية واستغلال السوق المفتوحة لترشيد السيولة الهائلة بإصدار سندات خاصة لامتصاصها كما هو معمول به عالميا، وهو ما يوضح أن بنك الجزائر يسير بدون إستراتيجية لتفادي الخسائر الضخمة التي يتكبدها الاقتصاد الجزائري، من جراء عدم التحكم في التضخم، وثانيا من خلال الإهمال في الاستغلال الأمثل للسيولة الفائضة، وثالثا في النتائج غير المقبولة التي تسببت فيها المنظومة المصرفية بالنسبة للمواطنين المدخرين، نتيجة فرض فوائد ادخار أقل من نسبة التضخم بمعنى أن أموالهم المدخرة تفقد من قيمتها الشرائية لمدخراته بما يعادل معدل التضخم.