على بعد 10 كلم من عاصمة ولاية سوق أهراس، تنام قرية عين سنور وفي أحضانها امرأة اسمها فريدة تخلى زوجها عنها بسبب مرض أنهك أعصابها ورمى معها أبناءه، ولم تأخذ الحمية أخاها.. رفضت دار العجزة إيواءها لصغر سنها ورفض القائمون على مستشفى الأمراض العقلية بعنابة استقبالها، لأن وضعها الصحي لا يستدعي ذلك، وهي الآن مضطرة للبقاء في "زنزانتها" في انتظار أن تشيخ أو تجن. بشارع عتيق عبد الله تقع زنزانة المعذبة المغبونة فريدة لولو.. ذات الأربعين سنة من العمر، كل يوم يحكي تفاصيل مرة من حياة هذه السيدة التي وضعتها الأقدار بين أيدي إخوة غير مبالين.. ففي سنة 1970 جاءت فريدة إلى الحياة بإحدى قرى بلدية الحنانشة، تربت وترعرعت مع إخوانها وأخواتها في وسط ريفي في كنف الوالدين لتتزوج بعدها فريدة من أحد أبناء المنطقة، وبعد مدة بدأت معاناة هذه الشابة بظهور أعراض الاضطراب النفسي عليها فأنجبت 5 أطفال.. بدأت بعدها رحلة العلاج بتعاطي أدوية مسكنة لتهدئة الأعصاب، لكن زوجها تهرّب من المسؤولية وتخلى عنها وبين أحضانها رضيعة حديثة الولادة لم يتعد عمرها 40 يوما رماها هي أيضا. المعذبة فريدة لم تجد من بين إخوتها إلا أختها رمانة وزوجها رابح اللذان تكفلا بالطفلة نورة وطرقوا جميع الاتجاهات لتأمين حقوقها، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، لكن هذه الظروف لم تمنعهم من تربية الطفلة وكأنها ابنتهم أو أكثر، فقد كبرت والتحقت بالمدرسة.. لكن ولأن شقيقتها تعاني من اضطرابات نفسية قررت فريدة الرحيل الى بيت أخيها بعاصمة الولاية فلم تجد هناك غير الوحدة، تحصلت على بطاقة معوقة ذهنيا بنسبة 100 بالمائة، جالت وصالت بين منازل أخواتها البنات ولم يستطع أحد أن يحتملها، رجعت إلى منزل والدتها تعيش على صدقات المحسنين والجيران، لكن وضعها الصحي ازداد سوءا يوما بعد يوم بسبب التذبذب في العلاج الذي تأخذه تارة وأغلب الأوقات تنساه بسبب عدم الرعاية، خاصة بعد مرض أختها التي كانت تتكفل بها في السابق.. لتجد نفسها في نهاية المطاف تعيش داخل غرفة مظلمة في قبو منزل أشبه بخم الدجاج بها نافذة وباب مغلقين بإحكام.. فريدة أنزلها شقيقها مدة 3 سنوات داخل هذه الزنزانة دون أن تعترض على الوضع، وازدادت حالتها تعقيدا أنها لا تتعاطى الدواء.. فريدة تتحدث إلى الجدران ويؤنسها في وحدتها بساط تفترشه وآخر تحمي به جسمها من البرد ووعاء بلاستيكي تقضي فيه حوائجها البيولوجية ويبقى لأيام كثيرة داخل الغرفة مما يؤثر على صحتها.. هذا ما تملكه فريدة في الغرفة.. وهي لا تأكل إلا من المحسنين.. فريدة قبل 4 سنوات توجهت إلى مراكز المسنين والعجزة بسوق أهراس، لكنها رفضت جميعا استقبالها بسبب صغر سنها، فكانت الوجهة الموالية إلى مستشفى الأمراض العقلية بمدينة عنابة، لكنها أيضا رفضت إيواءها بسبب عدم مرضها فلم تشفع لها بطاقة الإعاقة الذهنية بنسبة 100 بالمائة عند مسؤولي هذا المرفق الصحي والذي كان بإمكانه أن ينتشلها من إمبراطورية تسيرها القوانين العرفية التي يحددها أهل ويورثوها لأبنائهم، وتبقى فريدة الجريمة المسكوت عنها في ولاية سوق أهراس والتي يشارك فيها الجميع، والحل في إخراجها من قلعة التعذيب هو نقلها إلى مستشفى الأمراض العقلية حتى لا تموت، وبعدها للحديث بقية.