الأم تتابع تآكل أبنائها والحديث عن ملابس العيد والدراسة غير موجود في قاموس العائلة عندما وجه إمام مسجد عقبة بن نافع بالدريعة في سوق أهراس نداءه المتضمن وجود عائلة فقيرة تحتاج المساعدة، لم تكن ''النهار'' مثلها مثل أهل المنطقة تتوقع بأنها ستقف على حقيقة مرعبة من أسرة جزائرية تنام وتستيقظ على تلك المشاهد، نخرها المرض ولطمتها الحاجة ولم يسمع أنينها الخافت أحد... إنها عائلة جل أبنائها مصابون بمرض غامض ومجهول أنهك قواهم وفتت أجسادهم، فصدم الكثير ممن رأوا حجم المعاناة إلى درجة أن الكثير منهم لم يستطع الإفطار رغم تعب ومشاق الصيام. بدعوة من أهل البر والإحسان، توجهت ''النهار'' إلى مقر هذه العائلة التي تقطن بيتا قصديريا على أطراف مقر بلدية الدريعة بمحاذاة حي 20 أوت، كانت الساعة تشير إلى الثالثة ونصف مساء ال27 من رمضان، عندما أطلت علينا البنت هاجر بجسمها النحيف المشوه وهي ترحب بنا وتدعونا لدخول المنزل. البيت عبارة عن غرفة واحدة مظلمة، أشبه بقبو لا يتسع لعائلة لأكثر من شخصين فما بالكم بعائلة البطال: ذيب محمد المتكونة من 5 أطفال والزوجة والأب. كانت الأم سالمة ''41 سنة'' تعد بعض حبات حلوى العيد لأبنائها، إنها صدقات المحسنين من أبناء الدريعة، أرادت أن لا تحرم أبناءها من نكهة عيد الفطر رغم معاناتهم إنهم 3 ذكور حمزة، 19 سنة، زكرياء 13 سنة، إسلام، 7 سنوات وبنتان هاجر 17 سنة ومريم سنتان، وتقول الأم بأن بنت ثالثة اسمها خولة توفيت بعد عام من مولدها... إنها قمة الألم، بل إنه الألم في حد ذاته يستقر في نفوس أفراد هذه العائلة، إنها دوامة العذاب المستمر الذي تعيشه عائلة السيد محمد ذيب خاصة حرمه السيدة سالمة التي لم تعد تعرف للنوم طعما ولا تعرف شفتيها الابتسامة منذ سنوات. هاجر ابنة ال17 سنة تبدو وكأنها ابنة 4 سنوات الشابة -عفوا- الطفلة هاجر، ذات ال17 ربيعا تبدو وكأنها ذات 4 سنوات، جسم نحيف مشوه، دم يسيل من مناطق مختلفة من جسمها، أصابعها تآكلت، ورغم هذا فالابتسامة لا تفارق محياها، تتألم في صمت، بل وتسارع للتخفيف من آلام إخوتها. تقول الوالدة أن ابنها البكر حمزة ولد سليما معافى، وقد التحق بداية شهر رمضان بالخدمة الوطنية، لتأتي بعده هاجر التي ظهرت على جسدها منذ ولادتها بقع دامية، تطورت هذه البقع وكبرت معها إلى أن أصبحت معاقة 100 بالمائة، حيث أن هاجر لا تتوقف عن الحك المدمي. زكرياء 13 سنة ولكنه صبي في المهد وجاء بعدها زكرياء ذو ال13 ربيعا، لكنه يبدو ابن سنتين أو ثلاث، لا يغادر فراشه، وهو مثل أخته هاجر في صراع دائم مع الحك والذباب، حيث أننا عشنا معهم لحظات نقارع الذباب، خاصة وأنهم يقطنون في ظروف تنعدم بها أدنى شروط الحياة الصحية .. عندما يتحدث زكرياء تحس بالنضج، فهو خجول راض بقدره، استجمع قواه ووقف من على فراشه من أجل أن نلتقط له صورة، وفجأة بدأ يحك ظهره فتدفقت الدماء وحام حولها الذباب، إنها معاناة دائمة مع المرض وآلامه. وأهم ما يحز في نفس زكرياء ، هو عدم ذهابه للمدرسة التي لم يجلس على مقاعدها قط مثله مثل أخته هاجر، والسبب هو المرض وتلك التشوهات التي تهز مشاعر الناظرين. مريم سنتان من العذاب والمرض يصيب أحشاءها مريم ذات العامين جاءت أيضا لهذه الدنيا وهي تحمل معاناة مماثلة، بل أكثر من ذلك أن هذا المرض الخطير ينخر الطفلة من الداخل، حيث لاحظنا في فمها وحلقها أثار الإصابة، ناهيك عما هو ظاهر على أطرافها. ولا تتوقف هذه الرضيعة عن البكاء، وذلك ما يزيد من حجم معاناة العائلة. وتقول الوالدة أنها أنجبت حمزة البكر سليما بالإضافة إلى اثنين آخرين، لكن ابتلاءه سبحانه وتعالى بدأها مع هاجر ثم زكرياء ومريم، إنها معاناة زواج السيدة سالمة ذيب من ابن خالها السيد ذيب محمد، قد يكون زواج الأقارب هو مصدر هذا الداء، لكن كل هذا ليس مبررا لترك أبرياء يعانون لوحدهم، دون تكفل من أي جهة كانت، ففي الوقت الذي يعيش فيه الأطفال فرحة الدخول المدرسي وحلول عيد الفطر المبارك لم يدخل أبناء محمد المدرسة ولم ينعموا بثياب جديدة احتفاء بالعيد، بل حتى الثياب الرثة الموجودة ملطخة بالدماء التي تتدفق من أجسادهم المنهكة بسبب هذا المرض الخبيث الذي عجز أطباء سوق أهراس عن تشخيصه. أما الأصابع فقد تآكلت، وبدت وكأنها زوائد في كتلة لحمية، وكذلك بالنسبة للأرجل، حيث يصعب الوقوف عليها، وكلما خطوا خطوة نزف الدم. رحلة العذاب بعد سنتين من الزواج تقول الأم، سالمة، أن رحلة العذاب هذه انطلقت بعد عامين من إنجاب حمزة، أي مباشرة بعد نزول هاجر إلى الوجود، وكانت العائلة وقتها تقطن منطقة العقلة النائية المعزولة على الحدود مع ولاية تبسة، ثم رحلت إلى مقر بلدية تاورة، تقربا للمصحات والأطباء، لكن ذلك لم يجد نفعا، واستمرت المعاناة دون مجيب أو مغيث، وما زاد من تدهور الأوضاع أن الأب بطال اللّهم بعض النشاطات القليلة في ورشات البناء لحمل أكياس الإسمنت والحجارة. أين المنتخبون، ومن يتظاهرون بالبكاء على الشعب المغبون؟ سؤال يتبادر كثيرا على ألسنة كل من رأى حالة هاجر، زكرياء ومريم.. أين هم أولائك الذين يتشدقون بخدمة أبناء هذا البلد؟ أين نصيب هؤلاء البراعم من رعاية الدولة؟، أين هي مديرية النشاط الاجتماعي التي اكتفت بمنح هاجر وزكرياء بطاقتي إعاقة 100 بالمائة لكل منهما وفقط؟. أين هو نصيب هؤلاء من برامج التضامن الوطني؟، كلها أسئلة يتداولها أبناء بلدية الدريعة، وكل من اطلع على وضعية عائلة السيد: ذيب محمد.. قد يجيب أحدهم بأن لا علم له بهذه الحالات، لكن لسان حال المواطنين يقول إن إمام مسجد عقبة ابن نافع بالدريعة أعلن عن وضعية هؤلاء، فأين هم منتخبو الدريعة ومسؤولوهم لتبليغ معاناة هذه العائلة للجهات المعنية.. ؟ السيدة سالمة التي جفت الدموع من عينها، وذهب الزمن بالنعاس من مقلتيها، لم تجد ما تقوله عبر ''النهار'' سوى مناشدة القلوب الرحيمة أن تساعدها على التكفل بعلاج أبنائها.