يتناول الشاعر احمد عبد الكريم في كتابه الأخير "اللون في القرآن والشعر" الصادر عن منشورات جمعية البيت للثقافة والفنون، موضوعا جديدا لم يسبق التطرق إليه، وهو أثر اللون كعنصر تشكيلي وكمعطى بصري وجمالي على الشعر العربي القديم خاصة.. * إذ ينطلق من حقيقة مؤداها أن المعلّقة هي منجز تشكيلي ظهر مبكرا في بيئة عربية جاهلية تعتمد على الشفاهية، وهو أمر ذوو دلالات كبيرة لم ينتبه إليها كثير من الدارسين.. * يؤكد الكاتب في المقدمة بأن "الحس التشكيلي والشعري المزدوج هو الذي شغل جزءا كبيرا من اهتمامي وأدى بي إلى البحث عن كل ما هو تشكيلي لوني في الشعر، وكل ما هو شعري في التشكيل، بل أكثر من ذلك انعكس ذلك على تشكيل الصورة الشعرية عندي كشاعر..". * يضم الكتاب مجموعة من الدراسات كتبت في فترات متباعدة، ولكن ليس هناك ما يفرقها بقدر ما هناك ما يجمع بينها، إذ تتناول كلها، كل بحسب النص أو الشاعر الذي تعرضت له، حضور اللون في الشعر العربي وتحليل الشواهد للوصول إلى مدى تفضيل الشاعر لهذا اللون أو ذاك. * حمل القسم الأول من الكتاب عنوان: بلاغة اللون في القرآن والشعر، وفيه تحدث المؤلف عن معاني الألوان في القرآن الكريم. ذلك أنها وردت على سبيل الوصف والكشف أحيانا، وعلى سبيل الإعجاز الإلهي أحيانا أخرى. وبالرجوع إلى تفاسير القرآن الكريم نجد أن كل التفاسير تحيلنا على شواهد من الشعر العربي. * أما في القسم الثاني: شعريات اللون، فقد تناول المتنبي عاشقا للون الأسود، حيث أشار من البداية إلى شغفه الكبير باللون الأسود، فكأن المتنبي لم يبصر من الألوان إلا الأسود، ولذلك نجد اللون الأبيض عنده ينزاح نحو الأسود، بما فيه تلك الأشياء التي ارتبطت بالأبيض مثل الثلج والشمس والشيب.. وهذا الاختيار من قبل المتنبي إن دل على أمر فإنما يشي بنفسيته العميقة ومزاجه السوداوي. * وعلى غرار شاعر آخر ولد أعمى، هو بشار بن برد الذي كان يتلقى المدركات البصرية بما فيها الألوان من خلال حديث الآخرين، وكان أن تحوّلت الأذن عنده إلى العين التي يرى بها العالم. * أما القسم الثالث: شاهد اللون، فقد تضمن دراسة خصصها للبحث عن الشواهد اللونية التي أوردها عبد القاهر الجرجاني في كتابه "أسرار البلاغة" في معرض حديثه عن الاستعارة والتشبيه والتمثيل وأثر كل ذلك في التصوير الشعري، مركزا بشكل ملفت على شعر ابن المعتز الذي يبدو تأثير الألوان كبيرا في شعره نظرا لأن شعره مليء بالصور اللونية المأخوذة من الطبيعة. * وفي القسم الرابع دراسة أخرى خصصها للبحث في مقامات الواسطي كمعادلات تشكيلية لمقامات الحريري النصية، والتي شكلت تجربة تأسيسية في التشكيل العربي أو لقاء مبكرا بين ما هو أدبي لغوي وما هو تشكيلي. * وكان آخر أقسام الكتاب يتناول تجارب جديدة لبعض الفنانين التشكيليين العرب في مقاربة الشعر بالاعتماد على عناصر التشكيل، وكيف يتحول النص الشعري إلى منجز تشكيلي بصري يعتمد على اللون من ضمن ما يعتمد عليه من عناصر. * وفي قسم الملاحق يتضمن الكتاب ملحقين، أولهما مقتطف من كتاب "مفرّح النفوس" لمؤلفه بدر الدين المظفر ابن قاضي بعلبك، وهو الجزء الخاص بالألوان وتأثيرها، الذي جاء في الباب الثالث، عن اللذة المكتسبة للنفس من طريق حاسة البصر. وملحق آخر هو حكاية من قصص "ألف ليلة وليلة" وهي حكاية: "الجواري المختلفة الألوان، وما وقع بينهن من * المحاورة".