يعتبر الإرهاب ظاهرة العصر التي يعاني منها الفرد والمجتمع والدولة. * وبالرغم من أن الظاهرة قديمة قدم البشرية وعرفتها الإنسانية منذ العصور القديمة، إلا أنها في العقود الأخيرة انتشرت بسرعة فائقة جدا وأصبحت أداة من أدوات الممارسة السياسية ووسيلة تستعمل لطرح القضايا والمطالبة بالحقوق والوصول إلى الرأي العام المحلي والدولي، كما أصبحت بامتياز وسيلة لإدراك الرأي العام والتأثير في صناعة القرار. ما هي العلاقة يا ترى بين وسائل الإعلام والإرهاب وكيف تتصرف المؤسسات الإعلامية والقائمون عليها مع ظاهرة معقدة لها انعكاسات وتداعيات عديدة وخطيرة على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات. * أزمات عديدة عاشتها الشعوب والدول والبشرية جمعاء خلال العقود الأخيرة. فمن الحروب إلى الفيضانات إلى الاحتباس الحراري إلى التغيّر المناخي إلى الكوارث الطبيعية المختلفة إلى العمليات الإرهابية إلى الأمراض والأوبئة الفتاكة والقائمة قد تطول. كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة؟ أم تحاول أن تقدم حلولا لها أم أنها تسيّسها وفق مصالح جهات معيّنة قد تكون السلطة، أو المعارضة، أو جهات مالية...الخ. هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطا معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل هناك قرارات أخلاقية يلجأ المحرر ورئيس القسم ورئيس التحرير ومدير التحرير إلى اتخاذها نظرا للرهانات والانعكاسات والتداعيات العديدة التي تتميز بها كل أزمة. * تطرح معادلة الإرهاب والإعلام والسلطة مشكلة الوطنية وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على مبنر يحقق لهم العلنية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام محليا ودوليا. أين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة وهل لا يوجد هناك تعارض ما بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة؟ وهل لا يوجد هناك تعارض بين الوطنية من جهة والبحث عن السبق الصحافي والإثارة من جهة أخرى؟ * هناك صعوبة في تحديد الإطار المنهجي والنظري والقيمي الضابط للعمل الإعلامي، وخصوصا التغطيات الإخبارية والإعلامية اليومية لأنشطة ومطالب الجماعات الإرهابية المحلية والعالمية. من هنا تواجهنا عدة تساؤلات وإشكاليات منهجية يصعب تحديد إطارها والإجابة عنها بشكل دقيق، وذلك نظرا لطبيعة العمل والدور الوظيفي الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام الجماهيري في خدمة المجتمع، وكذلك طبيعة التشريعات والقوانين وأخلاقيات العمل الإعلامي المعمول بها. فما العلاقة - إن كانت هناك علاقة - بين وسائل الإعلام والإرهاب؟ ولماذا يركز الإرهابيون دائما على استغلال وسائل الإعلام للوصول للرأي العام المحلي والدولي؟ كيف يجب أن تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الظاهرة؟ هل بالتغطية أم بالتعتيم؟ وهنا نواجه إشكالا أخلاقيا عويصا ومعقدا: هل إذا قمنا بتغطية الأحداث الإرهابية نخدم الرأي العام أم أننا نخدم الإرهابيين؟ وهل التغطية تفيد في شيء الرأي العام؟ كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تحدد متى يجب تغطية حادث أو واقعة ومتى يجب المقاطعة وعدم التغطية؟ وإذا تقرر تغطية الخبر كيف يجب أن يُعالج وبأي طريقة وما هي الجوانب التي يجب التركيز عليها والجوانب التي يجب تجاهلها؟ متى يجب على الصحافة ووسائل الإعلام الالتزام بكتمان معلومات وأخبار إذا تسربت ونُشرت قد تؤدي إلى انعكاسات وخيمة؟ هذه التساؤلات والاستفسارات يطرحها كل رئيس تحرير ورئيس قسم ومسؤول في مؤسسة إعلامية عندما يتعلق الأمر بتغطية الأحداث والوقائع الإرهابية؟ الموقف أخلاقي بالدرجة الأولى ويتطلب القرار الرشيد والمسؤول قبل كل شيء. * لو نفترض أن عملا إرهابيا ما لم ينال اهتمام وسائل الإعلام المختلفة ولم يحظ بأية تغطية تذكر، فهذا يعني أن الحدث كأنه لم يكن وبذلك فلا أثر للعمل الإرهابي لا على الناس ولا على الجمهور ولا على الرأي العام ولا على صانعي القرار والمسئولين والسياسيين ولا على الرأي العام الدولي والمنظومة الدولية. فمصير الإرهاب بدون وسائل الإعلام هو التوقف والأفول. فما يريده الإرهابيون من وسائل الإعلام هو الحضور الإعلامي والتغطية الإعلامية التي تركز على الإثارة وعلى نشر الذعر والخوف ونشر حالة من الرهب بين الناس وحثهم على محاولة معرفة ماذا حدث ولماذا حدث وما هي الدوافع والأسباب وما هي المطالب وما هو عدد الضحايا وما هي الخسائر المادية...الخ. فبالنسبة للإرهابيين، الأعمال الإرهابية هي الوسيلة الوحيدة لإثارة اهتمام الناس والرأي العام وصانع القرار حتى يسمع الجميع عنهم ويعرف مشاكلهم وقضاياهم ومطالبهم. الإشكال المطروح هنا أن وسائل الإعلام في العصر الحديث وفي المجتمعات الديمقراطية لا تستطيع أن تقاطع تغطية الأعمال الإرهابية، لأن دورها في المجتمع، وعملا بمبدإ حق الجمهور في المعرفة، هو إخبار وإبلاغ الجمهور والرأي العام بكل الأحداث والوقائع محليا ودوليا. من جهة أخرى، لا تستطيع الدول الديمقراطية أن تتدخل في شؤون وسائل الإعلام وتضغط عليها للعزوف عن تغطية الأعمال الإرهابية وهذا عملا بمبدإ حرية الصحافة. * هناك ثلاثة أهداف تعمل على تحقيقها الجماعات الإرهابية من خلال التغطية الإعلامية لأعمالها الإرهابية: أولا، الحصول على الاهتمام من خلال نشر الخوف والرعب وعدم الأمن والاستقرار بين الجماهير المستهدفة. وكذلك كشف ضعف وعقم وعدم قدرة الحكومة المستهدفة على حماية مواطنيها من الإرهاب. ثانيا، تهدف هذه الجماعات ومناصروها إلى الحصول على الاعتراف بمطالبها وأطروحاتها وقضاياها. أما الهدف الثالث للجماعات الإرهابية الدولية، هو الحصول على درجة من الاحترام والشرعية في المجتمعات المستهدفة. * فيما يتعلق بموضوع الاهتمام فإن أي عمل إرهابي يستقطب اهتمام وسائل الإعلام من جهة، وبدرجة أكثر اهتمام الجمهور من جهة أخرى، حيث أنه يصبح أسير وحبيس كل ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة وخاصة المرئية منها عن تفاصيل الحدث الإرهابي. هذه الأخبار والمعلومات تصبح ذات أهمية قصوى بالنسبة للجمهور. من جهة أخرى، تعتبر وسائل الإعلام هي المؤسسات الوحيدة ذات الإمكانات والقدرات لجمع الحجم الكبير من المعلومات ونشرها في أسرع وقت. هذه المعلومات تكتسي أهمية حيوية وقصوى ليس للجمهور فقط وإنما للمؤسسات الخاصة والعامة. وعندما يصبح الجمهور على دراية بالعمل الإرهابي يصبح يبحث عن المعلومات وتفاصيلها عن طريق الرجوع إلى محطات الإذاعة والتلفزيون والجرائد على مدار الساعة لمعرفة آخر التطورات وآخر التدابير لمواجهة العمل الإرهابي. هذه العلاقة الحميمة بين الجمهور ووسائل الإعلام وهذا الاعتماد على وسائل الإعلام تؤكده زيادة مبيعات الجرائد والمجلات والإقبال الكبير جدا على مشاهدة القنوات التلفزيونية والاستماع إلى المحطات الإذاعية عندما تنفذ العمليات الإرهابية. * إن التغطية الإعلامية التي تحظى بها الأحداث الإرهابية والمقابلات التي تجريها القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف والمجلات مع رؤساء ومسئولي الجماعات الإرهابية وقادتهم،تقدم خدمة جليلة تتمثل بالاعتراف بهم وبمطالبهم حيث يصبحون في مرتبة السياسيين وصنّاع القرار وصناع الأخبار في أوساط الجمهور والرأي العام، وتصبح لديهم علانية وحضور إعلامي وحضور في أذهان وأفكار الناس وفي الرأي العام. وهذا ما يعني أنه ومن خلال تغطيتها للأحداث الإرهابية بطريقة تتسم بالإثارة والإطناب والتفاصيل والسبق الصحفي تقدم وسائل الإعلام الإرهابيين ومطالبهم للرأي العام، ما يعني الاعتراف بهم وبقضيتهم وأطروحاتهم وحججهم. فبالوصول إلى وسائل الإعلام وإلى الرأي العام لا يختلف الإرهابي عن رئيس الحزب السياسي أو الوزير أو العضو في البرلمان. حيث أنه يدخل في اتصال مباشر مع الجمهور ويطرح قضيته ورؤيته للأمور ووجهة نظره وحلوله وأفكاره. ومن دون أدنى شك سيجد هناك بين الملايين من يتعاطف معه أو من يشاطره الرأي، خاصة من بين هؤلائك المهمشين أو المحرومين أو الفاشلين في حياتهم. هذه الفئة تثأر لنفسها بمناهضة النظام القائم والسلطة وكل مؤسسات الدولة والتعاطف مع الإرهابيين، حيث ترى فيهم الوسيلة لتغيير أوضاعه وحل مشاكله. وسائل الإعلام تعطي إذن الصبغة الإنسانية للجماعات الإرهابية، كما تعترف بهم كفاعلين في النظام السياسي لهم قضايا ومشاكل يطرحونها ولهم وجهات نظر وحلول لهذه المشاكل تختلف عن الأطروحات الرسمية للنظام ولمؤسساته المختلفة.