اقتصاد قائم على المعلوماتية من ملامح ظاهرة المعلوماتية هو قيام نظام اقتصادي جديد إذ يمكن القول أن الاقتصاد العالمي قد تحول بشكل كبير إلى نظام جديد يعتمد أساسا على المعرفة البشرية، فبعد أن كان الاقتصاد السابق يرتكز على القوة البدنية والآلات الصناعية والمواد الخام أصبح اليوم مسيرا بواسطة الماكنة المعلوماتية، ففي المجتمع المعلوماتي تزداد قيمة الشيء بالمعرفة لا بالجهد، وإذا كانت النظرية في السابق تعتقد أن العمل كأساس للقيمة فإننا نواجه الآن ضرورة صياغة نظرية في المعرفة كآساس للقيمة، وقد استخلص اقتصادي أمريكي يدعى «ادوارد دينيسون» أن ثلثي النمو الاقتصادي الأمريكي نتج من تقدم معارف القوة العاملة ورفع مستوى قدراتها من التصنيع إلى صناعة التفكير، فالمجتمع المعلوماتي هو حقيقة اقتصادية وليس تجريدا فكريا، فمع تقدم المجتمع المعلوماتي أصبح لدينا اقتصاد يعتمد على مورد أساسي ليس متجددا فحسب بل قابلا للتجدد الذاتي، لقد أصبحت المعرفة هو السلاح الاقتصادي في معارك الربح والإنتاج فاختفت العناصر القديمة لتحل عناصر جديدة تعتمد على الذكاء ومقدار إنتاجها وربحها يعتمد على المستوى النوعي والكمي لمعلوماتها، لذلك فإن الاقتصاد الذكي الجديد يتطلب عمالا هم أذكياء أيضا، لأن وحدات من العمال الأقوياء تخلي المكان تدريجيا لأعداد قليلة من العمال العاليي الاختصاص وللآلات الذكية، ويرى البعض أن المحرك الاقتصادي للاقتصاد العالمي الجديد سيكون مكونا من صناعات "الأنفوميديا الوسائط المعلوماتية"، وهي الحوسبة والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية وهذه الصناعات هي أكبر الصناعات العالمية الآن وأكثرها ديناميكية ونموا حيث يبلغ رأس مالها أكثر من 3 تريليون دولار، بالإضافة إلى ما تحققه صناعة المعلوماتية من أرباح اقتصادية في مجالات أخرى غير صناعية. ويمكن القول أن تطور ظاهرة المعلوماتية واحتكار أدواتها بيد نخبة صغيرة لتحقيق أرباح خيالية مطلقة سيؤدي بالنتيجة إلى تفاقم التفاوت الطبقي وزيادة الفقراء، خاصة أنهم أصبحوا غير قادرين على الإنتاج الاقتصادي لافتقادهم لمواردها الإستراتيجية الجديدة إن لم يتحولوا إلى مجرد مستهلكين للنفايات الإلكترونية، لذلك يعتقد البعض أن سهولة الوصول للمعلومات وإلى وسائل الاتصالات هو شرط مسبق للتطور الاقتصادي، فالبؤس لا يعيش في وفاق مع السلام لقد اقترحت استخدام جيشنا وقوة الثورة الرقمية لنقل ما أمكن من المعلومات والمعلوماتية إلى باقي دول العالم حتى تستطيع شعوب الدول النامية أن تصبح جزءا من المجتمع العالمي، ويجب علينا استخدام هذه المعرفة لنقل الرفاهية إلى باقي العالم قبل أن يتحول كل سكانه إلى مهاجرين ولاجئين أو معالين بواسطة الغرب. المعلوماتية سلطة جديدة أصبحت المعلوماتية في نهاية هذا القرن القوة القصوى والأولى التي تحدد الاستراتيجيات وتفرز التوازنات السياسية والعسكرية، فلم تعد القوة السياسية أو العسكرية في تحالفات وتكتلات سياسية وحشود عسكرية، بل أصبحت القوة في منطق العالم الجديد هي المعرفة التي بتزايدها ترفع مستوى القوة والتفوق على الآخرين، فلم يعد الغرب بحاجة اليوم لاستعمال الحشود العسكرية لاختراق المجتمعات المحصنة إذ استطاع بتكنولوجيته المتفوقة أن يفرض نفسه على الكثير من مناطق العالم وأن يحطم منظوماتها السياسية والثقافية عبر نشر أفكاره وقيمه ومشاريعه في حرب مسالمة لا دماء فيها ولا خسائر بشرية، فاليوم تمثل أسلحة مثل القنوات الفضائية ووكالات الأنباء والصحف والمجلات وتقنيات الكومبيوتر الحديثة مثل الإنترنت سلاحا خارقا يستطيع أن يحقق مالا تحققه القنابل النووية. فالحرب الحقيقية هي حرب التقنية والمعرفة والسيطرة على مصادر المعلومات، وهذا ينعكس بشكل واضح على التفوق العسكري إذ أن تفوق الغرب لا يرتبط إلى هذا الحد بعتاده العسكري إلا لان قواعده العسكرية ومختبراته وجنوده هي أدمغة وجيش من الباحثين والمهندسين وربما سيأتي يوم يكون فيه عدد الجنود الذين يحملون حواسيب أكثر من أولئك الذين يحملون بنادق، وباختصار أصبحت المعرفة الوسيلة المركزية للتدمير كما أنها الوسيلة الأساسية للإنتاجية، والجيش الجديد يحتاج إلى جنود يستخدمون عقولهم ويستطيعون التكيف مع مختلف الشعوب والثقافات ويتقبلون الازدواجية ويأخذون المبادرة ويطرحون أسئلة. الأنترنيت بوابة القرن ال21 إذا أردنا منذ عقدين أو أكثر من الزمن أن نتصور شبكة الأنترنيت ونتخيلها فإنها قد يتصور ضرب من الخيال ولكنها اليوم تمثل عماد المجتمع المعلوماتي الجديد ومعجزته التي يبشر بها حيث فتحت هذه الأداة الجديدة العالم على أبوابه ودكت كل التحصنات والأسوار فخيمت بانتشارها السريع على العالم الأثيري لينصاع العالم لها ويستسلم لجموحها، ولأنها سهلة الاستخدام فأنها أصبحت في متناول كل يد لا تستطيع أن تتحمل تكاليف استخدام الأدوات الإعلامية الأخرى الراديو والتلفزيون والصحافة، لذلك أصبحت منبرا مفتوحا للكثير من الجماعات والاتجاهات، كما أنها أصبحت نهبا للجماعات الفاسدة والمنحرفة التي أخذت تنشر الجريمة والإباحية والشذوذ والأفكار المنحرفة، إن شبكة الأنترنيت تنمو بشكل هائل، لتكون هذه الشبكة بمثابة تحقيق فعلي لاستعارة القرية الإلكترونية واثبات مجتمع المعلوماتية وسرعة تحقق الاتجاهات نحو تطبيق مفهوم العولمة، لقد أصبح امتلاك المعلومات قوة والأنترنيت توفر مجالا كبيرا لامتلاك المعلومات فهي تطلع مستخدميها على المعلومات أولا بأول بل قد تسبق أحيانا الوسائل الأخرى في نشر المعلومات- تقرير ستار حول فضيحة كلينتون على سبيل المثال والذي يعد علامة فاصلة في تاريخ استخدام الأنترنيت سياسيا- ، وتتيح الأنترنيت أيضا المعلومات من مصادر متعددة ومتنوعة ومن جهات ذات توجهات مختلفة، مما يساعد على مضاهاة ومقارنة المعلومات وتقييمها وهي لا تجعل المعلومة حكرا على أحد فالكل يعرفها والكل قادر على الوصول أليها وهي تتجاوز مستوى التغطية السطحية للأحداث السياسية. ويرى البعض أن الأنترنيت تمثل وجه العالم الجديد وهو المجتمع المعلوماتي، حيث تتحقق الديمقراطية العالمية عبر بوابة الأنترنيت ليصبح برلمانا مفتوحا يعبر فيه كل من يشاء عن رأيه ويشارك في اتخاذ القرارات وصنعها، إذ يرى المتحمسين لشبكة الأنترنيت فيها الديمقراطية القصوى لديمقراطية المعلومات تحت شعار المعلومات في كل مكان وكل وقت ولكل الناس، أي الأنترنيت عن طريق البريد الإلكتروني تعطي لكل فرد مقعدا مجانيا في البرلمان الجماهيري يناقش ويعترض ويتساءل ويستجوب وهو بالتكامل مع المجموعات الإخبارية «Usenet news» يجسد المفاهيم الديمقراطية التي دعا إليها فلاسفة الديمقراطية في عصور النهضة، ويضيف مناصرو الأنترنيت أنه عن طريقها يمكن أن يعبر المرء بحرية عن رأيه وأن يمتلك منبره الخاص وأن يتبادل الآراء وأن يشكل مع أصدقائه جماعة ضغط إلكتروني تؤثر على القرارات السياسية للحكومات وتوجهها كما أن بمقدور مستخدم الأنترنيت أن يشارك في صناعة القرار وأن يلتقي بالزعماء والرؤساء وأن يلقي بآرائه على مسامعهم، إن وجود هذا الحلم بنشر العدالة لا يعني أنه يتحقق في امتلاك هذه الأدوات المعلوماتية، لأن الفرق يبقى كبيرا بين منتجي المعلوماتية ومستهلكيها، وهو يستحيل تحقيقه طالما ظلت الأنترنيت شبكة خاضعة لسيطرة أباطرة المعلومات الذي يمتلكون كل أسرارها وقوتها وجوهرها ويرمون بالقشور إلى الباقيين وذلك أيضا للاستهلاك التجاري، لذلك يرى معارضو الأنترنيت أن مجتمع الأنترنيت إنما يمثل ثقافة المجتمعات الرأسمالية ومنتدى أصحاب البشرة البيضاء والذين يتكلمون بالإنجليزية ومعظمهم من الأمريكيين وأن فكرة الديمقراطية الإلكترونية تعبر عن مفهوم الهيمنة الغربية الذي يرى نفسه فوق الجميع ويستغل الأنترنيت للترويج لثقافة المنافسة الحرة والمشروعات الفردية، ويقول أنصار هذه الرؤية أن الحديث عن الديمقراطية «أون لاين» يجب أن يسبقه الحديث عن حقوق الأفراد الذين هم في مواقع ال«off-line»، فلم تتوفر لعدد كبير من الجمهور فرص تعليمية كافية ولا إمكانيات اتصالية للدخول إلى هذا العالم الافتراضي أو يصبحوا ضمن مواطني مجتمع الويب، فعدد مستخدمي الأنترنيت وفقا للتقديرات لا يتجاوز 175 مليونا مستخدم فأين هذا من المليارات البشرية، ومع القوة التي تتمتع بها الرأسمالية فإن فسحة المعلوماتية تضيق في وجه الأكثرية وتحجب عنها شمس الحرية التي تحلم بها، لأن دخول الشركات الكبرى إلى عالم الأنترنيت يمنع ويحد من دور الأفراد والجماعات الصغيرة في المنافسة مع ارتفاع التكاليف وقلة زوار المواقع الفردية التي لا تتمتع بمواقع مغرية مثل مواقع الشركات الكبيرة، فالأنترنيت قاصرة على نخبة مميزة وعلى شركات أعمال ضخمة تستغل المشتركين وتذبح المفهوم الجماهيري للديمقراطية، ومع غلبة الفعل المادي قد يخرج عدد كبير من المنافسين من ساحة الحوار الإلكتروني، إن الحكومات والشركات الكبرى بدأت بلعب دور حارس البوابة التقليدي مع تزايد مساحة التواجد التجاري الذي قفز في سنوات قليلة من 2% إلى 80% مدعوما بثقافة الترفيه وهو أمر ضد مفهوم الديمقراطية التي هي ليست سلعة تباع وتشترى وإنما هي فلسفة وطريقة حياة، لذلك فإن جل اهتمامهم الآن هو تحويل مستخدمي الأنترنيت إلى مستهلكين وهو أمر يحولها إلى متجر إلكتروني وليس إلى منتدى سياسي. إن الأنترنيت تمثل ذلك المجتمع المعلوماتي الجديد ولكنه مجتمع منغلق على نفسه لا يلبي إلا رغبات ومصالح النخبة التي تديره وتستخدمه، وهو بالتالي لا ينشر إلا الثقافة والمعلومة التي تسير في إطار ثقافته، وبعبارة أخرى فإن مجتمع الأنترنيت يسير في اتجاه التعليب الإعلامي المسيّر في أغلبه، إلا في بعض الموارد القليلة التي ينفرد فيها أفراد أو جماعات للتعبير عن آراءهم ولكنها تبقى صيحة خافتة في وسط صحراء شاسعة، هذا الأمر ينعكس علينا عندما نشعر بمدى ضياعنا في ذلك المجتمع المعلوماتي المعقد فالإحصاءات تشير إلى أن المواقع التي تنتشر على صفحات شبكة الأنترنيت يمثل منها 82% من المواد باللغة الإنجليزية، و4% باللغة الألمانية، و1.6% باللغة اليابانية، و1.3% باللغة الفرنسية، و1% باللغة الأسبانية، والباقي موزع بين باقي لغات العالم وأغلبها لغات أوربية، إن ملامح وأوجه المجتمع المعلوماتي يؤكد أن الإعصار الكبير سوف يجتاح الأمم وسوف يستأصل كل أسسه الفكرية والعقائدية والثقافية ويحولها إلى قطيع إلكتروني يستهلك ما تنتجه تلك الدول، وهذا التحدي يستدعينا لمواجهة هذا الإعصار والوقوف بصمود أمامه لا بقطيعته وسد أبوابه بشكل مطلق إذ أن الانغلاق مستحيل في عالم مفتوح جدا، وإنما بامتلاك أسلحة المعرفة امتلاكا حقيقيا قائما على الوعي السليم والاستفادة الناضجة من أدواتها لتحقيق النشر المعلوماتي الهادف في خير البشرية وسعادتها.