مبعوث الشروق إلى الأردن أمام مساكن أهل الكهف سؤال الزائرين عن الكلب الذي حرس الفتية يتكرر كل ساعة بئر أهل الكهف يسقي المنطقة منذ آلاف السنين لا يمكن لأي زائر أو سائح إلى الأدن أن يصبر على عدم رؤيته لبيت أصحاب الكهف والرقيم.. تلك القصة التي وردت كاملة في القرآن الكريم، وفي سورة سميت باسمه: سورة الكهف، وتتوسط هذه السورة نصف المصحف الشريف، إذ تأتي في الحزب الثلاثين من مجموع 60 حزبا، وتتمركز في الجزء الخامس عشر من مجموع 30 جزءًا وكلمة "وليتلطف" التي جاءت في منتصف القرآن هي المنتصف، حيث تتساوى عدد الحروف ما قبلها وما بعدها في صورة إعجازية، تجاوزت حدود العقل البشري. * يقع مسكن أهل الكهف والرقيم في جبل عمان، بمسافة 11 دقيقة عن ميدان جمال عبد الناصر بدوار الداخلية، أخذنا سيارة تابعة لديوان الترشيد السياحي من نوع "CERATO" ذات السرعة الآلية، يقودها السائق "جورج" من أصول فلسطينية، هاجر أرضه بعد أن جرفت الجرافات الاسرائيلية بيته، فاستقر به الأمر في وظيفة مؤقتة كسائق، رغم حصوله على شهادة مهندس دولة في البناء.. كان منضبطا في وقته وموعده الذي حددناه على التاسعة صباحا بتوقيت عمان، الثامنة بتوقيت الجزائر، ولم تكن هناك زحمة مرورية. اختصرها في أقل من وقتها المعروف وعلى وقع "الدبكة" حتى وصلنا مشارف المكان المعمور.. رأيت الناس صورة مصغرة عن الحج الأكبر، منتشرين جماعات في ذلك الجبل، ركَن "جورج" سيارته بقرب المسجد، ونزلنا لنعرف خصائص المنطقة، فاستقبلنا دليل أهل الكهف، يقوم هذا الرجل بالشرح والتفسير للزوار عن فتية أصحاب الكهف، وقبل أن يأذن لنا بالتصوير، نودي إلى جميع الحاضرين المقدرين بالمئات إلى الاستماع له.. فبدأ يقول.. إن قصة أصحاب الكهف وقعت في هذا المكان، حيث كان هناك شبان فرّوا من قومهم خشية الفتنة في دينهم، في زمن ملك يقال له "دقيانوس"، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد قومهم، فرأوا ما يتعاطاه قومهم من عبادة الاصنام وتعظيم الأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وأنكروا ما هو عليه قومهم من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم »إذا قاموا فقالوا: ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها.. لقد قلنا إذا شططا« وقالوا أيضا »هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة، لولا ياتون عليهم بسلطان بين، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا« وبقي دليل أصحاب الكهف يعرج على أهم المحطات الإيمانية في حياة الفتية، وسط خشوع الحاضرين من المسلمين والمسيحين على حد سواء، وازدادت لهفة السياح للمعرفة أكثر فقالوا: وكيف أتوا واستقروا في هذا المكان؟ ليجيب الرجل الدليل: "لقد أووا إلى غار سيّره الله في غاية التسيير، واسع الفجوة، بابه نحو الشمال، لا تدخله الشمس لا في طلوعها ولا أثناء الغروب، فناموا في كهفهم بحفظ الله ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم، إذ أنه في الغار تولى الله حفظهم: "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" وذلك لكي لا تبلي الأرض أجسادهم، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة ليتساءلوا بينهم، وليقفوا في آخر أمرهم على الحقيقة، فتساءل أحدهم: كم لبثتم وبقيتم في هذه المغارة؟ ليجيب عليه آخر.. ربما يوما، أو ليالي فقط. فأمروا واحدا منهم أن يخرج إلى المدينة ومعه نقود تعود إلى مئات السنين، ليأتي لهم بالأكل والفاكهة، على أن يتحرى خفيته عن القوم ويتوارى عن أنظارهم، وإن لطف الله بهم في هذه النومة الطويلة كان حفاظا على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم، وآية من آياته التي يستدل بها على كمال قدرته وعظيم إحسانه". * نظرت بجانبي فأحسست بضيق المكان، والتفت ورائي، فرأيت الناس واقفين وكأن على رؤسهم الطير، شاخصة أبصارهم، ثم تساءلت إحدى السائحات عن هذا المسجد الذي اتخذوه في زمانهم، فرد الدليل أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم، أناس أهل تدين، ولأنهم عظموهم حدّ التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم. * فالمقصود أن ذلك الخوف المبين من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم الغار، أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا، وهذه عوائد الله في من يتحمل المشاق من أجله، فيجعل الله عاقبة أمره يسرا. * بدأ الجمع يتزايد ويتزايد في مكان أصحاب الكهف، فكان لزاما على الدليل أن يستعين بالمكبر الصوتي، وسئل عن سبب مرافقة الكلب لهم، فقال: إن كلب أهل الكهف هو الكلب الذي صاحب الفتية الذين آمنوا بالله، فزادهم ربهم هدى، حيث صاحبهم الكلب وبات تابعا لهم منذ أن رآهم، وقضى بعد ذلك حياته في خدمتهم، وعندما خيم الليل اجتمع الفتية وتناقشوا في أمرهم ثم قرروا الرحيل من المدينة سرا، فسار الفتية ليلا وسار خلفهم كلبهم المطيع ليحرسهم عندما خرجوا من المدينة، ودخلوا كهفهم، تبعهم كلبهم، وأكل وشرب ثم بدأ الفتية في الصلاة وأخذوا يتوضأون بقلل وأوان طينية (ترونها اليوم كما هي)، وحينما شرع الفتية في الصلاة.. وقف الكلب على باب الكهف، وبعدها غط الجميع في نوم والكلب نائم عند مدخل الباب مدة 309 سنين. * بعد ذلك لخص دليل أصحاب الكهف الفائدة من قصتهم، فقال: "الحذر في كل الحالات مطلوب، وحينما استيقظ الفتية شعروا بالجوع، فأرسلوا واحدا منهم فقط، لأن الواحد أقدر على التخفي ولا ينتبه إليه أحد، وهروبه أسهل إذا شعر بعيون العدو تلاحقه، وأوصوه بأن يكون كلامه لطيفا ومختصرا دفعا للشك والريبة. * ثم إن نوم أصحاب الكهف دليل قاطع على أن الله قادر أن يبعثنا من قبورنا، ويحشرنا وينشرنا كيفما شاء * من بين ما دلت عليه هذه القصة العظيمة أن وقت المؤمن ثمين، ومنها قوله تعالى: "فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا" والمراء لا يزيد المؤمن ولا يفيده في شيء، فما يزيدك لو عرفت عدد الفتية أو أسماءهم أو أعمارهم؟ أما الفائدة المرجوة تجدها في أفعالهم، وثباتهم على المبدأ. * أمر مهم يجب الوقوف عنده، وهو تعليق الفعل بمشيئة الله "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"، فقد عاتب الله تعالى نبيه الكريم على قوله للكفار حين سألوه عن الفتية والروح وذي القرنين، غدا سأخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك، فاحتبس الوحي عنه 15 يوما حتى شق عليه ذلك، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه الآية مفرّجة عنه، وأُمر هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور "إني فاعل ذلك غذا. إلا أن يشاء الله" بمشيئته. * ثم أذن لنا دليل أصحاب الكهف بزيارة البئر التي كانوا يملأون منها الماء، وثم دنوت منه لأسئله عن عدد السياح إلى آثار ومقامات أصحاب الكهف، فقال لي إنه يختلف من يوم لآخر، ويزداد في أيام العطل "الجمعة والسبت". * وهناك من المسيحيين من أعلنوا إسلامهم داخل مرقد أصحاب الكهف، وخلال سنة فاق عدد الذين أسلموا ال800 شخص من مختلف الجنسيات، ومنهم من يعلن إسلامه هنا، ويغتسل بالمسجد ويصلي ركعتين فيه. * وما يلاحظ في هذا المكان هو البئر التي مازالت إلى اليوم تخرج ماء معينا صالحا للشرب، حفره الفتية الذين آمنت منذ آلاف السنين، ولا شك أن من زار المنطقة يدرك أن هذا المقام عزيز، وأن هذا المكان باركه الله لشبان عرفوا الله وقدروه حق قدره، فأنزل عليهم ستره وبركته، أصدقكم أني حينما دخلت بيت أصحاب الكهف حدثتني نفسي: انظر إلى هذا المكان.. رضي الله عن الفتية الذين آمنوا به. فهل نحن أيضا رضى الله عنا، ومن بيننا من يسبه والعياذ بالله. * وقبل أن يُسب أحدٌ يبدأ المسكين بسب الخالق، وهذا واقع في الجزائر من شرقها إلى غربها مرورا بوسطها.. وترانا نكفر بنعم الله ولا نحمده عليها، ونغضب إذا أمسك المطر، وندعو الله فيتجاوز عنا، ويرسل علينا غيثه لآهات الشيوخ الركع، وأنين الأطفال الرضع، وصيحات البهائم الرتع، وبعده نعصيه بنعه التي أنعم علينا، فخلق لنا اليد لنعمل بها، أما نحن فنبطش بها، ولنتصدق بها.. فنسرق بها. * خلقنا على فطرة الحياء.. فكسرنا ستره علينا، وجاهرنا بالمعاصي وتحديناه بالذنوب، ولكن الله حيي يستحي من عباده ويقول: كيف لا أغفر لعبادي وقد سميت نفسي الغفار لمن تاب وآمن.. * نحن لم نقدر خالقنا حق قدره، وهو الذي ترك لنا آيات نراها بأعيننا، لو كانت تبصر، ولم نستح من الله حق الحياء، ومع هذا يغدق علينا من نعمه ولم يقل لنا: "أخرجوا من أرضي"..! * فأين يذهب من أكل أموال الشعوب، وزج بأهلهم في السجون، وعذبهم بالنار والكهرباء، وأين يذهب من ألصق جسمه بكرسي الحكم.. يوم يقول له مالك الملوك "لمن الملك اليوم؟". * وعذرا أيها القارئ الكريم.. إن استرسلنا في الحديث في هذه القصة، لأن من أحس بإيمان فتية أصحاب الكهف، يعلم أنه وقت مراجعة إيماننا قد حان، إذا لم نقل: علينا الدخول في الإسلام من جديد.. فجددوا إيمانكم.